Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الجنرال ومغامرات قصر غردون!

بقلم : احمد عبد الشافع توبا
[email protected]

عندما تتكرر أحداث التاريخ السياسي الاستعلائي في بلادي باستمرار وعلي نحو متعمد فهو بلا شك بمثابة اجترار الحنظل لمعظم شعوب السودان التي ظلت تدفع فواتير إخفاقات المركز ونخبه السياسية ومنظوماته المتعددة بشقيها العسكري والمدني والتي تفننت في ابتكار الوسائل لقهره طوال ستون عاماً ويزيد … الا أن هذه الأحداث هذه المرة ستكون نعمة مستترة أكثر من كونها نقمة لأنها برهنت في الأساس بطلان دعاوي القومية و بهتان المشاعر الوطنية المصطنعة وروابط الدين التي لم تبرئ دم سخلة (بفتح السين الذَّكر والأنثى من ولد الضأن والمعز ساعة يولد) وثقة الحر وتواضع أهل الهامش السوداني التاريخي بان المركز حريص عليهم وعلي بلادهم و مصالحهم وأنهم شركاء متساوين في الحقوق والواجبات وإن كل ما يقوم به المركز هو تعبير عن إرادة شعوبه علي أساس من الوطنية وخلق دينهم الحنيف!

فعلي سبيل المثال لا الحصر هذا الحوار المزعوم الذي تعقد فعالياته بقاعة الصداقة في الخرطوم حالياً في الواقع هو تعبير واضح عن عنجهية المركز الذي لا يبالي في المضي بكلياته نحو سياسة تعزيز مفارقات التراتبية السياسية والاقتصادية (اي المركز والهامش) بين شعوب واقاليم السودان التي عمقت الهوة وهي في الأساس سبب هذه الحروب المستمرة في بلادنا والتي كانت نتيجتها المباشرة هي قتل الملايين وتشريد الآلاف وتدمير مقدرات بلادنا وطمس تاريخنا المشترك وفقدان جزء عزيز من تراب هذا الوطن وتشويه لصورة السودان اقليميا ودولياً!

ففي هذا الواقع الحوار هو مجرد إعادة لسياسات الخداع الآفلة علي المشهد السوداني في سيناريوهات برع فيها المركز من قبل، لمواصلة التضليل المتعمد لجماهير شعوب السودان بغرض نسف أجندة قوي المعارضة الوطنية وخلق تحالفات سياسية جديدة لمواصلة مده بعد أن تكسرت أوهامهم و انكشف زيف مشروعهم الحضاري المزعوم تحت اضواء منطق اتفاقية السلام الشامل الذي أعاد صياغة الكثير من التعريفات للواقع السوداني التاريخي منه والمعاصر وكذلك تنامي الوعي الجماهيري المتزمجر في طول وعرض البلاد!

فلا غرابة ولا تضجر من اصرار المؤتمر الوطني وبلسان رئيسه الجنرال البشير في رفض مقتضيات الحوار الشامل والشفاف وبرعاية دولية كما جاء في ورقة المعارضة لضمان مخاطبة أزمات البلاد المزمنة ، يعيد في الذاكرة مؤامرة ١٩٥٢ أواخر أيام الحكم الانجليزي المصري علي السودان أي المؤتمر الذي عقد في القاهرة برعاية الحكومة المصرية لمناقشة مستقبل وحدة السودان آنذاك، ومع سبق الإصرار والترصد لملم مافيا المركز وقتها باسم تنظيماتهم الهلامية وبنفس ذهنية الإنقاذ هذه فتسللوا لواذاً الي مصر و من دون مشاركة ممثلي قوي الهامش السوداني فأهدرت الفرصة التاريخية لوضع لبنة دولة علي أسس تعبر عن ارادة اأهلها! فكانت نتيجة ذلك العمي والتجني السياسي بحق السودانين هو هذا الواقع السوداني المرير المعايش!

فها هو اليوم، وبعد مضي ستين عاماً نفس المركز وبعض منظوماته والمدافعين عنه زوراً يقدمون مشروع حوار “المركز مع المركز” في سياق متصل بتلكم المؤامرات التاريخية التي أسس قواعد التحيز المؤسسي الصريح في الدولة السودانية علي أساس الدين والعرق والجهة لخدمة مافيا ظلت تقوم بتقسيم الأدوار للانقضاض على السلطة والاستحواذ على الموارد والأرض بدواعي شرعية السيادة والحلول الوطنية المشروخة.

فحينما تتزرع قيادة المؤتمر الوطني بالحوار في الخرطوم وبرعاية سودانية صرفة دون وجود أطراف دولية لتسهيل ومراقبة الحوار فهو محض افتراء ونفاق في تقديري مُرده الي أمر واحد لا ثاني له: محاولة مستميتة من النظام لبنا طوق دفاعي حول ذاته أي المركز ومزاعمه حتى لا تنكشف وتتعري ممارساته والادلة المادية الناتجة عن التواطؤ والمقاربات التاريخية بين المنظومات المكونة لها تحت اضواء الحوار الحر والشفاف الذي يضمن المشاركة المتساوية وتحقق تطلعات ورغبات شعوب السودان التي ظلت مصادرة لعدة عقود.

ولكن يقيني هو أن هذه ما هي إلا محاولات يائسة لا تشتري بها أسطوانة غاز طحي، في الواقع قصد بها الهروب الي الامام كي يتخطي بها الأسئلة الشرعية التي ظل يطرحها شعوب الهامش ومنظماته حول حقوقهم، أوضاعهم ومصائرهم السياسية والاقتصادية والثقافية، وفيما إذا كان السودان اليوم وطن لكل القوميات أم مجرد ادعاء من قبيل السذاجة التي لا تنطلي علي إي ذي بصر وبصيرة. والا كيف يفسر تراجع الجنرال البشير من الإيفاء باستحقاقات السلام الشامل للمنطقتين التي جاءت بموجب CPA Comprehensive Peace Agreement وإعلانه الحرب مجدداً علي الحركة الشعبية لتحرير السودان في نوفمبر من العام ٢٠١١ ليعود بالمنطقتين الي أتون الحرب مجددا بعد ستة سنوات من اجواء السلام وطموحات الاستقرار والنماء لشعبي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وذلك في مؤامرة جديدة فحشدت مليشيات الدعم السريع مستهدفة المدنيين العزل في قراهم وقتل اكثر من نصف مليون مواطن و وتشريد أكثر من مليونين لينتهي بهم الحال في معسكرات النزوح واللجوء البائسة تماماً كما فعلت من قبلها حكومة الصادق المهدي الغابرة والتي هي بدورها قامت بتكليف الجنرال بابو نمر رئيس هيئة أركان جيشه بتسليح بعض القبائل بعينها وإطلاق يدها لتقوم بقتل واسترقاق ونهب المواطنين في جنوب السودان وقتها بدعاوي حماية القطار التجاري المتجه الي مديرية واو غرب بحر الغزال ولم تكتفِ حكومته بذلك، فامتدت ممارساتها شمالا لترتكب اكبر محرقة في الضعين بمحطة القطار وأمام أنظار الشرطة والمناط بها حماية ارواح وممتلكات مواطنيها اي كانت انتماءاتهم الاثنية والدينية والثقافية كما أرخ لها الدكتور سليمان بلدو والدكتور عمر عشاري في كتابهما المشهور “مجزرة الضعين.”

ما حدث بالجنينة وبعض قري غرب دارفور من انتهاكات جسيمة وما يدور حاليا في منطقة جبل مرة من قتل وترويع وانتهاكات بهذه البشاعة بحق المدنيين الذين احتموا بالكهوف من جراء غارات الطيران الحربي وقصفه المتواصل غير المبرر مهما كانت الدوافع فهو وبكل تأكيد يجي في سياق مواصلة لحرب المركز الشعواء ضد شعوب الهامش التي رفضت الذل والهوان وطمس هويتها وعاداتها وتقاليدها وثقافتها، بل اختارت خوض معركة حريتها و كرامتها وحقوقها وأرضها ضد عدوان المركز الجائر المغتصَب الساعي لخلق معادلة جديدة بالإقليم . فحينما تستهدف اجهزة الجنرال البشير الأمنية طلاب العلم من أبناء وبنات دارفور بالجامعات والمعاهد العليا بذات العنفوان والصرامة مثلما كانت بالأمس القريب تقوم باستهداف طلاب وطالبات جنوب السودان هي في الواقع تجسد طبيعة العلاقة التاريخية بين المركز البربري المتسلط وبقية شعوب السودان خلال الستة عقود الماضية الامر الذي يتطلب من قوي التغيير التواضع علي اتفاق مشروع حد ادني في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل كفاحها من اجل التحرر لتكاتف وتنسيق الجهود علي كافة الجبهات المحلية والإقليمية لإنجاح مشروع خلاص الوطن من هذا المستعمر البغيض.

لقد أضحي جلياً نوايا ومخططات نظام الجنرال البشير وحلفائه في الداخل ومن وراء البحر؛النوايا التي ظلت تتمظهر في غاياتها الرامية لإفراغ السودان من بعض شعوبه وإعادة امجاد دولة يثرب العشائرية الغابرة على ارض السودان في عهد الاستنارة. كل ذلك يقودنا بالضرورة لمراجعة هذا النسق السياسي الاجتماعي وتقيمه بشكل جاد يفضي الي حلول مستدامة وعلى أسس جديدة تقينا شر هذه البلاوى المتعمدة المتلاحقة والي الأبد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *