الحقوق والالتزامات في اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (4)
دكتور فيصل عبد الرحمن علي طه
[email protected]
1
إن المادة 13 من اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل مستوحاة من المادة 29 من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجاري المائية الدولية. وبموجب المادة 13: يتمتع نظام نهر النيل، والإنشاءات والمرافق و الأشغال الهندسية الأخرى المتصلة به، بالحماية التي تمنحها مبادئ القانون الدولي وقواعده الواجبة التطبيق في النزاع المسلح الدولي وغير الدولي، وبوجه خاص فإن قواعد القانون الدولي الإنساني الدولي لا يجوز استخدامها بصورة تنطوي على انتهاك لهذه المبادئ والقواعد.
2
في تعليقها على المادة 29 من اتفاقية الأمم المتحدة، ذكرت لجنة القانون الدولي، أن هذه المادة ترمي إلى التنبيه بأن قواعد القانون الدولي التي تكون واجبة التطبيق في حالة النزاع المسلح الدولي وغير الدولي تحتوي على أحكام مهمة تتعلق بالمجاري المائية الدولية وأوضحت اللجنة أيضاً أن المادة 29 لا تغير أو تعدل في القانون الموجود. وهي كذلك لا ترمي إلى جعل انطباق أي صك يشمل دولاً ليست أطرافاً في ذلك الصك.
3
ومن جهة أخرى نوّهت لجنة القانون الدولي إلى أن المادة 29 ليست موجهة إلى دول المجرى المائي فقط، لأن المجاري المائية والأشغال الهندسية المتصلة بها يمكن أن تستخدمها، أو تهاجمها في وقت المنازعات المسلحة، دول أخرى. ولذلك ينبغي التذكير بأن قانون المنازعات المسلحة يسري على المجاري المائية الدولية.
4
إن مواد اتفاقية المجاري المائية تبقى سارية في أوقات المنازعات المسلحة. ولذلك تظل قائمة التزامات دول المجرى بحماية واستخدام المجرى المائي والأشغال الهندسية المتصلة به. غير أن المنازعات المسلحة قد تؤثر على حماية واستخدام المجرى المائي من قبل الدول المشاطئة له.
5
ففي حالة المنازعات المسلحة تنطبق على المجرى المائي المبادئ والقواعد التي تحكم المنازعات المسلحة. ومن أمثلة ذلك:
المادة 23 (أ) من لائحة لاهاي لعام 1907 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، والتي تحظر تسميم الموارد المائية.
الفقرة 2 من المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس 1949 المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة. تحظر هذه الفقرة مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والموارد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين. ومن أمثلة ذلك مرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري.
الفقرة 1 من المادة 56 من نفس البروتوكول الإضافي الأول التي تنص على ألا تكون الأشغال الهندسية أو المنشآت التي تحوي قوى خطرة، ألا وهي السدود والجسور والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية محلاً للهجوم حتى ولو كانت أهدافاً عسكرية، إذا كان من شأن مثل هذا الهجوم أن يتسبب في انطلاق قوى خطرة ترتب خسائر فادحة بين المدنيين.
كما لا يجوز تعريض الأهداف العسكرية الأخرى الواقعة عند هذه الأشغال الهندسية أو المنشآت أو على مقربة منها للهجوم إذا كان من شأن مثل هذا الهجوم أن يتسبب في انطلاق قوى خطرة من الأشغال الهندسية أو المنشآت ترتب خسائر فادحة بين السكان المدنيين.
وتسري نفس أوجه الحماية المذكورة أعلاه على المنازعات المسلحة غير الدولية بموجب المادتين 14 و 15 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1949.
وعلى صلة بالمجاري المائية الدولية، ما ينص عليه البروتوكول الإضافي الأول في الفقرة 1 من المادة 55 بأن تُراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة الواسعة الانتشار، والطويلة الأمد.
6
ذُكر في أحد المصادر أن مادة الأمن المائي – أي المادة 14، أُدرجَت في اتفاقية الإطار التعاوني كاجتهاد متأخر من قبل لجنة التفاوض. فقد قدرت اللجنة أن الدفع بمفهوم الأمن المائي سوف يمهد الطريق للحلول التوفيقية، بدعوى أنه يتمتع بمزية التقليل من أهمية المعاهدات القائمة، وتنحيتها إلى الخلفية لصالح المبادئ الأكثر تقدماً ودينامية التي يتسم بها القانون الدولي للمياه. وسنرى من بعد أن المفهوم قد جاء بنقيض ما أُريد به.
7
نصت المادة 14 من اتفاقية الإطار التعاوني على الآتي: “مع المراعاة الواجبة لأحكام المادتين 4 و 5، فإن دول حوض النيل تدرك الأهمية الحيوية للأمن المائي لكل منهم. كما تدرك هذه الدول أن التعاون والإدارة وتنمية مياه نظام نهر النيل سوف تُسهِّل تحقيق الأمن المائي ومنافع أخرى. ولذا فإن دول حوض النيل من منطلق روح التعاون، قد اتفقت على ما يلي:
(أ) العمل سوياً لضمان تحقيق كل الدول للأمن المائي واستدامته.
(ب) عدم التأثير بشكل ذي شأن على الأمن المائي لأي دولة أخرى من دول الحوض.”
8
وافقت جميع الدول على الفقرة 14(ب) باستثناء السودان ومصر. وطرحت مصر صيغة بديلة هي:
“(ب) عدم التأثير سلباً على الأمن المائي والاستخدامات والحقوق المائية لأي دولة أخرى من دول حوض النيل.”
9
توالت بعد ذلك ولعدة سنوات اجتماعات وزراء المياه بدول الحوض بغرض الوصول إلى صيغة توافقية بشأن المادة 14(ب). وفي نهاية الأمر قرر الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري لدول الحوض الذي عُقد في كينشاسا في 22 مايو 2009 إلحاق المادة 14(ب) بالاتفاقية، على أن يتم البت فيها من قبل مفوضية حوض نهر النيل، وذلك في غضون ستة أشهر من إنشائها. وفعلاً تظهر الآن المادة 14(ب) في نهاية الاتفاقية بصفة Attachment.
10
نعيد هنا ما سبق أن ذكرناه، وهو أنه يكمن وراء الصيغة الأصلية للمادة 14(ب) والصيغة التي اقترحتها مصر لب الخلاف بين دول أعالي النهر، ودول أسفله. يدور هذا الخلاف حول الاثر القانوني لاتفاقيتي 1929 و1959 والحصص التي خُصصت بموجبها للسودان ومصر. ويُفهم من الصيغة التي اقترحتها مصر وأيدها السودان تمسكهما بهذه الحصص. وأنهما لن يقبلا إلغاء هذه الحصص أو استبدالها بحصص أخرى، يحددها تطبيق عوامل الاستخدام المنصف والمعقول المنصوص عليها في المادة 4 من اتفاقية الإطار التعاوني، والتي لا تعطي أفضلية للاستخدامات الحالية، بل تحيلها إلى المرتبة الخامسة في قائمة العوامل.
11
ومن ناحية أخرى، فإن دول أعالي النهر لا تعترف باتفاقية 1959 لأنها ثنائية ولا تلزمها. ولا تعترف دول شرق أفريقيا الثلاث التي كانت تحت النفوذ البريطاني، وهي أوغندا وكينيا وتنزانيا باتفاقية 1929. وهكذا ظل الوضع عندما قررت سبع دول من دول المنابع بإرادتها المنفردة، في 13 أبريل 2010 فتح اتفاقية الإطار التعاوني للتوقيع عليها.
12
ولكن في 23 مارس 2015 حدث تطور مفاجئ. فقد وقع رئيسا السودان ومصر، ورئيس وزراء إثيوبيا على إعلان مبادئ حول مشروع سد النهضة. وقد كان ضمن الإعلان البند 4 الذي حدد العناصر التي يُسترشَد بها لتحديد الاستخدام المنصف والمناسب. وهي ذات العناصر التي وردت في المادة 4(2) من اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل.
13
وسبق ان ذكرنا أنه بموجب البند 4 من إعلان المبادئ فإن:
هناك مساواة بين الاستخدامات الحالية والاستخدامات المحتملة للموارد المائية.
الاستخدامات الحالية ليس لها أفضلية أو أسبقية على العناصر الأخرى.
الاستخدامات الحالية لا يمكن أن تؤسَّس عليها حقوق قانونية غير قابلة للنقض أو الإلغاء.
ألا يمثل هذا تراجعاً من دولتي أسفل النهر – مصر والسودان – عن موقفيهما بشأن الفقرة (ب) من المادة 14 من اتفاقية الإطار التعاوني بشأن الأمن المائي؟