الانقلاب ومسؤولية قوى الحرية والتغيير
بقلم : محمد عتيق
إختلف الناس في معسكر الثورة واتفقوا على كل شيء ؛ من تأييد الحكومة الانتقالية ورئيسها الدكتور عبدالله حمدوك إلى المشروع الاقتصادي ومنهج الدولة فيه ، ومن قضايا التعليم في مناهجه ورسومه إلى مصاعب الطبابة ومشاكل الدواء وجوداً وأسعاراً .. اختلفوا واتفقوا في/ وعلى كل شيء ، وذلك شيءٌ طبيعيّ إذ هو أمر صراعٍ اجتماعيّ في إطار دولةٍ وثورة ، الصراع الذي تختلف أشكاله باختلاف الأحوال والعلاقات القائمة متنوعةً من أبسط القضايا إلى أكثرها رفعةً وسمواً ، ولكن ، عندما يكون المجتمع كله مُهدّداً في وجوده ؛ وحدةً واندماجاً واستقراراً ، فإن الصراع يجب أن يأخذ شكلاً أعلي ، صيغةً أرفع ، لمواجهة ذلك التحدّي الشامل الذي يستهدف الوطن مع الجميع أحزاباً ونقابات ومنظمات مدنية ..الخ
أمام “محاولة الانقلاب” في 21 سبتمبر 2021 التي تزامنت مع حركة السيد تِرِك في شرق السودان ، أيضاً إختلف الناس : هل هي مجرد مسرحية قام بتمثيلها المكون العسكري تمهيداً لانقلاب حقيقي قادم يقوم به هو ، أم كان انقلاباً حقيقياً يقف أرباب النظام الساقط خلفه إنتقاماً لهزيمتهم الساحقة أمام شعب السودان وشبابه الناهض في ديسمبر ، ولكنه خلافٌ في التفسير ، أما النتيجة فلا خلاف حولها لأن الوقائع ومعطياتها تقول أن هدف أي انقلاب في النهاية هو ضرب “الثورة” برمّتها ، أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء ، إلى حُكمٍ دكتاتوري قاتل ومعزول ، ولا فرْقَ هنا بين أن تكون الأداة هي المكوِّن العسكري أم أرباب النظام الساقط فالنتيجة واحدة : أن يذهب ريح السودان إلى الأبد ، أن يَتَفتَّت على أسسٍ قَبَليةٍ وجهوِيّة ..
فإذا كان الصراع بين القوى السياسية في مختلف تكتلاتها ، قُربها أو بُعدها من الحكومة الانتقالية ، إذا كان كل طرفٍ فيه يستهدف بناء ديمقراطية مستدامة قائمة على التعدد البديع في بلادنا، وحدةً واندماجاً ، تُطلق العنان أمام الإبداع وحركة التنوير ، لتدومَ وتترسخ مؤسَّسَةً لدولةٍ ناهضةٍ نامية ، إذ هي كلها أطراف وطنية تجتهد وُسعها على طريق الانتصار للشعب وللوطن ..
أمام التهديد في (الوجود) لن يكون الخلاف بين مكوناتنا السياسية حول المنهج الاقتصادي أو احتكار بعض القوى تمثيل قحت أو خطوط السياسة الخارجية …الخ وإنما انتفاء الخلاف بينها (على الأقل مؤقتاً) والوحدة من أجل الوجود ؛ هذا هو الهدف المقدَّم والوحيد الآن ..
ونحن أمام أن تنتصر الثورة وتتقدّم رافعةً ألوية الوحدة والوجود لبلادنا ، نعلم أن المكون العسكري ، (القيادة الحالية للجيش) ليس هو القوات المسلحة بل قيادة مفروضة عليها بسبب ظروف وملابسات يعلمها الجميع ، ونعلم أن أبناءنا البررة في الخدمة العسكرية منحازون لوطنهم وشعبهم ، من الشعب وإليه ، ونؤمن جميعاً بأن وظيفتها الأساسية والوحيدة هي حماية التراب الوطني والنظام الدستوري ومساعدة الشعب في ظروف الكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة…الخ..الخ ، بعض المغامرين منهم أضاعوا على شعبنا سنوات طويلة عزيزة ، عبثوا فيها بمقدرات الوطن وصادروا الحريات ونصبوا لمناضليه ورموزه المشانق والمعتقلات ؛ فليساهم الجميع في إعادة تكوينها وهيكلتها وبنائها وفق مهماتها الأساسية وبعقيدةٍ وطنيةٍ واضحةٍ ومُلهِمة ، والعمل على تنفيذ برنامج كبير للدمج والتسريح لكافة المليشيات والقوى المسلحة في إطار عمليةٍ كبيرةٍ يكون الاعتماد فيها على الكفاءات العسكرية السودانية التي تعجَُ بها قوائم المفصولين…الخ ، جيش وطني قوي محترف لا تلهيه التجارة وامتلاك الشركات وإدارة الاستثمارات ، تنفق الدولة على تسليحه وعلى مناشطه ومعاشه ، “نفس الشيء بالنسبة للقوات الأمنية والنظامية الأخرى” .. وهذا أمرٌ يفترض طريقاً واحداً من الطريقين :
– اما ان يعود المكون العسكري إلى الرشد الطبيعي في أمر الشراكة بأفق وطني رصين ووفقاً لنصوص الوثيقة الدستورية ، وليعود المجلس السيادي إلى وظيفته الطبيعية في الأعمال السيادية المذكورة ..
– أو أن تستعمل القوى السياسيةُ قُوَّة الثورة الحقيقية ، قوة الشارع والشباب ، وهي القوة التي لن تتمكن الحركة السياسية من استعمالها بكفاءة إلا بوحدتها نشاطاً وموقفاً وهدفاً واضحاً في الانتصار للثورة ووحدة الوطن ، وما ٣٠ يونيو ٢٠١٩ ببعيدة عن الاذهان .. لن يحدث شيءٌ من ذلك إلا على أكتاف الوحدة – المذكورة آنفاً – بين قوى الثورة وكل سواعدها ..
الجميع تقريباً يذكر الوحدة ويتغنى بها ليل نهار ولكنها ليست بالسهولة التي تتردد بها على الألسن ، إنها عملية قاسية تحتاج نفوساً وعقولاً كبيرة لا تعبأ بسفاسف الأمور والقضايا الجانبية الصغيرة لأنها تفرض تنازلات متبادلة بين الجميع ، والمتنازل هنا هو المنتصر وهو الأكثر اهتماماً بوحدة الوطن واستقراره ومستقبل أجياله ..