Sunday , 24 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الثورة ، السلام والترتيبات الأمنية ؛ هل نحن جادُّون ؟

بقلم : محمد عتيق

محمد عتيق
محمد عتيق
يقف المراقب للوضع في السودان محتاراً أمام المشهد الوطني في تفاصيله وجوانبه المختلفة ؛ كلها تتفق على أن ثورة السودان الكبرى قد قطعت خطوتها الأولى : إسقاط النظام الاسلاموي الفاسد وإلقاء القبض على رئيسه وكبار مساعديه ووضعهم في المعتقل ، وبعد ذلك حكم من حكم ويحكم وعارض من عارض ، وفي كلا الحالين لا برامج واضحة ، لا تقاليد مرعيَّة ، ولا صدْقَ يزيِّن المواقف (باستثناء اللجنة الاقتصادية لقحت ، والله أعلم) ، لا غرو فقد ظهرت على المشهد أطرافٌ وقُوىً هي “صاحبة القرار والكلمة” ، فهي التي ناضلت ضد دكتاتورية “الإنقاذ” وأسقطتها ، وهي .. وهي …، وعلى رأسها يأتي “المكوِّن” العسكري في المجلس السيادي “الشَرَفي” الذي انتزع كل سلطات الحكومة وانتصب حاكماً تنفيذياً وقيادةً مباشرةً للقوات النظامية (جيش ، شرطة ، أمن) وشبه النظامية (دعم سريع)…الخ ، وبما أنه كان جزءً من اللجنة الأمنية للنظام الساقط فإن حجته في ذلك أنه رفض مواجهة الشعب وانحاز لثورته !!

القوى السياسية والنقابية والمدنية التي استلمت قيادة الثورة وتوحدت فيما عُرِف بقوى الحرية والتغيير وفق ميثاقها (الإعلان) ، هذه القوى ، لضعفها وخوارها ، لم تتمكن من قيادة الدولة التي ساقتها لها الثورة بدماء شبابها وأوصالهم وأرواحهم ، أن تتقدم لاستلام قيادها وتسليمه لمن تُجمِع عليه من بين مناضليها ، بل ذهبت تصفق وتهتف كما جمهور المدرجات (مع الاعتذار) لمن جاءت به الإرادات الدولية .. ثم لم تستطع (تلك القوى) الاستمرار مُوحَّدةً متناغمةً سوى شهورٍ قليلة فتفرقت بين : – من اعتزلتها ، ومن تعلن الخروج منها وتعود دون إعلان ، ومن سحب اعترافها بها لحين تقويمها واستقامتها ، ثم فئةٌ قليلة استأثرت بها ، أغلقت الأبواب خلفها ، (تُداري) ضحكتها على أُولاء وهؤلاء واثقةً مطمئنةً من ذكائها المُسخَّر في نسْج المؤامرات و “المقالب” ، وفي كل ذلك وديعةً مستسلمةً لشروط الحكم الملخَّصة في الانصياع التام لشروط البنك وصندوق النقد الدوليين ثم الموافقة المهينة على التطبيع مع “اسرائيل” حتى لمن كانت فلسطين وتحريرها هي مدخل الشعور القومي والانتماء النضالي لديها ، ودولة الرعاية الاجتماعية هي عقيدتها السياسية ، وممن يعتقد أنه جزء من حركات التحرر الوطني التي تنتصر للإنسان ضد كل امتهانٍ أو انتقاصٍ لكرامته في أي مكان ..

وهذا يقودنا إلى (الجبهة الثورية) ، العضو المؤسس لنداء السودان ، التي خرجت عليه “بحثاً” عن سلام تتفاوض حوله مع الحكومة ممثَّلةً في المجلس السيادي وخاصةً المكون العسكري الذي انتزع ملفات السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية من حكومة حمدوك … والجبهة الثورية تضم تنظيمات تحمل السلاح وسيلةً ولكنها متباينة المواقف : من حَمَلَة رؤى السودان الجديد إلى اتجاهات اسلاموية إلى بسطاء تؤثر القبيلة والقبلية على مواقفهم وانحيازاتهم إلى أفراد انتهازيون لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة .. والجبهة الثورية فوق ذلك تمثل “في الحساب” نصف الحركات المسلحة إذ نصفها الآخر الذي لم يُوقِّع على إتفاقية سلامٍ بعد تمثله حركتي عبدالواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو ، ومع ذلك توصلت الجبهة الثورية لإتفاق سلام جوبا القائم على محاصصات نالت بموجبها مواقع في الحكومة والسيادي وفي التشريعي (طي الغيب) ، فإذا غَضَضْنا الطرف عن عدد المقاعد في تلك المستويات والتي لم تترك مجالاً للفصيلين الآخرين (الحلو وعبدالواحد) فإن المراقب الوطني لا يستطيع أن يتجاوز مسألة الترتيبات الأمنية (وهي صلب أي إتفاق سلام)، لا في طريقتها وجديتها ولا في شمولها ووحدتها النابعة من وحدة مفاوضات السلام نفسها … فالمفاوضات إبتداءً يجب أن تكون واحدة لتكون الترتيبات الأمنية فيها واحدةٌ وجادة طالما أن القضية الوطنية موضوع الكفاح المسلح قضية واحدة .. ثم طالما كنا أمام ثورةٍ بهذا العمق والشمول ومسؤولون جميعاً على أن تتصف بهذه الصفة ، وذلك يعني توفُّر حسن النية عند كل الأطراف ، بهذا المعنى تأتي الترتيبات الأمنية في إطار إعادة بناء الأجهزة النظامية كلها وتبدا بأن يقدِّم كل فصيل كشوفات بقواته وعتاده : أماكن تواجد كل قوة أو كتيبة ، أسماء أفرادها ، أسلحتهم بمختلف انواعها وصنوفها وكمياتها ، وعلى أن تكون تلك القوات متمركزة في أماكنها المنصوص عليها .. وعلى ضوء هذه القوائم المفصلة يبدأ التصنيف : إعادة تأهيل ، تسريح ، دمج ..الخ..الخ وهي عمليات شاقة تستنزف وقتاً ومالاً كثيرين .. أما أن تنتهي المفاوضات ويتم التوقيع على إتفاق سلامٍ ترتيباته الأمنية كالتي نراها أمامنا ؛ جيوش تتسكع داخل المدن بأسلحتها وسياراتها ، لا أحد يعرف قوة الآخر لدرجة أن أطرافاً منها تمارس التجنيد وتوزيع الرتب ل”تكبير الكوم” ، مشاهد تضعها مع (الجنجويد) في مرتبةٍ واحدةٍ تتسم بعدم الجدية وغياب الشعور الوطني .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *