ثورة الفاتح عزالدين
بقلم بابكر فيصل بابكر
[email protected]
قلتُ في مناسبة سابقة أنني لا أثقُ كثيراً في النقد الذي يوجههُ كبار المسؤولين السابقين في “نظام الإنقاذ” للحكومة, وقد أسميتهُ نقد “الحنين إلى المنصب”, وهو في الغالب لا ينبني على “رؤية” بل يكون ميلاً ذاتياً “لفش الغبن” من أشخاص أو دوائر بعينها داخل الحزب الحاكم أو الحكومة ساهمت في إبعاد المسؤول المعني من هذا الموقع أو ذاك داخل النظام.
ويزدادُ جدار عدم الثقة في ذلك النقد إرتفاعاً كلما كان القيادي من أصحاب “الخدمة الطويلة الممتازة” للنظام, ومن هؤلاء رئيس البرلمان السابق الفاتح عزالدين الذي نقلت الصحف الأسبوع الماضي إنتقاده للواقع الإقتصادي بالبلاد وقوله ( لو قعدنا 200 سنة بهذه الطريقة لن نستطيع أن نعالج هذا الواقع)، وتأكيده أن سوء الوضع ( يقتضي أن نكورك بأعلى حسّنا ) وتساؤله ( و متى سنثور إن لم نثر الآن ؟ ).
و كذلك إنتقد ضعف الصادرات الزراعية والحيوانية وقال : ( دولة من أقصاها لأقصاها تتحدث عن 800 مليون دولار ) وسخر من قطاع الثروة الحيوانية، وتساءل ( الجديد شنو في الثروة الحيوانية وصادراتها؟ )، واردف ( بهذه الطريقة التقليدية لن يستطيع السودان المنافسة في السوق الدولي لصادر اللحوم ).
وعندما أبرزت الصحف هذه التصريحات سارع الفاتح عزالدين بنفيها وقال في حديث لهذه الصحيفة أنه (راض بلقب رئيس البرلمان السابق) وأنه ( سعيد و مرتاح و مسرور بوجوده في المكتب القيادي للحزب و الدولة، واحتفاظه بعضوية الحركة الإسلامية)، و إمعانا في التنصل من تصريحاته قال :(تحدثت عن ثورة في القطاعات و ليس ثورة ضد النظام).
ومع أنَّ إصلاح القطاعات لا يحتاج لصراخ و “كواريك بأعلى حس” فإننا سنقبل تبريره ونناقش أقواله في الإطار الذي أراده هو والذي يتمثل في الإصلاح الداخلي, ونبدأ بالقول أنَّ الأمور التي تحدث عنها والمتعلقة بالإنتاج الزراعي والحيواني والتدهور الإقتصادي ليست أموراً جديدة بل هى أوضاعٌ مستمرة منذ فترة طويلة ومع ذلك لم يفتح الله على الفاتح عزالدين بكلمة حولها طوال السنوات الماضية فما هو الأمر الجديد ؟
أليس هو نفس الشخص الذي قال أنَّ ميزانية العام 2014 جاءت ( موطأة الأكناف تؤلف وتألف) وأنها ستكون ميزانية (عبور ورفاه وخير) وتوقع أن يشهد السودان بعدها ( إستقراراً إقتصادياً لما يمتلكه من موارد ضخمة ومعادن كبيرة ) ؟ وما هو الشىء الذي إستجد وجعله يسحب هذه التوقعات والأماني العذبة ويقول أننا لو قعدنا 200 سنة بهذه الطريقة لن نستطيع أن نعالج هذا الواقع ؟
الأمر الوحيد الذي يُفسّر هذا التحول في الأقوال والمواقف هو مفارقة الرجل “لمقعد رئاسة البرلمان” فسياسة الحكومة الإقتصادية ظلت كما هى و لم تتغير طوال الأزمنة التي كان فيها الفاتح عزالدين يتنقل بين المناصب والكراسي الحكومية, حينها لم نسمع للرجل تصريحاً واحداً ينتقد فيه السياسات الحكومية, ولكنهُ جاء الآن مرتدياً عباءة الإصلاح التي لا ينطبق عليه مقاسها.
ظل الناس يكتبون منذ سنوات طويلة و ينتقدون الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع موارد النفط ويوضحون مخاطر تجاهل القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الزراعة والصناعة ولكن الفاتح عزالدين و”إخوانه” كانوا حينها يستمتعون بثمار السلطة وقطوفها الدانية ولم نسمع لهم أية حديث عن “ثورة القطاعات ” !
أين كان الفاتح عزالدين عندما كانت تقارير بنك السودان تشير إلى أنه خلال الفترة بين 1999 -2010 إرتفع مُعدَّل الناتج القومي الإجمالي بحوالي 662% بينما إرتفع الإنتاج في القطاع الزراعي بحوالي 67.4 % فقط عمَّا كان عليه في عام 1999، كما تراجع إسهام القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي من 49.8% في عام 1999 إلى 31.5% في عام 2011 ؟
ولماذا لم نسمع له صوتاً عندما كانت ذات التقارير تقول أنَّ مُعدَّل نمو القطاع الزراعي قد إنخفض منذ عام 2000، أي بعد دخول البترول في الدورة الإقتصادية، من 10.8% في عام 1999 إلى 5.2% في عام 2010 إلى 3.3% في عام 2011 ؟
داعية الإصلاح الجديد هو نفسه من إبتدع “تكريم الوزراء” في البرلمان وهو الذي كان يهدد المعارضين بسن قانون يحرم عليهم “الدفن في هذا الوطن الطاهر”. فتأمل !
الرجل الذي تحصل على “دكتوراة في القانون” بعد أن إنتقل بكفاءة مشهودة من المساق “الصناعي” ظل يرتدي جلباب الحزب “الشمولي” في موقعه السابق حتى أنه قال في خطاب شهير حول صلاحيات جهاز الأمن ( أقول لقوات الأمن لا تلتفتوا الى كلام المرجفين داخل الصف أو خارجه بأن الأمن قد تغول في بعض السلطات وأنه تمدد في بعض الفضاءات.. أنا اقول لهم تمددوا كيفما شئتم وتمددوا حيثما وجدتم قعوساً أو تراخياً أو ضعفاً من أي جهة.. سدوا الثغرة دون أن تلتفوا الى أي جهة ) !
الفاتح عزالدين الذي أظهر “تقديساً عظيماً” للدستور في أحدى جلسات البرلمان وشبهه “بالقرآن” وقال أنَّه (عندما يتناول الدستور القضايا يكون أشبه بكتاب الله لذلك لا يمكن لأية جهة عمل لائحة تجهض الدستور), لم يفتح الله عليه بكلمة واحدة طوال السنوات الماضية عن “الإنقلاب العسكري” الذي أطاح بالدستور والحكومة الشرعية في يونيو 1989 !
في خاتمة هذا المقال أورد أدناه إمتيازات وبدلات رئيس المجلس الوطني :
تكون لرئيس المجلس الوطنى الإمتيازات والبدلات الآتية :
(أ) السكن المؤثث مع خدمات المياه والكهرباء والهاتف على نفقة الدولة ويستمر هذا الإمتياز لمدة عامين بعد إخلاءالمنصب.
(ب) تخصيص سيارة للعمل الرسمى وسيارة للخدمة للإستعمال الكامل على نفقة الدولة أثناء شغل المنصب ويستمر إمتياز سيارة الخدمة لمدة ستة أشهر بعد إخلاء المنصب.
(ج) العلاج على نفقة الدولة أثناء شغل المنصب له ولعائلته في داخل السودان أو خارجه إذا تقرر ذلك بوساطة القومسيون الطبى العام.
(د) الضيافة الدائمة على نفقة الدولة أثناء الخدمة.
(هـ) إجازة سنوية قدرها شهر واحد بكامل المخصصات ونفقات السفر له ولعائلته.
(و) بدل لبس يعادل راتب ستة أشهر.
(ز) بدل مراجع يعادل راتب ستة أشهر.
(ح) تذاكر سفر على الخطوط الجوية السودانية لشخصه هو وثلاثة من أفراد عائلته لأقصى مكان تصل إليه الخطوط الجوية السودانية وفى حالة عدم السفر يمنح بديل نقدى يساوى 50% من قيمة التذاكر.