Friday , 19 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

بغض الحكومة السودانية لليوناميد وصمت المجتمع الدولي

الحكومة السودانية تكره بعثة اليوناميد كراهية التحريم و تمقتها والمجتمع الدولي يشجعها بصمت مريب.

بقلم علي ترايو

من المعلوم ان الثعلب (و هو رمز المكر و الخيانة في عالم الحيوان) بطبيعته غير الشفافة يمقت ضوء النهار لان الضوء يكشفه للملا حينما يهم علي نهم ” الدجاج” الذي تعود علي افتراسها في عتمة الليل. هكذا يحمل التراث الشعبي السياسي السوداني في طياته طبائع المجرم (قصيرا كان ام طويلا ، عملاق او نحيفا ‘ حريفا كان او مبتدئا ) و بصرف النظر عن اية فئة ينتمي اليها فهو بسجيته يكره خمسة اشياء (و في رواية اخري قيل سبعة). فهو يكره رجل الشرطة و البواب ( او الغفير بلهجة السودانيين) و كذلك يكره الفكي (رجل الدين ) كما يكره القاضي. اما الزاني (و هو من فئة الموبقين كما جاءت في الاية الكريمة ) فقيل انه يكره “نسنسة النساء و ضجيج اطفال القرية”. اما النشال (و هو من احرف المجرمين) فهو يكره و يخاف طائفة “المتطفلين” الذين قد يتحولون الي شهود حين يتم القبض عليه وهو متلبس بالجريمة ما. و هكذا دواليك.

بصرف النظر عن اية فئة تنتمي فان منظومة الحكومة السودانية لديها من الحساسية المفرطة و الكراهية الشديدة ضد البعثة الاممية المعنية بحفظ السلام المسماه “اليوناميد” و قد ظهرت مشاعر كراهيتها لها من بداية امر تاسيس البعثة و نشرها. حينها كان الرئيس عمر البشير لا يترك مناسبة الا و اشار الي تلك البعثة بعصاه و لسان حاله يقول ” هذا الغول سوف لم يطئ قدماه ارض السودان” و هو يعرف ان ما يسميه بالغول ليس اكثر من بعثة سلام تاتي “لانقاذ” ضحايا حكومته من بقايا الابادة الجماعية من اهل دار فور و تكون شاهدا علي جرائم حكومته. و هكذا اصبح القوم كلهم (خاصة تلك الفئة التي تتعامل مع ملف دار فور) يكرهون و يمقتون البعثة و لا يستحيون من الافصاح و اظهار مشاعر كرههم لها بشكل قمئ و يرمون من النعوت البزيية ضدها.

* يزيد من دهشتك حينما تلتقي بهؤلاء الافراد و تناقشهم و كيف انهم يحملون من مشاعر الكراهية والمقت ضد اليوناميد الي درجة “التحريم”. و لا يعيرون كثير اهتمام لحججهم الواهية ولا الي اعوجاج منطقهم المغرض. فكل ما عندهم هو الكراهية تجاهها و سبهم لها.

وقد رأيت بأم عيني كيف تجلت وتجسدت هذه الكراهية الطاغية المشحونة بمشاعر العداء السافر بشكل لا ريب فيه في مواقف الوفد الحكومي اثناء محادثات مسار دار فور “لوقف العدائيات للأغراض الانسانية” التي عقدت في مدينة دبرزيت (اثيوبيا) الاسبوع المنصرم.

كان موقف الوفد الحكومي في ما يتعلق بموضوع “اليوناميد” يشوبه “المغالطة” و “التناقضات” احيانا و”الاشمئزاز” احيان كثيرة.. كما ان “عدم الرضي” و”التململ” والشعور “بالمقص” لمجرد ذكر اسم البعثة كان واضحا و صريحا.

كان موضوع “اليوناميد” مرتبط اصلا بضرورة إشراكها حتى تقوم بدور مراقبة الخروقات في حالة الوصول الي اي اتفاق “لوقف العدائيات” و هو امر اعتبرته الحركات من المسائل البديهة و لكنها للدهشة اصبحت مثار خلاف و تحول الي مثار جدل واخذ قسطا من النقاش بين وفد الحكومة و وفد الحركات.
وتمثل موقف الحركات في ان هذه من المهام من صلاحيات البعثة. بيد ان الموقف الحكومي كان مفاجئا و لدهشة الجميع قد تبنوا الرفض القاطع و من دون تقديم اية مبررات او مسوغات او تقديم البديل العملي. و الغريب في الامر انه خلال دفاعهم (او بالاحري محاولة الدفاع) عن ذلك الموقف فإنهم مقتنعون تماما بان ما يتحججون به لا يناسب ولا يشبه “مقاماتهم العلمية” الرفيعة (و خاصة اذا اخذنا في الاعتبار بوجود اكثر من حملة الدكتوراه فيما بينهم) و كان ذلك احد مصادر الدهشة الحضور خصوصا شخصي الضعيف.

كل الشاهد في الامر ان مشاعر كراهية البعثة عند الوفد الحكومي غليظا و طاغيا عليهم بشكل يستحيل معهم التفكير المنطقي. – بذكر الموضوع. و فيما نحن في وسط تلك المعمعة من الدهشة قام احد من وفد الحركات و فجأة طرح سؤالا مباشرا (و كان سؤالا بالرغم من بديهيته إلا انه لا يخلو من السخرية والاستهجان ايضا) حيث قال لهم” لماذا انتم تكرهون اليوناميد بهذه الطريقة و بهذا المستوي و خاصة ان البعثة دخلت بموافقتكم و رضاكم ؟). حينها ساد جو من الصمت و لم يستطيع احدهم ان يفصح بشئ. وقال احد المشاركين من طرف الحركات بصوت هامس ” الفي بطنو حرقص براهو برقص”. كان مشهدا اقرب الي الهزل و “الهظار من غير الطعم” و كان واضحا ان الوفد الحكومي يحس بالضجر من جراء عجزه عن الدفاع لشئ لا يمكن الدفاع عنه و كان تعبير وجوههم الذي تعكس كراهية اليوناميد خير شاهد و لا يفوت علي فطنة احد خاصة وانهم فقدوا تماما كل حيل الدفاع عن الذي لا يمكن الدفاع عنه. واذكر تململ احد افراد وفد الحركات الذي قال فجأة “لكن التفاوض بهذا المنطق لا يحتاج الي دكاترة و بروفيسورات” و اضاف “يعني انتو ما قادرين تورونا ليه تكرهوا اليوناميد” واسترسل “ما اليوناميد دي قاعدة هناك عشان تكون شاهد لعمليات القتل و الاغتصاب والنهب والحرق وتسميم الابار والابادة الجماعية والتطهير العرقى وكل افاعيل الجن و ابليس التي ذكرها الله سبحانه وتعالي في كتبه المقدسة. و لا انتو عايزين تعملوا الحاجات دي في عتمة الليل الدامس و غياب الشهود”. ؟؟ و ختم كلامه قائلا ” انتوا يا دكاترة اتقوا الله في انفسكم و تذكروا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتي الله بقلب سليم.

– هنا و لأول مرة اسمع من الوفد الحكومي يحاول و بشئ من الصعوبة (و بحالة من عدم الاقتناع لما يسوقه) بتقديم مبرر لموقفه الرافض لإشراك “اليوناميد”. و لكن للعجب كان المبرر اقبح من الذنب نفسه كما يقال. حيث قال أحد اعضاء الوفد الحكومي ان سبب رفضهم هو ان “اليوناميد” ليست لديها القدرة على القيام بمهمة المراقبة او التحقق !!!.

وكان رد الحركات واضح ومباشر وقوي و فوري و تبناه “صغار المفاوضين” و تمثل في : ان الحكومة هي اكبر عقبة و اكبر “خازوق” (طبقا لكلمات احد المداخلين) لنهوض اليوناميد بمهامها وذلك عبر تدخلها السافر والقبيح في شئون الاخيرة و ممارسة التهديد المستمر بطردها و منعها من حرية التحرك للوصول الي مواقع الاحداث و تزوير تقاريرها و حجز ممتلكاتها و رفض اصدار تأشيرات الدخول لأفرادها. و قد قدمت الحركات رتلا من الادلة و ببيانات و تواريخ لإثبات كل ذلك. و قد وصف احد المداخلين بان حجج و مبررات وفد الحكومة لا تعدو اكثر من حالة “قتل القتيل و الذهاب الي مآتمه”.

ويتضح بكل جلاء ان موقف الحكومة في رفضها لإشراك “اليوناميد” في آلية مراقبة الخروقات هو جزء من استراتيجيتها العامة و القائمة التي تهدف الي اخراجها كلية من مسرح العمليات و تغييبها كشاهد معتمد.

اذن والحالة هذه يفترض توجيه السؤال التالي للمجتمع الدولي (الاب الشرعي للبعثة) : لماذا الالتزام بهذا الصمت القاتل حيال ما تمارسه الحكومة من تكتيكات مهينة في حق بعثتها؟. – لماذا يلتزم المجتمع الدولي الصمت و السكوت المريب حيال الاهانة (بالضرب تحت الحزام) التي تتلقاها وليدها “اليوناميد” ؟ – اهو بسبب الخوف من المجرم ام ان في النفس “شيء من حتى” كما يقولون؟.

– علي كل حال فان موقف الضحايا واضح وضوح الشمس في كبد السماء. و يتمثل في ان: الطريقة الوحيدة لمنع المجرم من ارتكاب الجريمة (او مواصلة ارتكابها) او اثبات ما وقع منه يجب ان تكون هناك الحراسة من بوليس او غفير وان يكون حاضرا وبيقظة مطلوبة ويجب ان آلا تمارس اية ضغوط عليه (اي كان نوعه او مستواه).

*علي ترايو هو مسؤول العلاقات الخارجية لحركة تحرير السودان – مني مناوي ومسؤول العلاقات الانسانية في الجبهة الثورية السودانية

Leave a Reply

Your email address will not be published.