Thursday , 25 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الطريق نحو الثروة والأمن.. الاستثمار في صحة الناس في أفريقيا

بقلم: جيم يونغ كيم
تحتاج أفريقيا الى مزيد من الاستثمارات من القطاع الخاص لبناء بنيتها التحتية من الطرق والكهرباء والاتصالات. ولكن لكي يتسنى لبلدان القارة الأفريقية تحقيق الاستخدام الأمثل لتلك البنية التحتية، فإنها تحتاج أيضا إلى مزيد من الاستثمار في البشر – في قوة العقول-، من أجل تحقيق العائد الديموجرافي منها والذي يمثل الوقود للنمو الاقتصادي الاشتمالي.

وفي مؤتمر طوكيو الدولي السادس للتنمية في أفريقيا الذي يُعقد بالعاصمة الكينية نيروبي هذا الأسبوع، يتعين على البلدان الأفريقية وشركائها انتهاز هذه الفرصة غير المسبوقة لرسم مسار نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة. وتمثل هذه المبادرة، التي تقودها الحكومة اليابانية وهي أحد الرواد الداعين إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة، أمراً حيوياً لنمو أفريقيا ورخائها في المستقبل. وسوف تعلن مجموعة البنك الدولي اليوم عن تعهدها بتقديم مبلغ 15 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لتسريع وتيرة التغطية الصحية الشاملة في أفريقيا.

يرتبط تحسين معدلات الصحة والبقاء على قيد الحياة – وخاصة للأمهات والأطفال – بالنمو الاقتصادي. وهناك العديد من الشواهد التي توضح ذلك: فقد وجدت لجنة لانسيت للاستثمار في الصحة أن مكاسب البقاء على قيد الحياة تسهم بشكل متفاوت في النمو الاقتصادي في أفريقيا. وتعمل برامج تحسين التغذية في مرحلة الطفولة المبكرة، وبرامج التحفيز المبكر والتعلم المبكر على توسيع نطاق إتمام المراحل التعليمية وتحسين مخرجات التعلم، وبالتالي، زيادة الأجور في الكِبَر. ووجدت اللجنة أيضاً أن الاستثمارات في تعميم التغطية الصحية تحقق مردودها بمعدل يصل الى 10 إلى 1، أي عشرة أضعاف.

يحتاج توافقنا حول التغطية الصحية الشاملة، أولا وقبل كل شيء، إلى تقييم الوضع الحالي للصحة في أفريقيا. ويمثل استمرار ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال، إلى جانب ارتفاع معدلات نقص التغذية، أهم الأولويات التي تحتاج إلى معالجة، حيث يمثل تحقيق التقدم بوتيرة أسرع أمراً ممكناً وضرورياً. ويجب أن تتم ملائمة هذه الأولويات مع الطلب المتزايد على رعاية الحالات المزمنة المرتبطة بالأمراض غير المعدية مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري. ويتمثل نجاح أفريقيا وشجاعتها في مكافحتها للأمراض المدارية المهملة مثل دودة غينيا ومرض العمى النهري، بالإضافه إلى التقدم السريع والملحوظ في جهودها لمكافحة مرض الملاريا ومرض الإيدز، والذي يعتبر خير دليل على ما يمكن تحقيقه.

ومع ذلك، فإن ما حدث مؤخرا من تفشي وباء الإيبولا، والحمى الصفراء، وظهور حالات جديد من شلل الأطفال في نيجيريا يذّكر بشكل جدي بالمسؤولية المشتركة التي يتعين على جميع البلدان أن تنهض بها فيما يتعلق بالتأكد من أن الخدمات الصحية ليست شاملة نظرياً فحسب بل عمليا وواقعياً أيضاً. وفي مواجهة هذا المشهد العصيب بشأن الاحتياجات الصحية، يتعين على الزعماء الأفارقة تبني تطبيق إصلاحات طموحة في مجال الخدمات والتمويل.

إن الرعاية الصحية الأولية بقيادة العاملين الصحيين في المجتمعات المحلية تعتبر خط المواجهة الأولى، و مع الإحالة الملائمة للمستشفيات للحصول على الرعاية الأساسية وقدرات التصدي الطارئة لتفشي الأوبئة،كل ذلك يمثل ركائز الخدمة المميزة للتغطية الصحية الشاملة. وهناك شواهد على تحقيق تقدم في هذه النماذج من الرعاية في جميع أنحاء القارة.

ولكن التغطية الشاملة للخدمات الأساسية تتطلب تغييراً جذريا في طرق تمويل الرعاية الصحية. فالتغطية الصحية الشاملة تعني التغير من نظام دفع الاستحقاقات أولاً بأول والذي يعاقب الفقراء على إصابتهم بالمرض وأدى إلى إفقار أكثر من 11 مليون شخص في أفريقيا عام 2014 وحده، إلى نظام الدفع المسبق على أقساط من أجل الحصول على الخدمات الصحية والذي يعزز الحصول الفوري على الخدمة عندما يصاب الناس بالمرض ويحمي الفقراء. إننا بحاجة إلى وضع المال مباشرة في أيدي الفقيرات، من خلال برامج التحويلات النقدية التي تقدم الاستحقاقات الشاملة للصحة والتعليم والتغذية لهؤلاء النساء وأطفالهن، وترتبط ارتباطا قويا بالنمو الاشتمالي.

يتعين أن تدعم مساعدات المانحين التغطية الصحية الشاملة بشكل أكثر فعالية في تلك البلدان. ونحن نعمل مع البلدان المعنية، من خلال صندوق التمويل العالمي، للوصول إلى تمويل أكثر ذكاء وأوسع نطاقاً وأكثر استدامة لقطاعاتها الصحية. ومع ذلك، فإننا نعلم أنه حتى النظم الصحية الأفضل إعداداً وتمويلاً يمكن أن تقف عاجزة في مواجهة تفشي أي وباء. وهذا هو السبب في أننا أطلقنا في اجتماع مجموعة السبع في شهر مايو/أيار صندوق التمويل الطارئ لمواجهة الأوبئة، وهو آلية تمويل عالمية مبتكرة لسرعة صرف الاعتمادات المالية، ويهدف إلى المساعدة في وقف انتشار أي مرض مستقبلاً قبل أن يتحول إلى وباء.

يجب أن نستمر في الاستثمار فيما يجدي ويثبت نجاحه – مثل التوسّع في توزيع الناموسيات لحماية الناس من الملاريا، واستخدام الطائرات بدون طيار لتوزيع الإمدادات الطبية المنقذة للأرواح على القرى النائية، ونشر آلاف العاملين الجدد في مجال صحة المجتمع في مختلف أنحاء أفريقيا. يمكننا تسخير هذه الإمكانات بصورة أكثر منهجية وفي نهاية المطاف خلق المزيد من فرص العمل في نفس الوقت الذي نحقق فيه نتائج صحية أفضل.

وبالاستثمارات الصحيحة، يمكننا إنقاذ حياة ملايين البشر، ومساعدة الناس على انتشال أنفسهم من براثن الفقر المدقع، والتأكد من أن جميع المواطنين يتمتعون بصحة أفضل ويعيشون حياة أطول وأكثر إنتاجية. هذا هو ما يمكن لأفريقيا أن تحققه، ويتمثل أحد أسس تحقيق الرخاء في أفريقيا في الالتزام بالتغطية الصحية الشاملة.

الكاتب هو رئيس مجموعة البنك الدولي

Leave a Reply

Your email address will not be published.