تفاصيل مفاجأة الحوار الوطني في الخرطوم …
بقلم : عمار عوض
الحكومة السودانية، وضح انها صممت على قيام الحوار الوطني في موعده، ضاربة عرض الحائط بكل مواقف القوى السياسية المؤثرة في المشهد السوداني، ويبدو انها رفعت شعار لن اريكم اليوم الا ما ارى، وطفقت تتحرك يمنة ويسرة ،وتعود وفودها الى الخرطوم، وتقول كلاما مبهما عن الذين سشاركون في الحوار، وتريد من السودانيين ان يرِدوا نفس مُوردها القديم، عندما صدعت الناس مطلع العام الماضي، بان حدثاً كبيراً وقولاً فصلاً سيليقيه الرئيس ،وكان ماوعدت به الناس تمخض في شكل خطاب(معسم)، خرج منه الناس بكلمة واحدة هي الوثبة، فاصبغت كصفة للخطاب، ليصير معروفاً(بخطاب الوثبة) الذي اصاب رجل الشارع السوداني بالاحباط، واليوم يعود هذا الابهام المربك من جديد عبر بوابة (هناك مفاجأة في جلسة افتتاح الحوار يوم 10 اكتوبر) !!! والغريب ان نسبة معتبرة من أطياف المجتمع من فرط قلة حيلتها،صارت تترقبها دعونا نمعن النظر لنتوقع ماهيتها .
في تصريحات نقلتها الصحف قال القيادي بالوطني مصطفى عثمان: ان بعض من قادة الحركات المسلحة في دارفور سيشارك في الجلسة الافتتاحية للحوار، دون ان يحددهم تلميحاً او تصريحاً، فلو كان القادة الذين ينتظر مشاركتهم بوزن حركة الطاهر ابو حجر او حتى ابوالقاسم امام نفسه، اوغيرهم من الذين التقوا الرئيس دبي في انجمينا قبل ايام ، فليس في الامر هنا أي مبعث للدهشة .
لكن لو كان يقصد الحركات السياسية المسلحة المنطلقة من دارفور،من اعضاء تحالف الجبهة الثورية السودانية ، مثل حركتي تحرير السودان بقيادة (مناوي او عبدالواحد)، او حركة العدل والمساواة، هم من سياتي للمشاركة في افتتاح الحوار ، هنا يمكن اذا حدث ذلك، ان تكون مفاجاة من العيار الثقيل فعلا ، لكن هل يمكن ان يحدث مثل هذا الامر؟ ، دعونا نستعرض حيثيات ذلك، اذا تفحصنا الوضع جيدا نجد إن بعض قادة هذه التنظيمات ( جبريل- مناوي) قالوا، بشكل قاطع، وواضح كما الشمس ، في تصريحاتهم التي نقلتها الصحف بعد لقاء الرئيس ادريس ديبي انهم: “متمسكون بخارطة الطريق التي رسمتها الجبهة الثورية من مؤتمر تحضيري في مقر الاتحاد الافريقي ،ومطلوبات مفصلة لوقف العدائيات وتهيئة المناخ، وغيرها من الشروط المغلظة للدخول في الحوار التحضيري” في اديس ابابا دعك من الخرطوم . اما الاستاذ عبدالواحد النور، نجده حمل على حكومة الخرطوم بقوة، ورفض قصة الحوار من اساسها،وفق ماهو معهود من مواقفه حيال في هذا الامر .
من مجمل ماسبق نستنتج أن هولاء القاده يرفضوا أن يتم استردافهم في دابة اهلكها الجوع وانقصم ظهرها بفعل الممتطين لها طوال ربع القرن المنصرم، كما اننا اذا حاولنا ان نصرف اعيننا عن هذه التصريحات، ووجهناها نحو ما بيد كل طرف ، سنجد قادة الجبهة الثورية بكافة مكوناتها ، وبالضرورة قادة نداء السودان، يحملون ما يمكن ان يلقف افاعي حوار سحرة المؤتمر الوطني، وهو قرار مجلس السلم والامن الافريقي الاخير،المتوافق مع دعوتهم للمؤتمر التحضيري في اديس ابابا، والمحدد بعامل زمني، والمسنود من قادة الاتحاد الافريقي، وفوق كل ذلك خارطة الطريق التي اصدروها، رحبت بها الولايات المتحدة ،والاتحاد الاوربي، فما الذي سيدفعهم ليلقوا ما بايديهم من قرارات دولية و(يجروا لاحقين القطاره) خاصة مصطفى عثمان .
البعض صار يغمز من قناة الامام الصادق المهدي،بانه سيكون نجم الافتتاح، خاصة بعد سفر نجله العميد عبدالرحمن، ومساعد الرئيس ابراهيم محمود للقائه في القاهرة، اذا اشحنا بوجهنا عن البيان الضافي، للدكتورة مريم المهدي، التي قطعت فيه بكلمات واضحه، لمن القى السمع وهو شهيد، بقولها الذي نقلته الوسائط الاعلامية والمواقع الاخبارية :”الامام لن يشارك في الحوار، ولن يعود للخرطوم هذه الايام “.
ولو توقفنا لبرهة امام مطلوبات الامام التي تناساها الجميع،رغم إنه ظل يطرق عليها في كثير من الحوارات التي اجريت معه طوال الفترة الفائته، سنجد على راسها، رفضه التام لرئاسة البشير للحوار، وهو ما قاده الى غيهب السجن في تقديري، وليس انتقاد قوات الدعم السريع، فطريق المهدي الى باريس، كان معبدا برفضه لان يكون (البشير الخصم والحكم )، ومفارقته لحوار اتجاه واحد، سمته الترقيع وليس التغيير.
وبالحسبة السياسية البسيطة، وبمقاربة لمنطوق الامام نفسه في موقف مشابه قبل سنوات طويلة ” كيف لمن اُطعم من مائدة اعلان باريس، الذي جدد له ولحزبه الحيوية، والبريق السياسي، واعاد لهم بعض الاراضي في نفوس جماهيرهم وبقية الشعب المشككين فيه، ان يهرول هكذا ليفقد كل ذلك ، من اجل ان يجلس على مائدة الحوار الوطني ذات (الملاح البائت والمعتت) .وراعي الضان في الخلاء،على قول الراحل محمد طه، يعلم جيداً اذا نقض المهدي عهوده، ونفض يده من غزل نسجه بمهارة، وصبر وتسفار طويل ،سيكون ثمن تذكرته للخرطوم، بكل بساطة هو تحطم صورته السياسية بشكل مُريع، وتفتت حزبه جراء ذلك و(ليس في العمر براح ليعيد ما سيفتته ) فهو يريد أن يترك حزبا قويا بحسب ما اعلم ومتجانس مع رصفائه من مايسميهم هو (قوى المستقبل) وان لايطعن شرايين في حزبه (دواء منتهي الصلاحية) بحسب وصف القيادي قطبي المهدي لحزب المؤتمر الوطني .
من المعلوم بالبداهة، ان قوى الاجماع الوطني، التي لديها راي خافت في خارطة طريق الجبهة الثورية، ولديها من الاشتراطات ما تنوء به العُصبة الإنقاذية، لن تجعل المؤتمر الوطني يحلم بان يجمل بهم وجهه امام الضيوف، وهم المُغبريِن بالسير غدواً ورواحاً الى بيوت شهداء سبتمبر . لذا فحلم البشير بعيش قوى الاجماع في طاولة الحوار مستحيل ، لان اكثر من مليون (عباس الضو) في قوى الاجماع قالو (لا) للحوار بهذه الطريقة.
اما غازي صلاح الدين، وحركته الاصلاحيه من المستبعد تماماً ان يلجوا باب قاعة مؤتمر الحوار، وهم أخِرالذين غادروا بيت (مك) الحفل البشير مغاضبين، وفي حلوقهم غصة ،من ان الرجل تنصل عن الورقة التي وقعها دكتور غازي، واحمد سعد عمر، مع الجبهة الثورية، والامام الصادق. وليس هناك من دليل اكبر من ان حركة الاصلاح الان لن تشارك في هذا المحفل، مُتمثِل في مؤتمرات الانشقاقات التي رعتها (الغولة) في (وكالة سونا للانباء)، وخرجت بها صُحفها، تبشر ان حركة الاصلاح تفتت، وهو ما يشير الى غضب كبير على غازي، مما يجعلني اتوقع انه لن يعطيهم فرصة التقاط صوره له داخل قاعة المؤتمر، وفق حسابات ومؤشرات السياسة التي سقناها .
تبقى هناك السيد محمد عثمان المرغني، المرابط في لندن، ومع ان حضوره المستبعد ليس فيه من الاثارة في شئ، لان حزبه اصلاً موجود في الحكومة الحاليه، بل مبعث الاهتمام هنا هو تصريحات مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية السابق حاتم السر، بعد صمت استمر عام كامل، التي صب فيها حمم ملتهبه، في وجه الحوار الوطني بشكله الحالي، وجدد تمسكه بمبادرة المرغني للحوار، مما يدل على ان ضوء اتى من المرغني لهذا التصريح ،الذي ذهب فيه حاتم ابعد من ذلك،بالنيل من مشاركة حزبه في الحكومة الحالية دعك من مؤتمرها للحوار .
المستخلص من ماسبق كله انه ليس هناك أي (مفاجاااااااة) في الطريق، من ناحية الاحزاب او قادة المعارضة سلمياً، او التي تحمل السلاح ، لانه معلوم ان حضور حسن الترابي، وكمال عمر، لم يعد امراً مثيراً، بل ان حضورهم صار باهتاً لدرجه ان البعض بات ينتظر ان (يندغموا) ليريحوا ويستريحوا.
لكن ربما تكون المفاجاة الحقيقية، هي ان لايحضر أي من زعماء دول الجوار(كينياتا – السيسي – ديسالين – موسفيني – افورقي )،ويتوقع ان ينخفض تمثيل الاتحاد الافريقي الى مستوى ضئيل ان لم ينعدم، لان السودان سيكون عبر عن احترامه لقرار الاتحاد ومجلسه للسلم والامن بعقده للحوار بهذا الشكل، وبالطبع الامر ينطبق على الامم المتحده ،والدول الكبرى، والاتحاد الاوربي ، ليجد البشير نفسه في حوار (منلوج) مع حزبه وتوابعهم، والى جواره ادريس ديبي وامين الجامعه العربية نبيل العربي – دا لو ماسخنت الاوضاع في سوريا واختفى هو كمان – وكمال عمر وشعيب وعبود جابر وبشارة ارو والطيب مصطفى وفاطمة عبدالمحمود وثلتهم الاخرين . و ونخلص من هنا إن (المفاجاة) هي انه ليس هناك (مفاجاة) بل مشهد معاد ومكرر من مؤتمرات الحؤار الوطني اوائل التسعينات الى مؤتمر (كنانه) الاخير .