Thursday , 18 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الــــــفســــــاد الــكـبيـــــر

بقلم : د. علي السبد المحامي

[email protected]

لاخلاف علي ان كافة المجتمعات في الشرق والغرب تحتوي علي قدر معين من الفساد، اذ لايوجد بلد يخلو من الفساد والمفسدين ،ولكن مايشغل بالنا في السنوات الاخيرة ظهور قدر كبير من الفساد في معاملتنا اليومية ، وحجم ذلك الفساد واتساع دائرته ودقة شبكاته بصورة لم يسبق لها مثيل في كل العهود التي عشناها ، وفي مختلف الانظمة السياسية ،مما يهدد التنمية وحياتنا الاجتماعية ، هذا ما تشهد له مجمل القضايا المرتبطة بالفساد المالي والاداري ، مما يدل علي مدي تفشي الفساد وتشابك حلقاته، ليشمل كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية .

يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ( ان المال تابع للجاه والسلطان) وليس العكس)، ويعني ابن خلدون بهذا الحالات التي ترتبط بها التجارة بالامارة ، اذا يكون لهذا الارتباط علاقة وثيقة باستقلال المنصب للحصول علي المال، وتكوين الثروات دون انتاج، وهذا ما عرف مؤخرا (بريع المنصب ) ،هذا امر اشتهرت به دول العالم الثالث ،اذ يصعب وضع حد فاصل بين الامارة والتجارة، ومن الملاحظ في السنوات الاخيرة في الانظمة غير الديمقراطية في العالم الثالث، نجد ان بعض رجال المال يسعون للسلطة بطريق مباشر عن طريق التعيين ، او عن طريق المجالس التشريعية التي يتم الوصول اليها ايضا عن طريق الفساد الانتخابي كما هو حاصل .
يعرف البنك الدولي الفساد بانه ( اساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ،فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول او طلب او ابتزاز رشوة لتسهيل عقد او اجراء طرح لمناقصة عامة ،كما يتم عندما يقوم وكلاء او وسطاء لشركات او اعمال خاصة بتقديم رشاوي ، للاستفادة من سياسات او اجراءات عامة للتغلب علي منافسين وتحقيق ارباح خارج اطار القوانين المرعية ،كما يمكن للفساد ان يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء الي الرشوة ، وذلك بتعيين الاقارب او سرقة اموال الدولة مباشرة ) .”الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية -مركز دراسات الوحدة العربية صفحة 79″

من التعريف اعلاه يمكن القول ان الفساد نوعان فساد كبير وفساد صغير ، الفساد الصغير وهو حقيقة فساد صغار الموظفين اوما اسميه (فساد الافندية) ،وهو فساد الرشوة والاختلاس المباشر من المال العام ، اما الرشوة من اجل تسهيل الاجراءات وعقد الصفقات وتسهيل الاجراءات الجمركية والضرائب لرجال الاعمال ، واما الاختلاس من المال العام فهو امر معروف وهو اسهل الطرق، وهو مايستطيع المراجع العام اكتشافه ،ان لم يحسن المختلس اخفاءه اما اذا احسن الاخفاء ، فان المراجع العام لايكشف الا ما يقوم به مختلس غبي .

اما الفساد الكبير هو فساد الدولة او بمعني اصح الحكومة ،و هو الفساد المرتبط بالصفقات الكبري في عام المقاولات وتجارة السلاح ،والحصول علي التوكيلات التجارية للشركات الدولية الكبري المتعددة الجنسية ،وكذلك الاستثمارات الاجنبية والتصرف في اراضي الدولة وتجنيب الاموال تحت غطاء الامن القومي وما الي ذلك من ممارسات .

يحدث “الفساد الكبير” عادة علي المستويين السياسي والبروقراطي مع ملاحظة ان الاول يمكن ان يكون مستقلا بدرجة او اخري عن الثاني او يكون بينهما درجة عالية من التداخل والتشابك اذ عادة مايرتبط الفساد السياسي بالفساد المالي والاداري والبروقراطي.

وباختصار شديد يمكن القول ان الفساد الكبير يرتبط بالاتي:-

1/ تخصيص الاراضي لكافة الاعمال بما في ذلك قطاع الاستثمار الوطني والاجنبي

2/ اعادة تدوير اموال المعونات والمنح الاجنبية للجيوب الخاصة بعيدا عن خزينة الدولة وعادة ماتذهب الي كبار رجال الاعمال من ذوي الصلة بالنظام الحاكم وحزبه .

3/الغروض البنكية التي تعطي دون ضمانات لرجال الاعمال ذو الصلة باصحاب النفوذ اولمصلحتهم .
4/ عقود البنية التحتية وصفقات السلاح .

5/ العمولات والاتاوات التي يتم الحصول عليها بحكم المنصب او الاتجار بالوظيفة العامة(ريع المنصب) هذا هو الفساد بشقيه الصغير والكبير.

6/ غض الطرف عن غسيل الاموال بل وتشجيعه احيانا مكافأة العاملين فيه .

مكافحة الفساد عن طريق الديمقراطية

الفساد لايكافح بالقوانين ولا بالمحاكمات ولابالمفوضيات فهناك قوانين كثيرة لمكافحة الفساد غير ان هناك ايضا وبالمقابل (مكاتب معروفة للمحاماه في البلدان النامية تخصصت في الترافع عن كبار اللصوص سارقي المال العام والذين يعملون في غسيل الاموال حيث تتفنن تلك المكاتب في التنقيب عن الثغرات القانونية الممكنة والبحث عن الاجراءات القانونية الشكلية والتمسك بها وتفسير النصوص لصالح المفسدين وقد يساعدهم في ذلك بعض القضاة الذين لا ضمير لهم فالسارقون الذين ينهبون كميات ضخمة من المال العام لايضيرهم ان يخصصوا جزءا منها (بالمليارات) كما شاهدنا وذلك للحماية والدفاع القانوني والفساد القانوني ايضا وهؤلاء بدورهم عادة مايفسدون القضاء والقضاة والحكومة ذاتها ) .

اهم الية لمكافحة الفساد هي الديمقراطية وماينتج عنها من تداول للسلطة ، ووجود رقابة برلمانية ومعارضة تتربص بفساد الحكومة ،والديمقراطية توفر نظام رقابي فعال علي كافة اعمال الجهاز التنفيذي بالدولة والديمقراطية توفر الاعلام الحر ومؤسسات المجتمع المدني التي من شانها فضح الفساد من خلال النشر والبث وتكوين الراي العام المناهض للفساد غير ان الديمقراطية تعتمد في النهاية في مكافحتها للفساد علي القضاء العادل المستقل النزيه و بغيره تكون الديمقراطية ذاتها بلا معني.

بالرغم مما تقدم فان الديمقراطية لاتستطيع وحدها مكافحة الفساد ، اذ لابد من الضروري من اعلام حر وهو واحد من اعمدة الديمقراطية واهماها . حيث ان نشر الاخبار المتعلقة بالفساد وتعليق كتاب الاعمدة عليها وعرضها في الاجهزة الاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة من شانه تكوين راي عام ضاغط ومعلوم ان العاملين في الاعلام لهم وسائل خاصة في تلقي الاخبار والسعي لها الامر الذي يجعل للاعلام رقابة غير تابعة او خاضعة للاجهزة الرقابية الرسمية ، فالاعلام الحر يعمل علي فضح الفساد وكشف وسائله قبل معرفة الرقابة الرسمية ومنعه قبل وقوعه صحيح ان هناك بلدان ذات ديمقراطية راسخة مع ذلك لاتخلو من الفساد غير ان فساد تلك الدول غالبا مايتم اكتشافه ويتم ردع مرتكبيه والفساد في الدول الديمقراطية عادة ما يتعلق بالانتخابات او التهرب من الجمارك او الضرائب .

الفساد واصلاح الدولة

ينتشر الفساد بصورة مزعجة عند ضعف النظام الشمولي ويضطر النظام من اجل استمراره في الحكم لاجراء بعض التعديلات للحد من الفساد فيعمل علي عقد مؤتمرات وندوات ويدفع رجال الدين لمحاربة الفساد غير ان تلك المؤتمرات والندوات عادة ماتخرج بتوصيات وقرارات تحد من الفساد ولو الي حين لان الذين يديرون تلك المؤتمرات والذين يقدمون الاوراق هم دهاقنة البروقراطية والذين هم جزء من الفساد .

في راينا انه بالاضافة لماتقدم في سبيل مكافحة الفساد الكبير يجب ان تعمل الحكومة (وليس الدولة) كما هو شائع علي بعض الاصلاحات الضرورية التي تتمثل في الاتي:-

1/اتساع رقعة الديمقراطية لتشمل كل مناحي الحياة وتعديل القوانين المقيدة للحريات والتداول السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهةحتي لايعشعش الفساد لامد طويل يتم توارثه والتستر عليه واصدار الفتاوي المضللة مع التاكيد علي حرية الاعلام مع حصانة الصحفي ورجال الاعلام

2/اصلاح هياكل الاجور اذ لا بد من تحسين معاش العاملين من صغار وكبار الموظفين في القطاعين العام والخاص حتي تصبح الاجور اداة للعيش الكريم وهذه هي الضمانة الاولي للحماية من الفساد الصغير.

3/الاسراع بالاصلاح المالي والاداري ووضع الضوابط اللازمة لمنع التداخل بين الوظيفة العامة و العمل التجاري منعا لاختلاط المال العام بالمال الخاص وعدم تعين رجال الاعمال في الوظائف العامة والحكومة .

Leave a Reply

Your email address will not be published.