خطوات نحو التوحد الوطني (2)
بقلم : محمد عتيق
– كما جاء في المقال السابق أن “حكومة حمدوك الانتقالية نتاج للثورة ، نتفق أو نختلف حول سياساتها والقوى المحيطة بها ، لكنها هي نتيجة شرعية لثورة ديسمبر 2018 الجبارة حتى الآن” ..
– كيف ذلك وهنالك معلومات وتحليلات تقول أن الثورة قد تم اختراقها وفرض أسماء وسياسات عليها .الخ ؟
– نعم ، تلك كانت حدود الثورة في اللحظة المعينة ، أن تكون هنالك ثغرات تنفذ منها مخططات معادية لتطور الثورة نحو ثالوثها في الحرية والسلام والعدالة ، مخططات تقاطعت فيها مصالح قوى محلية وإقليمية ودولية ..
فالثورة ، ثورة ديسمبر 2018، وكما كررنا مراراً ، ثورة كبيرة ستقسم تاريخ السودان المعاصر إلى مرحلتين : ما قبلها وما بعدها ، وهي في هذه الحالة لا تكتمل ولا تحقق كل أهدافها مرةً واحدة ، وإنما هي مراحل كما الثورات العظيمة في التاريخ ..
في المرحلة الأولى ، مرحلة سقوط النظام الاسلاموي ، كنا معاً ، بقيادة موحدة في “قوى الحرية والتغيير” وبتفاعل شعبي حميم مع خطط وتوجيهات “تجمع المهنيين” ، وتوحدنا أكثر عند فض الاعتصام فكان الخروج العنيد في 30 يونيو 2019 الذي أفضى بدوره إلى التفاوض فالإعلان السياسي والوثيقة الدستورية ، وهنا بدأ الخلاف يدب بين نفس أحزاب ومكونات قحت ، ومع الأيام تعمقت الخلافات وذهبت المواقف بالناس دروب شتى :
* من إبتعد تماماً عن كل شيء واصفاً الذي يجري بأنه محض تآمر ومصادرة للثورة ، وأصبح معارضاً خالصاً ..
* ومن تمسك بكل شيء وأغلق الأبواب (أبواب قحت) خلفه دون الآخرين..
* وهؤلاء الآخرين ، أعلنوا انسحابهم من قحت وسحبهم كل اعتراف عنها وعن حكومتها ..
* وكان تحالف المعارضة المسلحة قد سبق الجميع في الانسحاب من قحت بحجة أنها تريد تفاوضاً للسلام ..
تلك باختصار شديد عناوين المواقف التي انقسمت حولها قوى الثورة ، بينما تمضي الحكومة ، ((حكومة الثورة)) في انسجام تام مع خطط اقتصادية وسياسية لا علاقة لها – بل متناقضة تماماً – مع مواقف ورؤى قوى الحرية والتغيير ولجنتها الاقتصادية وقيم الوطن عموماً ، خطط منسجمة كلياً مع رغبات قوى ومنظمات إقليمية ودولية تسعى للهيمنة على بلادنا من خلال:
– السيطرة على موارد السودان (الظاهرة والباطنة) واقتسام النفوذ عليها حتى لو سينتج عنها تقسيم البلاد إلى دويلات جهوية وقبلية !! (وقد يكون ذلك من اهدافهم)..
– ربط البلاد وثيقاً بمؤسسات التمويل التي لا فكاك بعد ذلك منها ولا من ديونها وخدمات فوائد تلك الديون ..
– فتح البلاد ساحةً ينشط فيها الكيان “الاسرائيلي” و (الحركة الصهيونية العالمية) من ورائه ، تغلغلاً وربطاً محكماً للسودان تتغذى عليه أقتصادياً وعقائدياً على طريق هدفها الأكبر في السيطرة على المنطقة من “الفرات إلى النيل” ..
– وفي نفس الوقت تنشط الدولة الموازية – دولة النظام الساقط الموازية – تستمد الجرأة والقدرة من إنشغال الحكومة بخطط الخارج وضعفها وانقسام قوى الثورة حولها ، ولكونها لا زالت تسيطر على مفاصل الاقتصاد والامن والقوات النظامية وأجهزة العدل في القضائية والنيابة العامة ، فتقود حربها الانتقامية الشرسة ضد الشعب والثورة أزماتاً قاسيةً في كل الاحتياجات ألإنسانية الأولية : خبز ، وقود ، أدوية ، مع تدهور حاد في البيئة !!
•• فهل في إستمرار الأوضاع هكذا مصلحة لأحد ؟
•• وهل تريد القوى السياسية أن تتساوى مع أرباب النظام الساقط في الحقد على الشعب والوطن ؟
•• أم في أن تترك البلاد عاريةً أمام الأطماع الإقليمية والدولية ؟
المخططات المعادية للوطن ولنا جميعاً تمضي على قدم وساق ، ونحن في انقساماتنا التي – ومهما كان التبرير والتشنج – لا معنى لها ولا وزن أمام المخطط الذي يجري ؛ بعضنا يكيل الاتهامات للآخرين جالساً في عليائه ، بعضنا يقف بعيداً يدين ما يجري ويردد ما ينبغي أن تكون عليه الأوضاع ، مغلوباً على أمره ، والبعض يصم آذانه ويغلق العيون سعيداً بما يعتقد أنها السياسة والغنائم ، حد التنازل عن الرؤى والمبادئ ، وبعضنا .. وبعضنا …الخ ، وهل في إدراك ذلك صعوبة أو عيب ؟
التراجع عن الموقف المتشنج ، “حتى لو كان صحيحاً في جوهره”، لضرورات وطنية ، هو الموقف المسؤول ..
التراجع عن لحظة ضعف قادت إلى التزاحم على أبواب السلطة هو الموقف الشجاع المكلل بالفضيلة..
والتراجع عن حالة الشعور باليأس والاكتفاء بالنقد والعودة إلى الفعل الإيجابي في عرصات الثورة والوطن هو التراجع المحمود والمطلوب ..
هيا ، فليبادر أحدكم بدعوة الآخرين ، كل الآخرين، إلى دار حزبه أو عند أحد زعمائه ، اطرحوا كل شيء جانباً وأبحثوا في كيفية توحيد قواكم واصطفافها خلف أهداف محددة : إقامة مجلس تشريعي كما ورد في الوثيقة الدستورية بالنص ، تقدموا بقياداتكم وكوادركم المتقدمة لعضويته ، واجعلوا منه حاكماً فعلياً للبلاد يقيم المؤسسات العدلية (قضاء ، نيابة ، شرطة) حسب منطوق الثورة ومقتضياتها وبالاعتماد على الخبرات السودانية الضخمة من ضحايا “الصالح العام” في الجيش والقضاء والشرطة وسائر الخدمة المدنية ، أمسكوا بناصية التشريع بقوة تلهم الشعب ولجان المقاومة أن تلتف حولكم ، لتراجعوا مسيرة الانتقال في العامين الماضيين وأن تراجعوا الحكومة نفسها ؛ تكويناً ، أسماءاً ، وسيراً مهنيةً ووطنية ، تمهيداً لمراجعة إرث النظام الساقط الكريه وعموم إرث الدولة الوطنية على طريق المؤتمر الوطني الدستوري والتحول الديمقراطي الكامل ، فلنكن خلية نحل تستوعب كل طاقات شعبنا وابداعات شبابنا الجبار لمصلحة وطننا العظيم ..
هذه صرخة مخلصة للوطن ومحبة لقواه السياسية الشريفة التي أثق أن لا أحد سيغضب منها..