في برلين (نداء السودان) على مفترق طرق
بقلم: عمار عوض
بعد عقدين من تطواف القضية السودانية بمحطات افريقية وعربية وغربية شهدت اتفاقات سلام وانقسام للوطن ها هي المانيا تعود مرة اخرى، وكانت المانيا من اوائل الدول التي استضافت الحوار بين حكومة السودان والجيش الشعبي في محادثات فرانكفورت الشهيرة التي ادخلت “تقرير المصير” لأول مرة في أدبيات وافعال السياسة السودانية.
ولكن هذه المرة لاحراك “بند تقرير” المصير والتأكيد على وحدة السودان ومن غير المعلوم ما الذي ستخرج به المانيا هذه المرة عندما تستضيف، الجمعة، جلسة المفاوضات غير الرسمية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال في برلين وهي أول مرة تخرج فيها جلسات التفاوض الى خارج القارة الافريقية مع العلم ان الوساطة هي من نسقت هذه الجولة، مع الخارجية الالمانية، وفي ذلك دلالة كبيرة على ان ما سيتم الاتفاق عليه أو الاختلاف حوله سيكون بشهادة احد الدول الكبرى ممثلة في جمهورية المانيا، التي لها ثقل دولي لا تخطئه عين سياسية فاحصة ونقل الملف بشكله هذا فيه انتصار للجدية في التفاوض التي كان يشكو منها جميع المراقبين.
يقول المتحدث الرسمي لوفد الحكومة المفاوض د. حسين حمدي: ان اجتماع برلين سيضع حد للمعاناة في المنطقتين ومعالجة القضايا العالقة بين الطرفين بهدف التوصل الى تسوية حقيقية وتوقع ان تسفر هذه الجولة عن تسويات مع قطاع الشمال عبر تفاوض اكثر جدية في ظل ظروف محلية واقليمية ودولية مواتية لتحقيق السلام بحسب وصفه.
ومن جهتها عدت الحركة الشعبية نقل الملف الى المانيا عبر الاتحاد الافريقي انتصارا لها مثل ما نجحت في استصدار القرار 2046 بإجماع مجلس الامن يومها، وذلك في بيانها الذي اصدرته عشية مباحثات برلين بعد اجتماع قيادتها لهذا الخصوص وقالت عنه: أكدت القيادة –الحركة الشعبية – على التمسك بالحل الشامل والحكم الذاتي للمنطقتين والتوصل لترتيبات أمنية جديدة، وإن الحركة الشعبية لا تطرح تقرير المصير ولكنها تطالب بإعادة هيكلة السودان والحفاظ على وحدته على أسس جديدة ولا سبيل للقبول بالوحدة القديمة.
ومضت قيادة الى الحركة الى تفاصيل قضايا الاجتماع المرتقب وقالت انها لا تطالب بجيشين وتطالب بجيش سوداني واحد وادخال إصلاحات عميقة على العقيدة العسكرية وفي ذلك لابد من ربط هذه العملية بترتيبات إنتقالية جديدة للجيش الشعبي حتى يتم تنفيذ إتفاق السلام والوصول الي جيش مهني، يعكس تركيبة السودان ويخدم كآفة السودانيين.
وجددت الحركة موقفها الرافض للمشاركة في الحوار القائم بقاعة الصداقة ولكنها في لفتة جديدة قالت قيادة الحركة “نرحب بدعوة المشير البشير للحوار الوطني على أن يكون حوار متكأفي ومنتج وذو مصداقية يهدف لوضع السودان في طريق جديد و لا يرمي لشراء الوقت ويرجع الآمر الي الشعب السوداني، ليقرر ديمقراطياً من يحكمه بعد أن يحدد كيف يحكم السودان”.
تفاؤل الوفد الحكومي مفهوم فهو يريد ان نجحت الجولة ان يرجع الامر لاستهلاله لها بأحاديث متفائلة ،وان فشلت الجولة يكون اسهم في “قلقلة” حلفاء الحركة الشعبية بأنه في طريقه لتسوية معها.
وامعان وفد الحركة في التفاصيل ياتي لتثبيت موقفه لحلفائه وفي الوقت نفسه يقول انه يدخل الجولة بشروطه هو لا بشروط الحكومة السودانية.
لكن الثابت ان التفاوض بين الطرفين دخل مرحلة جديدة لن تكون باردة مثل برودة طقس اوروبا هذه الايام خاصة اذا علمنا ان هناك جولة اخرى لقوى نداء السودان بدعوة من الحكومة الالمانية ستعقد في ذات العاصمة برلين حيث ستضم (المتباعدين القريبين) من قوى المعارضة السودانية ويشمل ذلك كتلتي الجبهة الثورية (جبريل – مناوي – عقار) والامام الصادق المهدي عن حزب الامة وغازي صلاح الدين من الاصلاح الآن وحزب المؤتمر السوداني وأحزاب قوى الاجماع الوطني من المنضوية في لواء نداء السودان.
يكتسب هذا الاجتماع اهميته من انه سينظر في قضية واحدة وهي الموقف من ما يطلق عليه (المؤتمر التحضيري) ومن اسمه فهو للتحضير لمؤتمر حوار اخر غير الذي في قاعة الصداقة الان والذي رحبت الحركة الشعبية في شانه بدعوة البشير الجديدة للحوار الذي سمته (متكافئ) وليس بحوار قاعة الصداقة بحسب رأيها.
حسنا لننحي قضية الاسم هذه وجوهر المؤتمر جانبا وننظر في اكثر القضايا حساسية وهي مستقبل (وحدة قوى المعارضة) على ضوء لقاء برلين ،والتي تدخل هذا الاجتماع بشكل مغاير لما كان عليه وضعها في اجتماع برلين 2015 والذي صدر عنه طيب الذكر او المرحوم (اعلان) برلين حيث كانت قوى المعارضة يومها موحدة للغاية وتنطق بلسان واحد ولكن اليوم الجبهة الثورية صارت قسمين، (جبريل – عقار) وقوى الاجماع الوطني صارت اسيرة لقوى مثل حزب البعث وبعض الاحزاب الصغيرة جدا الاخرى غير المشاركة في تحالف نداء السودان ولكنها تتحكم في طريقة تفكير وعمل قوى الاجماع في تحالف (النداء).
هنا لا بد من الاشارة الى موقفين يشيران الى ان تحالف قوى الاجماع هو نفسه صار في مفترق طرق اولهم حديث المهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني المنتخب حديثا في خاتمة اعمال مؤتمر حزبه حيث كشف في كلمته انهم غير راضون عن عمل قوى الاجماع وانهم سيتقدمون بمقترحات جديدة لتحسين طريقة العمل واتخاذ القرار في (الاجماع الوطني) ولوح بالانتقال الى مربع جديد حال لم تجد افكار حزبه اذان صاغية من حلفائه في (الاجماع).
الموقف الثاني اتى من ذات منصة خاتمة المؤتمر السوداني عندما شن فاروق ابوعيسى زعيم التحالف نفسه هجوما على تابو امبيكي نسبة لانه ضرب عرض الحائط بمقترحات تحالفهم عرض الحائط والمتعلقة بتهيئة بيئة ومناخ الحوار عبر الاشتراطات التي قدمها تحالفه والمتعلقة بإلغاء القوانين المقيدة للحريات واطلاق سراح السجناء وغيرها من محفوظات المعارضة بهذا الخصوص.
حديث ابو عيسى هذا يعد مثل الجلابية الانصارية (على الله) يمكن ان تلبسه من اي جهة فهو من جانب تجديد لشروط التحالف وتمسك بها ورفض غير معلن لخطط امبيكي نحو المؤتمر التحضيري او الحوار الوطني سمه ما شئت ومن الجانب الاخر لـ (على الله) هذه يمكن ان يعد ترضية للقوى (غير المنضوية) في نداء السودان والمعترضة (على دعوة امبيكي والتحضيري) وهي احزاب معلومة ولا تحتاج الى تبيان وكانت تهدد الكرسي الذي يجلس عليه ابو عيسى نفسه جراء هذا الرفض.
لكن المؤكد من كل هذا ان اجتماعي برلين سيكون لهم ما بعدهم في (مستقبل السودان السياسي)، فان نجحت المانيا في الضغط على الطرفين (الشعبية والحكومة) وانتزعت منهم توافق سياسي (يمهد) لجولة المفاوضات الرسمية التي يمكن ان تخرج باتفاق نهائي يكون ضمن اطار اتفاق سلام شامل اذا ما نجحت الجهود في مسار تفاوض الحكومة والحركات السياسية المنطلقة من دارفور في اديس ابابا وكل ذلك رهين بخروج اجتماعات برلين (لقوى نداء السودان) بموقف موحد من الاجتماع التحضيري حينها ستسجل المانيا اسمها بأحرف من نور في تاريخ الحياة السياسية السودانية.
الصورة السائلة الاخرى تكمن في ان لا يستطيع تحالف نداء السودان لملمة اطرافه، والخروج بموقف موحد حينها سنكون امام خيارات تحالفات جديدة في الساحة السياسية السودانية على ضوء حديث رئيس المؤتمر السوداني عمر الدقير والايام حبلى يلدن الكثير من (الاستراتيجي).
لكن المهم التذكير بان حال ما فشل تحالف (نداء السودان) في الحفاظ على وحدته، فمن الافضل ان (تتفق) جميع الاطراف على كيفية التعاطي مع ثلاثة ملفات (السلام ـ الديمقراطية – التعاطي مع القوى الخارجية المسهلة للسلام) وإلا فعلى السلام (السلام).