Saturday , 20 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

لا حَدَّ للتنازلات يا حمدوك..

بقلم : محمد عتيق

محمد عتيق
محمد عتيق
المخاطر لا تُحدِق بالثورة فحسب وإنما بالوطنِ كله ؛ في أن يكون ديمقراطياً موحَّداً ناهضاً أو مُفَتَّتاً تذروه رياح الجهوية والقبَليَّة العنصرية .. ولما كانت الثورة هي أداة النهوض بالوطن (الثورة في عذوبتها الأولى وبريق أهدافها العميقة العظيمة حين تستأنف الصعود) ، فإن حماية هذه تكون من حماية ذاك..

مثالين :

الأول : من المخاطر التي رافقت الثورة منذ تباشير نصرها : التنظيم العسكري العنصري المُسَمَّىٰ ب “قوات الدعم السريع” .. كلنا نعرف كيف أن أساسها هو (الجنجويد) ، المليشيات القبلية العنصرية التي روّعت دارفور وأهلها وأرّقت الضمير الإنساني في كل مكان ، استخدمها النظام الساقط في تنفيذ سياساته ثم استقدمها إلى الخرطوم لتحميه وأغدق عليها التسميات العسكرية الرسمية ومصادر التمويل مُمَلَّكَةً لآل دقلو (العائلة المالكة) الجديدة ، فرضت نفسها على الثورة بحجة حمايتها ، وذهبت تلتقي بعض فئات المجتمع (وحتى بعض القوى السياسية) وقطاع من (المثقفين) تُرَوِّج لقائدها وتُسوِّقه ، وتعمل على تجنيد الشباب في صفوفها وتتمدّدْ حجماً ونوعاً كجيشٍ موازٍ للجيش الوطني ، له جاذبيَّته للشباب البسيط بممارسة العنف والتسلُّط والمغريات المادية …الخ..الخ..

ومع ذلك ، وبعد عامين من تكليفه برئاسة الحكومة الانتقالية بتفويضٍ شعبيٍّ عارم ، ذهب الدكتور حمدوك إلى رئاسة تلك القوات (الدعم السريع) ولَمَّا تَجِفُّ دماء بعض ضحاياها (من الشهداء) !! هل ليُشركها في ذلك التفويض الشعبي الممنوح له ؟ .. للإعتراف بها وكسب ودّها ؟ ربما استقواءاً بها في صراعات داخلية ؟.. هل لديه إجابات على :
– لماذا هذه القوات أصلاً وما هي آفاقها المستقبلية ؟

– ولماذا الإصرار على استمرارها هكذا ، ما هي مخاطر جيشين في وطن واحد ، أحدهما مليشيا عائلية عنصرية ؟ ، راجين من سيادته إعلام الشعب بالأجوبة..

“ولماذا لا تكون قوات الدعم السريع بنداً في أعمال لجنة إزالة التمكين والتفكيك فهي من أكبر مفاسد النظام الساقط ؟ ”

المثال الثاني : في خضم التعبيرات العنصرية الرائجة : “النخب الشمالية ، التهميش ، الشمال النيلي ، تقرير المصير …الخ” ، وعلى ضوء الوثيقة الدستورية (بعيوبها) التي تنصُّ صراحةً على أن رئيس الوزراء بحكومته المدنية هو الحاكم الفعلي للسودان في الفترة الانتقالية ؛ هل استشعر السيد حمدوك مسئولياته وفكَّر مع قوى الاستنارة عن ماهيّة السودان ؟ وهل السودان الَّا شرقه بشواطئه القلزمية (البحر الأحمر) وسهوله المنبسطة داخل الوطن ؟ فالشرق هو السودان ، رئته ، موانئه البحرية ، إطلالته على العالم، أفلا يستحق أن يكون على رأس اهتمامات الثورة ؟ ، وعندما نقول شرق السودان – وفوق انه هو السودان – فإننا نعني البقعة الأكثر تهميشاً وإهمالاً بتداخل قسوة الطبيعة الصحراوية مع قسوة قلوب المسؤولين في كل العهود (الوطنية) ، لماذا نترك إنسانه البسيط المسكون بالسُّلّ والأنيميا نهباً لأطماع الفاسدين من بعض رجالات الإدارة الأهلية يستغِلُّونه ويقتاتون على قضاياه وهمومه ؟

صحيحٌ أن مفاوضات الوثيقة الدستورية ، بتوازنات ذلك الوقت ، قد جعلت سلطات الأجهزة العسكرية والأمنية في يد المُكَوِّن العسكري ، ولكن لا ينبغي لها أن تُنْسي المدنيين – وعلى رأسهم د. حمدوك – مشروعِيَّتهم المسنودة بشباب المقاومة في مختلف لجانهم ، ففي ذلك النسيان تجاهل بأنها هي القوة التي أعادت لهم التوازن مع اللجنة الأمنية في ٣٠ يونيو 2019.. هذا هو السلاح الشرعي الأساسي إلى حين إنجاز التحوُّل الديمقراطي واستكماله بالانتخابات العامة في نهاية الفترة الانتقالية ..

الدكتور عبدالله حمدوك لا يملك إجابات مقنعة لأسباب زيارته لقوات الدعم السريع ولا لسبب إهماله لشرق البلاد ، عدم اهتمامه بإنسانه ولا موانئه إلى أن استفاق على جَلَبَةْ هؤلاء البائسين الفقراء على طرقات وموانئ الشرق تلبيةً لنداء مُستغِلِّيه ومصّاصي دمائه ، كما سيستفيق غداً (لا قَدّر الله) على جَلَبة الجنجويد وهم يعلنون ميلاد دولتهم العائلية/العنصرية في وطننا .. إضافةً إلى غيرها من سياساته المعادية للشعب وللوطن في مجالات الاقتصاد والعلاقات الخارجية وإهمال قوته الوحيدة المتمثلة في شعبه ولجان المقاومة والقوى الديمقراطية ، نؤكد أنه لم يَعُدْ صالحاً لقيادة الفترة الانتقالية بل ضارّاً ، وأنه إذا كان هنالك مجال يستطيع أن يكون ( المؤسس) فيه ، فهو مجال مصارحة الشعب بالعجز والفشل ، الاعتذار ، ثم الاستقالة ، فيكون المؤسس بالفعل لسلوك الاعتذار والاستقالة إقراراً بالفشل وليس البناء والتأسيس الديمقراطي لدولة الرعاية الاجتماعية ..

Leave a Reply

Your email address will not be published.