Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

شذرات من، وهوامش على، سيرة ذاتية (2-5)

بقلم الدكتور منصور خالد

يرمى بنا هذا الحديث إلى موضوع ذي أهمية قصوى إلا وهو موضوع السياسة والأخلاق . وبما أنه لأي صاحب مهنة في الحياة ، معلماً كان أو بناءً أو حداداً قيم معيارية تُبين لصاحب المهنة كيف يختار بين طريقي الخير والشر ، وطريقي الخطأ والصواب ، وطريقي الفضيلة والرذيلة ، فما بالك بأم المهن جميعاً : الحكم والسياسة . وفيما أوردنا من نماذج سلوكية في المهنتين بالسودان ما يكشف عن تناقض مريع بين الدعوة والممارسة ، وبين القول والفعل . التناقض لا يقتصر على الأنظمة السياسية ذات المنبت الأرضي التي توهم نفسها وتوحي لتابعيها بأنهم يعيشون في فردوس أرضي وتبشرهم بنعيم دائم بعد القضاء على الرأسمالية أم الشرور ، بل أيضاً على تلك التي تدعى إنها ذات أصل رباني سماوي ستقود الملتفين حولها إلى جنة عرضها السماء والأرض.

ففي حالة الفكر السياسي الذي أنجبه بشر كفكر يخضع للجرح والتعديل تحول ذلك الفكر إلى عقيدة ، أو إن شئت إلى وثنية فكرية . تلك الوثنية هي مبعث كل الشرور التي عانت منها الدول التي إتبعت ذاك المنهج في السياسة والحكم حتى انبرى لها في أهم قواعدها ( الدولة الماركسية – اللينينية ) قائد من أبنائها ليكشف عن عوارها . فعند تولي يوري اندروبوف قيادة الحزب والحكومة في الاتحاد السوفييتي ابتدر الرجل أول ثورة له ضد فكرة هيمنة الحزب الواحد على المجتمــــــع . فحتى لحظة تولي اندروبوف القيادة كان الحزب السوفييتي هو الحزب الشيوعي الوحيد الذي لم يفطن بعد إلى أن أزمة الحكم الشيوعي تعود في الأساس إلى تلك الهيمنة على الحياة كما فطنت لذلك أحزاب شيوعية أوروبية عريقة وقررت التخلي عن ذلك الطريق . مثال ذلك الحزب الإيطالي ، الحزب الأسباني ، والحزب الفرنسي وأن كان انسلاخ الحزب الأخير قد تم بقدر من التردد . ولا شك في أن الذي أكسب اندروبوف القدرة على أحداث ذلك التغيير هو عبوره بكل الممارسات العنيفة التي اجترحها النظام السوفييتي ، بل ومشاركته في بعضها مثل أحداث المجر وأحداث براغ ثم غزو أفغانستان ، إلى جانب اكتشافه لفساد الحكم من القمة إلى القاعدة والمجاهرة بمحاربته . وبما أن الفساد السياسي والاقتصادي كان هو كعب أخيل للنظام بدأ السكرتير العام حملته الإصلاحية بمحاربته في أعلى مرافق الحزب والدولة ، وبتكريس جهده على محاربه الفساد في هذين المستويين أنهار النظام . فالإنسان كما قال جان بول سارتر هو أكثر الحيوانات فحشاً وضراوة ولكنه أكثرهم جبناً عندما تنزع عنه غلالة القوة .

أما الأحـــــــــــــــــــــــزاب ذات المنشــــــــــــــــــــأ الديني ( الإسلامي مثلاً ) فقد نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً بنقضهم الإيمان بعد توكيدها . فرغم أن هذه الجماعة هي الأعلى صوتاً في نسبة نفسها للإيمان ظلت هي الأبعد نطاقاً عن أخلاقيات الإسلام . الإسلام عند المسلم الحق هو دين فطرة : ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 30 الروم ” . من جانب آخر ما بعث الله رسوله إلا ليتمم مكارم الأخلاق . وفي الأثر لا يحُاسب الله المسلمين الأدعياء على خطاياهم التي يحرمها الدين وإنما على إدعائهم الإيمان بالباطل . ففي الحديث رواه البخاري ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ” . فالمسلم الذي يجترح كل هذه المحرمات رجل ملِق لا يستحي من نفسه ولا من غيره ولا من ربه، والملَق يلغي المروءة .

حقاً ، أن لم يكن في تواتر الفشل السياسي مبرر لنقد الذات ، فلن يكون هناك أي سبب آخر يستلزم مراجعة النفس . تلك حالة لا يبقى معها لأهل السودان الممسكين بجمرهم إلا أن يرفعوا أكفهم إلى السماء يدعون الله للنجاة من أهل قرية تعمل الخبــــــــــــائث . وفي الكتاب يُحّمل رب العباد حتى الأنبياء المسئولية عن خطاياهم أما الحسنات فهي من عند الله : ” مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا 79 النساء . أو ليس في كل ذلك بصائر للناس ؟ مع ذلك ما انفكت بعض تلك القيادات على اليمين واليسار تتظنى بعد عهود من الخيبة السياسية أن في مقدورها إيقاف الفشل المتواتر الذي صُنع على أيديها بإعادة صنع نفسها . في ذلك الظن ، بعد مضى نصف قرن من الخيبات ، استهانة كبرى بعقول الكبار واستحقار للأجيال الجديدة . أوليس في دعاوي من كانوا سبباً في الفشل المتواتر بأنهم يملكون مفاتيح الحلول لكوارث الحاضر تهافت في المنطق خاصة بعد أن أثبتت تجارب القيادات التي وعدت الناس بإعادة صنع نفسها أن إعادة إنتاج النفس كانت تتم دوماً باسوء ما فيها .

يحملني أيضاً على مخاطبة الجيل الجديد والمراهنة عليه ما علمني له التاريــــــــــــخ من أن الشعوب التي لا تعترف بالتعاقب الجيلى ستعتقب من ذلك ندامة ، خاصة وما انفك السودان حتى اليوم يعيش تحـــــــــــــــــــــت ظل نظـــــــــــــــــــــــام بطريركي (patriarchal system) يضع الأبناء في المكان الأدنى ولا يضع المرأة في أي موقع إلا بالكاد . فمثلاً ، كلما أقدمت الأنظمة المتعاقبة على الاستجابة لضغوط النساء في السودان لنيل حقوقهن التي فرضتها العهود الدولية لهن وضغوط الخارج عليه حتى يفي بتلك الحقوق إلا وتم ذلك بصورة فيها من الرمزية أكثر مما فيها من الاستجابة الصادقة . وأذكر ، في هذا المجــــــــــــال ، حواراً دار بيني وبين السيدة قرو هارلم برونتلاند رئيسة وزراء النرويج في دارها باوسلو وكانت في وقتها رئيسة للجنة الدولية للبيئة والتنمية وكنت نائباً لها . في ذلك اللقاء سألتها عما هو أهم قرار أتخذته بعد أن أصبحت أول رئيسة لوزراء بلادها . قالت السيدة بما أن النساء يمثلن نصف سكان النرويج اخترت نصف مجلس الوزراء من النساء . هذا ما تقول به السياسة النصيحة إلا أن للموضوع جانب فلسفي أيضاً . ففي ما يروى عن الأديب الروائي الألمـــــــــــــــــــــــــــــاني تومـــــــــــــــــــــــــاس مـــــــــــــــــــــــان قوله ” الرجــــــــــــــــــــــــــــــال هم الــــرجال أما المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأة فهي الإنسان ” (Men are men but woman is man ) . ما عناه ذلك الأديب الفيلسوف هو أن الإنسان يخرج من بطن المرأة ولهذا فإن النساء أشد حنوا بالإنسان من الرجال .

جيل الشباب الحاضر ، رجالاً ونساء ، هو جيل نشأ في مرحلة مفصلية ليس فقط في تاريخ السودان ، بل في تاريخ الإنسانية جمعاء . فأكبر ثورة يعيشها إنسان اليوم هي الثورة الرقمية التي يزداد استخدامها كثافة في التعليم والإدارة والتواصل الاجتمــــــــــــــــــاعي . وأن كانت الثورة الصناعية قد احتاجت إلى قرنين من الزمان ليعم أثرها على البسيطة انتشرت الثورة الرقمية في بضع سنوات وتواتر انتشارها بالشهور لا السنوات . هذه الثورة فجرها شباب مثل بيل قيتس الأمريكي الذي افترع هذه الثورة في 1971 وكان في السابعة والعشرين من عمره عندما قام بتطوير نظام (Windows) ، وريموند توملينسون الأمريكي الذي قدم للناس نظام Mobile في عام 1973 وكان في الواحد وثلاثين من العمر ، وفينتون سيرف ورفيقه بوب كاهن الأمريكيان اللذان قدما للناس www وكانا في الثلاثين من العمر ، وبيرنر لي البريطاني الذي قدم للناس الانترنت في عام 1990 وكان في الخامسة والثلاثين من العمر ثم مارك زوكربيرج الأمريكي الذي طلع على الناس بالفيسبوك في عام 2004 وكان في العشرين من العمر . تلك هي الطليعة الشابة التي لم تفجر فقط الثورة الرقمية التي وضعت على الحاضر ميسماً سيستمر أثره دهراً داهراً ، بل أخذت تلهب خيال جيلنا والأجيال الآتية لاستكشاف غوامض الكون والحياة .

الدول الغربية ظلت تفاخر في الماضي بالنابغين من شبابها الذين ارتقوا العلا في كل المجالات . ففي مجال السياسة فاخرت بريطانيا العالمين بوليام بت الأصغر (William Pitt Junior)الذي أصبح رئيساً لوزراء بريطانيا وهو في سن الرابعة والعشرين ، وتباهت الولايات المتحدة بتوماس جفرسون أول وزير للخارجية في حكومة جورج واشنطون والرئيس الثالث للولايات المتحدة عندما قام بصياغة الدستور الأمريكي وهو في سن الثالثة والثلاثين . تباهت الولايات المتحدة أيضاً بمارتن لوثر كنق الذي دشن ثورة السودان على البيضان في الولايات المتحدة بخطابه ” أنا أحلم ” وهو في سن الرابعة والثلاثين ، وبالبرت اينشتــــــــــــاين لإهدائه العــــــــــــالم فلسفـــــة مبــــــــــــــــــــــــــــــــــادئ الحســـــــــــــــــاب وهو في سن الرابعة والعشرين كما خرج عليه بنظرية النسبية ولما يتجاوز السادسة والعشرين. وفي أوروبا باهي أهل المانيا والنمسا ببيتهوفن عازف البيانو الذي أصبح العازف الأول على تلك الآلة وهو في الرابعة والعشرين من عمره رغم صممه ، كما فاخرت فرنسا بماري كوري التي حازت على جائزة نوبل في الفيزياء لكشفها عن دور الأشعة السينية في فحص أدواء البشر وهي في سن الخامسة والثلاثين . وفي زمان أسبق زهت إيطاليا بمايكل أنجلو لنحته أهــــــــــم تمثــــــــــــــالين صنعهمـــــــا “داود” (David) و”الشفقــــــــــة” ( La pieta) وهو في الثامنة والعشرين من العمر . والآن أمامنا جيل عشريني وثلاثيني جديد يغير مسار الحياة في العالم لزمان لا يعرف أحد مداه ولهذا يجدر بنا أن لا نفقد الثقة في شبابنـــــــــــــــــا .

نعود للحديث عن أزمات السودان التي ما فتئت تتزايد لنقول أن عجزنا عن معالجة هذه الأزمات يعود ، دون مراء ، إلى شهوة إصلاح الكون التي سيطرت على عقول قياداتنا بدلاً من التفرغ لإصلاح السودان . فمن هذه القيادات من جعل همه الأول هو توحيد العرب من المحيط إلى الخليج أو توحيد أهل القبلة من غانا إلى فرغانه قبل توحيد أهل السودان ؛ كما منهم من نذر نفسه لمحاربة الاستعمار الجديد حتى يدفن . كل هذا دون وعي بأن إصلاح الكون لا يتحقق إلا بإصلاح الجزء من الكون الذي نعيش فيه . ما هي مشاكل هذا الجزء من الكون التي تستلزم منا الاهتمام . إليكم بعض النماذج :

• تفشي الحروب في غرب القطر ووسطه رغــــــــــــــم اتفاقيــــــــــــــــــــــات الســــلام ( نيفاشا ، أبوجا ، الدوحة ) .
• بقاء أغلب سكان السودان تحت خط الفقر .
• ارتفاع العطالة بين سكانه والبالغ عددهم (32%) من السكان و أعلى نسبة من هؤلاء هم ممن تقع أعمارهم بين سني (15- 24) .
• عدم توفر الخدمات الصحية المناسبة ل (62%) من السكان . وبشأن الصحة العامة أفادت وزارة الصحة أن 50% من المدارس تخلو من المراحيض ( الأيام 2 أغسطس 2015 )
• احتمال ارتفاع عدد سكان القطر الذي يقارب اليوم الأربعين مليوناً إلى ما يزيد على 77 مليوناً عند حلول عام (2050) آخذين في الاعتبار نسبة ارتفاع السكان بمعدل (2.5%) سنوياً .
• تضاعف هجرة الذكور إلى خارج السودان بحيث أصبحت (28%) من الأسر تعتمد على النساء لإعالتها.
• تواصل هجرة المواطنين من الريف إلى المدينــــــــــــة وأغلبهـــــــــــــم من الفئــــــــــــــــة العمريــــــــــــــــة (25- 40) سنة بحيث أصبح سكان الخرطوم يمثلون (14%) من سكان البلاد دون أن يصحب ذلك تطور في الخدمات اللازمة لسكان العاصمة.
• سوء التغذية التي يعاني منها واحد من كل ثلاثة مواطنين حسب التقرير الصادر في أغسطس (2010) وساهمت في إعداده حكومتا السودان وجنوب السودان مع الإتحاد الأوروبي و منظمة الأغذية والزراعة.
• القصور الفاحش في تحقيق أهداف الألفية الثالثة في الموعد الذي حدد لها (2015) .
• بلوغ عدد المنتحرين من المواطنين 4268 في العام قيـــــــــــــــــاساً ب (677) في الجـــــــــــــــــــــــــزائر ، (1264) في مصر التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة أضعاف سكان السودان ، (98) في السعـــودية ، (262) في تـونـــــــــــــــــــس حسب آخـــــــــــــــــــــــــــــــر تقرير لمنظـمة الصحة الــدوليـــــــــــــة (Preventing Suicide : A Global Imperative ) .
• تدهور التعليم في كافة مستوياته وفرض رسوم على الطلاب تحت مسميات مختلفة مثل رسوم الكهرباء وتسيير المدارس حتى في مدارس الأساس الحكومية رغم ما نص عليه الدستور الذي تحكم به البـــــــــــــــــــــــلاد في المــــــــــــــــادة 13 -1 – أ التي تقول : ” ترعى الدولة التعليم على كافة مستوياته في جميع أنحاء السودان ، وتكفل مجانية التعليم والزاميته في مرحلة الأساس وبرامج محو الأمية ” .
كل هذا التردي الاقتصادي والاجتماعي قاد إلى رسوب السودان في القائمة الدولية للتنمية الإنسانية إلى جانب جنوب السودان والصومال، وليس هذا بوضع يسعد البال.

ما هو المكان الذي احتلته هذه المشاكل في برامج الإصلاح عند الحاكمين أو الطامحين في الحكم . يؤسفني كثيراً القول بأن بعض شباب السودان ، رغم إمكانياتهم المحدودة ، كانوا أكثر إحساساً بمشاكل السودان الراهنة فنهدوا لمعالجتها بإمكانياتهم المحدودة مثل مجموعة نفير ومجموعة شارع الحوادث ومجموعة صدقات ومجموعة تعليم بلا حدود ومجموعة صناع المستقبل . الدوافع التي حفزت كل هذه الجماعات على التحرك كانت دوافع اجتماعية وثقافية وتنموية ، لا سياسية . اهتمام الشباب بهذه المبادرات يوحي بأمرين : الأول هو قصور التنظيمات السياسية في الحكم والمعارضة عن الاهتمام برعاية المواطن فلو كان هناك أدنى اهتمام من الطبقة السياسية برعاية المواطن لما تناسلت هذه الجماعات الطوعيـــــــــــة . ولعل مسئولية الطبقة السياسية الحاكمة تفوق كثيراً مسئولية تلك المعارضة لأن الأولى تحيط نفسها بمنظومات تُنعت بأجهزة الحكم الشعبي تحولت رعاية الشعب عندها من العناية بالمواطن في صحته وتعليمه وتثقيفه وصيانة البيئة الطبيعية التي يعيش فيها إلى بصاصين يرعون أمن ولاة الأمر أكثر من الأمن الاجتماعي للمواطن . الأمر الثاني هو محاولات الطبقة السياسية لتجيير نجاحات هذه الجماعات لمصلحتها زيفاً وافتراء دون أن يدركوا إنهم بفعلتهم تلك إنما يجهضون جهود الشباب ويغتالون مبادراتــــــــــه الطوعيـــــــة . يحدث هذا في الوقت الذي أصبح فيه جل اهتمام أهل السياسة المعارضة مٌركزاً على الدستور وخلافة الحاكم . ورغم أن اهتمام المعارضين للنظام بالقضايا الدستورية أمر مشروع إلا أن الوصول إلى الحكم لا يمكن أن يكون غاية في حد ذاته ، بل الغاية هي ما الذي سيصنع السياسي بالحكم أن آل إليـه .

جميع هذه القضايا طرحتها في تضاعيف الكتاب بدءً من استقلال السودان وإلى الساعة التي نحن فيها . ثم ألحقتها في آخر الكتاب بفذلكة والفذلكة تلخيص للكتاب . ما الذي قلنا في تلك الفذلكة ؟ بدأنا القـــــــــــول بأنا ، فيما كتبنا ، توقفنا كثيراً عند مواقف النخبة السياسية الشمالية منذ عهد مؤتمر الخريجين تجاه قضايا البلاد الجوهريــــة . تلك هي القضايا التي ما فتئت تلك النخبة تتجادل حولها حتى نهاية القرن الماضي وأسمتها ” القضايا المصيرية ” في المؤتمر الذي عقده التجمع الديمقراطي للمعارضة في عام 1995 بمدينة أسمرا . وعندما تجتمع تلك النخبة السياسية القائدة بعد أربعين عاماً من الاستقلال لتتداول في قضايا البلاد المصيرية يتبادر إلى الذهن سؤال هو ما الذي كانت تلك النخبة تصنع خلال أربعين عاماً ( الاستقلال في 1/1/1956 إلى قرارات أسمرا حول القضايا المصيرية في يونيو 1995 ) . في دراستنا لمواقف تلك النخبة تجاه هذه القضايا ، أو في تحليل الواقع السياسي الذي أحاط بها ، لم نستند فقط علي ما عاصرنا من أحداث ، أو شاركنا فيه من تجارب ، أو كنا علي مقربة منهم من رجال صنعوا التاريخ في داخل السودان أو خارجه ، وإنما أيضاً على قراءات متنوعة لسيرة الأمم والأساليب التي تعاملت بها تلك الأمم مع قضايا بناء الوطن من بعد التحرير .

وغغدا نواصل…

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *