Sunday , 24 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

خطاب “ما أريكم إلا ما أرى” الاقتصادي للحكومة الانتقالية (5)

بقلم : حسام عثمان محجوب
[email protected]

ومع مثالي إثيوبيا وفيتنام، ذكر د. إبراهيم عدداً من المرات استعانتهما بالبروفيسور جوزف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، والأستاذ بجامعة كولومبيا الأمريكية، وكبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي بيل كلينتون. وقد أورد د. إبراهيم ذلك ليدلل على براغماتية فيتنام وإثيوبيا، وتعاملهما مع البنك الدولي رغم خلفيتهما الآيديولوجية. وفي هذا التلميح من البدوي مغالطة لا أخاله لا يعلمها، فهو يعرف تماماً أن ستيغليتز أقيل من البنك الدولي لمعارضته العلنية لسياسات البنك والصندوق والاقتصاد الحر، وأنه يعتبر أحد أهم المنتقدين لسياساتهما بكتاباته المهمة عن العولمة المفرطة والرأسمالية وعدم المساواة، وأنه خلال تقديمه استشارات لعدد من الدول، ومنها إثيوبيا وفيتنام، كان حريصاً على الموقف المستقل لهما إزاء شروط البنك والصندوق.

كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟

كتب الدكتور بكري الجاك المدني أستاذ السياسة العامة والإدارة في مقال بصحيفة الديمقراطي يوم 30 يناير: “لم تقدم هذه الحكومة أي رؤية اقتصادية أو برنامج متكامل للتعاطي مع الخراب الموروث سوى القليل من الإنشاء والكثير من الأمنيات”، وذكر أن قرارات د. البدوي الأحادية المتعجلة وغير المدروسة انعكست في معدلات تضخم كارثية ستستمر وسيكون كل يوم أسوأ من سابقه، وإن اقتصاد البلاد الآن في حاجة ماسة إلى معالجة أمرين، هما السيطرة على التضخم وتحقيق استقرار نسبي في سعر الصرف، ما لم يحدث هذا سوف لن تتحرك عجلات إنتاج ولن تعود عملية دمج السودان في منظومة الاقتصاد العالمي بأي فائدة.. العلاج يبدأ بسد عجز الموازنة.. بوقف الصرف البذخي على كل الجهاز التنفيذي وتكثيف الجهد لزيادة الإيرادات.. حينها فقط يمكن الحديث عن خطط تنموية طويلة المدى لمعالجة التشوهات الهيكلية من معالجة الدعم وتحويله لدعم مباشر، يستهدف شرائح محددة ومعالجة تشوهات الأسواق. أما الحديث عن مساعدات وأموال قادمة من الخارج، فهذه حتى وإن أتت مع تحفظنا على إمكانية ذلك نتيجة للتراجع في الاقتصاد العالمي بكلياته بسبب جائحة الكورونا، فسوف لن يكون لها تأثير كبير”.

يحفظ للدكتور إبراهيم البدوي، ومن بعده للوزيرة المكلفة السابقة د. هبة محمد علي، إدراكهما لأهمية الإعلام والتواصل مع الشعب، وحرصهما على الرسالة الإعلامية للوزارة وسياساتها، ومن ذلك استعمال ألفاظ مخففة تقوم مقام أخرى غليظة، فيستعملان ترشيد الدعم بدلاً من رفع الدعم، وتوحيد سعر صرف الجنيه بدلاً من تعويمه. ورغم أن البدوي أقر بشجاعة في لقائه في قناة سودان بكرة في أكتوبر 2020، بأنه يتحمل مسؤولية الوضع الاقتصادي، إلا أنه وضع عدداً من التحفظات تعفيه عملياً من هذه المسؤولية. والواقع أن البرنامج المطبق حالياً هو برنامجه نفسه، إلا أن تطبيقه لم يتم بالشفافية التي ظل ينادي بها د. إبراهيم بعد أن خرج من الحكومة. فقد بدأ رفع الدعم عن الوقود منذ أوائل 2020، بطرح وقود بسعر تجاري في ظل ندرة حتى تم رفع الدعم تماماً أواخر العام.

وقد بدأ تعويم الجنيه الفعلي بإنشاء محفظة السلع الاستراتيجية من عدد من الشركات ورجال الأعمال والبنوك التي تقوم باستيراد بعض السلع الاستراتيجية بالعملة الصعبة بعد تصدير مواد يتم شراؤها بالجنيه السوداني وسعر الصرف الفعلي المطبق هو سعر السوق الموازي/الأسود (غير المشاكل الأخرى المحيطة بالمحفظة وخصوصاً المتعلقة بالأطراف المشكلة لها)، ثم تم التمهيد للإعلان النهائي عن التعويم بسياسات بنك السودان الجديدة التي تسمح للمغتربين بتحويل الأموال عبر البنوك بسعر السوق الموازي، حتى أعلنت الحكومة رسمياً عن التعويم يوم الأحد 21 فبراير. وقد التزمت الحكومة بتطبيق البرنامج المراقب من قبل موظفي صندوق النقد الدولي في يونيو 2020، وكانت قد طبقت الهيكل الراتبي الجديد في مايو من نفس العام.
رغم تحفظات د. البدوي واتهامات د. حمدوك لقوى الحرية والتغيير (أو لجهات خرجت من قوى الحرية والتغيير، كما ذكر وزير المالية الجديد د. جبريل إبراهيم في برنامج حوار البناء الوطني على تلفزيون السودان بعد أيام من تسلمه منصبه)، بالتسبب في الوضع الاقتصادي الحالي، فإن هناك عدداً من الشواهد المهمة التي تلقي بالمسؤولية المباشرة عن حالة الضنك التي يعيشها السودان ومواطنوه على برنامج الحكومة الاقتصادي. والأمر المؤسف حقيقة أنه قد تعالت الكتابات والأصوات المحذرة من هذه الخطوات قبل اتخاذها، ولكن أصمت الحكومة آذانها عنها، ثم كانت إجابات د. البدوي كلما سُئل عنها غير شافية.

نواصل

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *