اضاءات على مسيرة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني (3)
بقلم : أحمد كرموش
على خلفية العودة المرتقبة وبعيدا عن الخصومات الشخصية والخلافات السياسية نود في هذه الحلقات أن نسلط الضوء في لمحات وشذرات على مسيرة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني …
تقييم المشاركة
على الرغم من أن كل قيادات الحزب وجماهيره قد عرفوا عدم جدوى المشاركة من خلال ما ذكرنا وما لم نذكر، إلا أن مولانا بعد ان غادر البلاد انتهج نهجا مؤسسيا في ذلك، حيث كون لجنة لتقييمها، كان كل أعضائها من هيئة القيادة بالإضافة إلى اخرين .
اجتمعت هذه اللجنة عدة اجتماعات وقامت بأعمالها بكل مسئولية وموضوعية، وتوصلت إلى قرار يدعو الى فض المشاركة والانسحاب الفوري من حكومة المؤتمر الوطني، والغريب في الأمر أن بعض الدستوريين المشاركين كانوا من أكثر الاعضاء حماسا لفض هذه المشاركة عدا واحد منهم ، بل إن أحد الوزراء من أعضاء هذه اللجنة سلم عربته الحكومية بالفعل ولزم بيته لفترة، وقدم اخر استقالته بعد ذلك مباشرة مسببا الاستقالة بعدم الجدوى .
وغني عن القول أن المشاركة الثانية في انتخابات 2015م التي قاطعتها جماهير الحزب مقاطعة شبه تامة، وما تلى ذلك من مشاركة في الحكومة مرة أخرى لم يعرض أو يخرج من أي مؤسسة من مؤسسات الحزب .
والمؤسف في الأمر إلى درجة الكارثة أن الجهة التي قامت بهذه المشاركة قامت ايضا بفصل قيادات الحزب وكوادره الرافضة للمشاركة في المركز والولايات، وابعدت اخرين كانوا محل ثقة مولانا، وبشعت بهم إلى درجة صارت محل التندر بالحزب وقياداته في الأوساط السياسية والاجتماعية.
رجل السلام
هذا الاسم أطلق على مولانا بعد اتفاقية السلام السودانية ( الميرغني قرن ) وهو اسم يستحقه، لانه ما خير بين أمرين الا واختار ايسرهما، وهذا الخلق في تقديري نابع من حكم بضعته النبوية وطبيعة تربيته الصوفية .
ومن المواقف التي تدل على ذلك مثلا :
1. اتفاقية السلام السودانية نفسها : حيث كان كل همه انهاء حرب الجنوب، لذلك فقد قال عند التوقيع عليها : ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام، بسم الله نوقع حقنا للدماء وتحقيقا للسلام ) وكان من بنودها الأساسية : رفع حالة الطواري، ووقف إطلاق النار، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية، وتجميد قوانين سبتمبر إلى حين قيام المؤتمر الدستوري، وقيام المؤتمر الدستوري نفسه .
2. قوات التجمع الوطني الديمقراطي : نشأت هذه القوات بعد أن بعد أن استفز الرئس عمر البشير قادة التجمع وطالبهم بالمنازلة، وقد كان لهذه القوات مجلس تنسيقي ثم تطور إلى قيادة مشتركة ثم الى قيادة موحدة، وكلها كانت تحت امرة مولانا بصفته رئيس التجمع، أما القيادة الميدانية فقد كانت لآخرين، وقد حققت هذه القوات : ( القيادة الشرعية لقوات الشعب المسلحة، وقوات الفتح، وجيش الامة، وقوات التحالف السوداني، وقوات التحالف الفدرالي، وقوات الجبهة الديمقراطية مجد، والأسود الحرة، ومؤتمر البجا، وأخيرا قوات الحركة الشعبية ) انتصارات كبيرة في همشكوريب وطوكر وغيره، كما نجحت في قطع طريق الخرطوم بورتسودان الحيوي عدة مرات، إلا أن مولانا كان يتدخل في كثير من الاحيان لمنعها من الدخول في القرى والمدن مخافة أن تحدث خسائر بين المدنيين، مثال ذلك تدخله في اخراجها من مدينة كسلا في 9 نوفمبر 2000م بعد أن تم هزيمة حامياتها ووصولهم الى قلب المدينة .
3. موقفه من الاتفاقيات الأخرى : ونعني بها نيفاشا وجيبوتي والشرق وغيره، حيث أعلن مولانا تاييده لهذه الاتفاقيات على الرغم من انها تعتبر خصم عليه، ولكنه وافق عليها طالما أنها ستفضي إلى سلام وحقن للدماء .
والنماذج على ذلك كثيرة ومتنوعة .
عموما اعتبر بعض المراقبين ان هذه الصفة من الصفات المميزة لشخصية مولانا السياسية، وذلك لانها مكنته من ممارسة معارضة رشيدة وجنبت البلاد الكثير من الفتن والدمار، بينما اعتبرها آخرون من الأشياء التي اقعدت من عمل المعارضة واطالت في عمر النظام .
كلمة أخيرة
لست مهتم في هذه الكلمة بأمر المشاركة ولا اريد ان اتحدث عنها، وذلك لان اللجنة المكلفة من قبل مولانا قد قالت في ذلك كلمتها ورفعت توصياتها .
كما أنني لست في حاجة إلى الحديث عن الانقاذ وما الت إليه أوضاع الوطن والمواطن في ظل حكمها المظلم طيلة ال 27 سنة الماضية .
كذلك لا أريد أن أتحدث عن الطريقة الختمية لانها محفوظة بحول الله وقوته، كيف لا وقد قال شيخها الختم رضي الله عنه : ( طريقتي هذه قائمة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا بكم ولا بغيركم ) .
انا في هذا المقام أريد أن اتحدث عن حزب الحركة الوطنية بمفهومه الكبير، ذلك الحزب الذي قاد النضال وحرر السودان، ذلك الحزب الذي ينتظره اهل السودان ليقل عثرتهم وياخذ بايديهم .
ذلك الحزب أصبح الآن في حالة مزرية احزنت العدو قبل الصديق .
يحتاج هذا الحزب :
1. إن يوقف نزيفه وتضمد جراحه .
2. يحتاج هذا الحزب الى جمع شمله وتوحيد كلمته .
3. يحتاج هذا الحزب إلى أن يكون له موقف سياسي مستقل ومشرف .
4. يحتاج هذا الحزب إلى أن يبحث عن طلابه وشبابه ومزارعيه وعماله ومهنية وعلمائه في كل التخصصات ليضعوا النظم والخطط والبرامج.
5. يحتاج هذا الحزب إلى يبحث عن مكوناته الاساسية المتمثلة في مشايخ الطرق الصوفية وقيادات الإدارة الأهلية ورجال البيوتات الدينية .
6. يحتاج هذا الحزب الى ان يبحث عن جماهيره الصابرة الوفية ليكون لجانها ويقيم مؤتمراتها .
7. يحتاج هذا الحزب إلى أن يقيم مؤتمره العام ليجيز دستوره وينتخب مؤسساته ويضع رؤيتة الشاملة لحلحلة مشكلات البلاد .
هذا كل ما نريده يا مولانا لحزبنا العتيد ووطننا العزيز .
واختم هذا المقال بقول شاعرنا الفحل الدكتور محمد بادي الذي قال فيه :
نحن القوم ونحن مثقفين واشقا
نحن الاتحادى البى دمانا مسقا
نحن أهل البلد ان جات نشيل نتوقا
نحن أولادها والولد النجيض ما عقا
نحن أهل القرار والسلسله الممتده
نحن أصحاب عقود طالت عليها المده
أبواتنا القبيل عبرو ودليلهم عده
نحن على المبادئ لا نكوص لا رده