أدركوا دار الوثائق القومية قبل فوات الأوان
دكتور فيصل عبدالرحمن علي طه [email protected]
-1 بدأت دار الوثائق القومية كقسم للمحفوظات بوزارة الداخلية وزرتها لأول مرة في العام 1970 م عندما أصبحت دار الوثائق المركزية وكانت آنذاك تشغل بضعة غرف خلف مبنى وزارة الداخلية. في تاريخ لاحق إنتقلت الدار إلى سرايا الإمام عبدالرحمن المهدي (عليه رحمة الله( بشارع الجمهورية. ويمثل مقرها الراهن التطور الوحيد في مسيرتها الطويلة. وحتى هذا المقر لا يجزم المرء أن له السعة الكافية لتخزين كل الوثائق التي وردت أو سترد إليه، أو ما إذا كان بحالته الراهنة المكان المهيأ للحفظ السليم للوثائق.
-2 إن طرائق حفظ الوثائق قد تطورت دولياً فيتوفر الآن الحفظ الإلكتروني والحفظ الرقمي. وهذه الأنماط من الحفظ قادرة على التعامل مع كل أشكال الوثائق سواء أكانت مفردة أو ملفات أو مطويات أو ملفوفات. ولكن الحفظ في دار الوثائق القومية لا يزال بدائياً ولم يبلغ بعد حتى الوسائل التقليدية للحفظ وأعني بذلك التصوير الضوئي والمايكروفيلم والمايكروفيش. فالوثائق
لا تزال محفوظة بحالتها الخام التي وردت بها أي على أصلها. وبذلك تكون عرضة للفناء إما لإنقضاء العمر الإفتراضي للورق الذي دونت عليه أو لتكاثر الإستخدام أو التعامل غير المسؤول من قبل القراء والذي ألحظه كثيراً. وقد حاق هذا المصير بقدر كبير من الصحف التي يعدها الباحثون مصدراً مهماً لتاريخ السودان، فأضحى معظمها هشيماً. وربما كان بالإمكان تدارك بعض التلف الذي أصاب الصحف أو غيرها من الوثائق إذا كانت بالدار وحدة للترميم.
-3 لم تؤسس دار الوثائق مركزاً لتأهيل وتدريب العاملين بها الذين تضخم عددهم مؤخراً دونما كفاءة ظاهرة. وإذا ما قدر لدار الوثائق أن تصيب شيئاً من الإصلاح فقد يكون من الأصوب أن يكون الإختيار للتعيين في دار الوثائق من حملة المؤهلات الجامعية العليا. ولا يتم التعيين إلا بعد الإجتياز بنجاح لفترة تدريب مهني.
-4 يبدو أن قانون دار الوثائق القومية لسنة *1982 م قد إتخذ مهجوراً، فكثير من أحكامه: إما غير مفعلة تماماً أو أن هناك تراخٍ في تفعيلها. من أمثلة ذلك نورد الآتي:-
– عدم إنشاء شبكة المعلومات المتخصصة لنظام التوثيق الوطني.
– تخلف كثير من الوحدات عن تحويل الوثائق التي اس تنفذت أغراضها للدار ويبدو أنه لا يوجد قيد زمني يلزمها بذلك.
– تخلص بعض الوحدات عن وثائقها المنقضية بالإتلاف أو الحرق بدون ترخيص من دار الوثائق.
– عدم إنشاء فروع للوثائق في الولايات.
– عدم تطوير العلاقات مع الهيئات الوثائقية الإقليمية والدولية.
-5 يبدو أن دار الوثائق القومية معزولة إقليمياً ودولياً. فهي لم تؤسس علاقات مفيدة مع الدورالمشابهة لها في الوطن العربي، فمثل هذه العلاقات قد تثمر تعاون اً في مجالات الدعم المادي والفني وفي التدريب.
-6 لعلي لا أبالغ إن قلت أن ذاكرة السودان تقف الآن على شفا الإنهيار، وبلاد بلا ذاكرة بلاد بلا تاريخ. ولا تتحمل وزر ذلك الإدارات المتعاقبة على دار الوثائق وحدها بل ينبغي أن تتحمل القدر الأكبر من اللوم والمسؤولية الحكومات المتعاقبة التي لم توفر لها مقومات التطور والبقاء.
-7 لما تقدم أقترح الآتي:-
(1) إستقدام لجنة خبراء يلتمس في تشكيلها مساعدة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلم والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. تكلف اللجنة بتقييم الوضع الراهن لدار الوثائق وتقديم توصيات بشأن إصلاحها.
(2) في ضوء ما سيوصي به الخبراء يتم إعداد قانون جديد لدار الوثائق مع الأخذ في الإعتبار تحديد العلاقة بينها وبين المكتبة الوطنية التي صدر قانون بإنشائها في العام 1999 م.
* طرات على قانون 1982 بعض التعديلات بالقانون رقم 3 لسنة 2006