Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

قطع الشعب قول كل كافر به

بقلم : أمير بابكر عبدالله
جيناك يا وطن كداري
ما جيناك بي ترحال
جيناك يا الحبيب سداري
فاطرين من جيوبنا حلال

أهزوجة الثورة التي لخصت كل شيء اليوم.. كل شيء، وقطعت دابر كل قول أو فعل يريد بهذا الوطن أن يرجع القهقري إلى سنوات التيه والضلال. كنت قد ختمت كتابة لي على حسابي في الفيس بوك، قبل أكثر من عشر أيام، تحت عنوان متسائل “هو الشعب السوداني ده منو؟”، ختمتها بالحقيقة الناصعة التي يحاول البعض أن يطمسها بافتراءاته وأكاذيبه وشائعاته، ويطمع آخرون بأن يواريها الزمن في مقبرة النسيان، وهي “عندما قرر الشعب السوداني أن يسقط البشير، أسقطه. لم تسقطه الأحزاب ولا الجيش ولا الدعم السريع، وإنما أسقطته روح الشعب الموحد عندما اجتمع على كلمة واحدة “تسقط بس”. وقلت إن هذه الروح ستعود متى ما استدعى الأمر أن تعود، فالروح لا تموت.

أهزوجة هزمت كل أطروحات الخنوع والسياسات التي حاولت أن تجعل من هذا الشعب العظيم مجرد مسخ يلعق أقدام جلاديه، وأكدت معدنه الأصيل ومدى عشقه لهذا الوطن مستدعية كل الإرث الأخلاقي الراقي الذي رضعه من أثداء حرائر هذا البلد وتربى عليه تحت رعاية آباء وأجداد عظماء. هذا الإرث الأخلاقي وما يحتويه من قيم إنسانية ومثل راقية ظل مستهدفاً طوال ثلاثة عقود، لكنه ظل يقاوم ويستبسل في المقاومة إلى أن نجح في إزالة الطواغيت وأفكار عصور الظلام والانحطاط، ليتجلى ذلك الإرث في ساحات الاعتصام أمام القيادة العامة في أبريل 2019، عالماً ليس من كوكب آخر ولا “يوتوبيا” التي حلم بها السياسي والكاتب الإنجليزي توماس مور، وإنما هو إرث لقيم أصيلة تربى عليها هذا الشعب. وهي حقيقة قيم مرعبة ومخيفة لمن يريد حكمه، لأنها قيم متمردة بطبيعتها على الجبن والخنوع، متمردة على الاستكانة والذل، متمردة على البخل والأنانية. على العكس تماماً، تفيض بالكرم وحب الآخر وممتلئة بالعزة والشجاعة وعاشقة للحرية والكرامة، وتلك قيم يهابها الحكام ويخشاها إذا ما اجتمعت في شعب، لذلك يواجهها الغافلون منهم بالقمع والتخويف والإرهاب في محاولة لتطويعها، ودائماً ما يفشلون طال الزمن أم قصر. ولم يكن فض اعتصام القيادة العامة بهذه الدموية والبربرية إلا خوفاً ورعباً من عودة هذا الإرث وتلك القيم إلى السطح وبهذا السفور.

أهزوجة استدعت، في كلمات بسيطة، إرث الإنسان السوداني العاشق لتراب وطنه والذي لا يبخل بغالٍ ولا رخيص فداءً له. استدعت قيم إنسان الريف والمدينة، واستدعت قيم العسكرية الحقة وتلك القصة الشهيرة للضابط السوداني العظيم قائد القوة السودانية التي شاركت في صد العدوان العراقي على الكويت في ستينيات القرن الماضي، الذي أمر جنوده بالعبارة العسكرية “أرضاً ظرف”، رافضاً البادرة الأميرية لتكريم الجنود السودانيين، لأنهم جاءوا لأداء واجب وليس مرتزقة. تلك هي قيم العزة والكرامة السودانية التي رضعها الجندي السوداني من ثدي هذه الأمة، وحق لنا أن نتساءل من أي ثدي رضع الذين يبيعون عرق جنودهم في حروب الارتزاق من أجل حفنة من الدولارات، ولكن لا غرابة فالبشير الذي كان على رأس الطواغيت الذين أرادوا طمس معالم وأخلاق هذا الشعب، كان لابد له أن لا يستثني أحداً من ذلك.

أهزوجة شملت كل شعارات الثورة، فاها هي الحرية تلك القيمة الأصيلة في نفوس السودانيين يضرب لها هؤلاء الشباب والشابات أكباد الإبل “كداري وبدون ترحال”، وهم الراغبون في السلام لم تثنيهم كل محاولات القمع سابقاً ولا قتل رفاقهم بدم بارد في ساحات الاعتصام من التشبث بالسلمية، ويحلمون بوطن تسوده العدالة ويقطعون من أجلها الفيافي “سداري” ودون مغريات مادية كما اعتاد أن يحشد الطواغيت ومن شابههم وسار على دربهم لذلك “فاطرين من جيوبم خلال”.

أهزوجة قطعت قول كل كافر بهذا الشعب.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *