Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الحركة الإسلامية من المهد للنظام الخالف (10-11)

بقلم : د.علي السيد – المحامي – [email protected]

هذه المقالات ليس المقصود منها التوثيق للحركة الاسلامية انما هي دراسة لفكر (اخوان السودان ) منذ النشاة الي اليوم اعني بها الجيل الجديد خاصة الذي اتي الدنيا في عهد الانقاذ او قبلها بقليل موضحا كيف تخلت الحركة عن الدعوة لله واتجهت للسلطة والجاه .

وحدة الاسلاميين

اطلعت علي معظم ٍكتب الفقه القديمة المتعلقة بنظام الحكم في الإسلام ، رغم قلتها ومحدوديتها ، وجدت أنّ الفقهاء لم يعتنوا بفقه الدستور الإسلامي ، وانصرفوا عنه الى العناية بشئون الأسرة والميراث والوقف. أمّا البحث عن الدولة ونظام الحكم فلم يتطرق اليه إلا فئة قليلة من الفقهاء وهؤلاء انصب اجتهادهم غالبا في مسالة (الخلافة أو الإمامة)، وحتى هذه المسائل نجدها في مؤلفات مختلفة ، مما يصعب على الباحث الحصول عليها. و بالرغم من هذا فالحق يقال إنّ بعض فقهاء المسلمين العظام قد قدموا ما يعتبر أساساً لفقه الدستور الإسلامي مثال (الماوردي، وابن خلدون، وأبي يعلي الفراء، وأبي يوسف وابن القيم وابن تيمية وإمام الحرمين (الجويني ) والغزالى وابن قتيبة وغيرهم بالإضافة لعلماء الكلام الذين تركز بحثهم في موضوع الإمامة دون غيره) .

غير أن ناصر محمد عارف( 1) ذكر ان مصادر التراث الإسلامي كثيرة ، وغنية بالمعلومات ، وان معظم الذين كتبوا في الفقه السياسي الإسلامي لم يتعرضوا الىها . وذكر منها كتب ومخطوطات كثيرة وقد اطلعت علي بعض منها، فوجدته إما إعادة لما كتبه الغير ، أو إنها عبارة عن نصائح للملوك والأمراء وبعضها كتب مجهولة المؤلف ، وأخرى مجهولة التاريخ ، وهذه لا يمكن الاعتماد عليها، ومنها ما يحمل عنوانها علي ما يدل أنها كتب تتحدث عن السياسة في الفقه الإسلامي وهي غير ذلك تماماً ، مثل” سياسة الصبيان لابن سينا” ، وهو كتاب في التربية ، “وسياسة المريدين” وهو كتاب في الصوفية، “وسياسة البقر” وهو كتاب في الطب البيطري ، “والروض الآسي في الطب السياسي” وهو كتاب في الطب الشرعي ، وغير ذلك كثير .

وحقيقة إن التفكير السياسي في الفكر الإسلامي يختلف كثيراً عن باقي العلوم الإسلامية إذ التأليف لم يأت في معظمه من أجل حفظ العمل ونقله للأجيال القادمة مثلما يحدث في معظم العلوم إنما كان التاليف فيه يسعى دائما لإصلاح واقع الحال ، وتوجيه الناس الى الصلاح ، وإبعادهم عن الفساد ، وذلك من خلال إصلاح الواقع السياسي وتغييره ، لذلك كان التقليد الغالب أن يقدم الكتاب الى حاكم ، أو يؤلف بناء علي رغبته ، في إيجاد خطة علمية لتنظيم مملكته أو دولته
ومن ثم فقد ارتبط هذا الفكر أشد الارتباط بالواقع بصورة تجعل من العسير فهمه وتحليله دون فهم واقعه وظروفه التاريخية وطبيعة الحاكم ، حيث نجد مثلا في فترة ((قنصوه الغوري)) آخر سلاطين المماليك كثر التاليف السياسي نتيجة لانتشار الفساد في عهده ، وحدوث الخلل في نظم السلطنة وضعفها ثم انهيارها علي أيدي العثمانيين كذلك كان هناك تقليد آخر هو استنساخ الكتب لبعض الحكام الذين لم يؤلف لهم ، وذلك بتقديم كتاب في علم السياسة قديم التاليف الى هذا الحاكم وذلك بقصد دفعه للسير طبقا لمقولاته من أجل إصلاح دولته.

بإمعان النظر لكتابات الماوردي وأبي يعلي الفراء نجد أنهم متاثرين بالأوضاع والأنظمة التي عاشا في ظلها فمعظم ما كتباه كان يتعلق بواقع عصريهما ، ولذلك نحن الآن نحتاج إلى دراسات إسلامية دستورية جديدة تصاغ من اجتهادات الفقهاء القدامي ومصادر الأحكام بما يلائم العصر الحاضر، فالمجال مازال مفتوحاً للتخصص في مجال النظام السياسي الإسلامي، والاجتهاد فيه خاصة في بعض المسائل التي لم يقل فيها الفقهاء المتقدمون أو المحدثون كلمة حاسمة مثل الشورى والحرية، والديمقراطية، والتعددية، الحزبية ، ويحتاج الأمر إلى اجتهاد جديد فالواجب ألا يعترض أحد على باحث في ذلك بالقول بقفل باب الاجتهاد لان الاجتهاد جزء من نظام الشرعية الإسلامية نفسها. وفي هذا فانني اضم صوتي للدكتور الترابي بهذا الخصوص

اعود فاقول نّ مسالة التعددية السياسية والديمقراطية كانت ومازالت مثار جدل كبير بين المسلمين والحركات الإسلامية خاصة في الفترة الأخيرة من القرن السابق، فقد وصلت بعض الحركات الإسلامية إلى السلطة عن طريق الديمقراطية ، ووصلت غيرها عن طريق العنف ، وأخرى عن طريق الإنقلابات العسكرية ، والجدال ممتد حول حيادية التنظيمات السياسية في الفقه الإسلامي وعلاقتها بالديمقراطية الغربية ، والفرق بين الديمقراطية والشورى (وهل الشورى تعني الحرية السياسية ؟ والحق في إقامة الأحزاب السياسية ؟ أو التنظيمات السياسية؟) ومن ثم تباين الآراء بين الباحثين الإسلاميين : المذهبيين، وغير المذهبيين، ويمكن إجمال هذا التباين في ثلاثة آراء حول الحرية السياسية: فالرأي الأول: يرى أن الحرية مطلقة، والرأي الثاني: يرى إن الجواز إذا كان داخل الإطار الإسلامي، أما الرأي الثالث: فيرى الجواز مطلقاً في إقامة الأحزاب السياسية والحرية السياسية، ولكل أدلته وأسانيده الفقهية، والاجتهادية، ولا نود أن نخوض في التفاصيل لأن الأمر سيطول .

من الواضح ان الفقه الاسلامي تاخر كثيرا عن غيره من المواضيع الفقهية ، فقد اجتهد فقهاء المسلمين في استنباط الكثير من الأحكام التي تتعلق بنظام الحكم في الإسلام والنظام السياسي الإسلامي، بل توصل بعضهم إلى أفكار سياسية دستورية مهمة . ورغم هذا فإن الفقه الإسلامي في ميدان النظام السياسي الدستوري يعاني من تخلف شديد ، رغم الاجتهاد الذي ذكرناه آنفاً ، ويرجع ذلك التخلف إلى الجمود والتقليد الذي لازم الفقه الإسلامي زمناً طويلاً بالإضافة إلى اتساع الدولة الإسلامية واتصال المسلمين بحضارات لم يكن لهم بها عهد من قبل. ومن ثم بدأ الاجتهاد، وقد جرى على ذلك كثير من الصحابة إذ كانوا يستعملون رأيهم حيث لا يوجد نص في المسألة المعروضة وقد ذكر لنا المؤرخون والفقهاء مسائل مهمة استعمل فيها الصحابة رأيهم فازدهر الفقه الإسلامي بهذا الاجتهاد إلا أنه في أواخر القرن الرابع الهجري ساد الفقه الإسلامي نزعة الجمود والتقليد ، وقفل باب الاجتهاد، واختصر الفقهاء على تقليد من سبقهم من الأئمة المجتهدين الكبار امثال (أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وأقرانهم)، ومن ثم انقطع أو أغلق باب الاجتهاد، وكان لقفل باب الاجتهاد والنزوع لباب التقليد ، أثر حاسم في ميدان الأحكام الشرعية وخاصة الأحكام الشرعية الدستورية ، ذلك لأن الأحكام الشرعية الدستورية شديدة الحساسية بطبيعتها لما يجري في العالم من تطورات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، الأمر الذي يلزم أن تكون الأحكام الدستورية قابله للتطور، إلا أنّ نزعة الجمود والتقليد ظلت تسيطر على عقول الفقهاء والعلماء حتى في هذا العصر الحديث ، الأمر الذي دفع العلماء المستشرقين الى نعت الشريعة الإسلامية بالجمود . والواقع إن الشريعة الإسلامية ابعد الشرائع عن الجمود ، بل أكثرها مرونة وقابلية للملاءمة مع مختلف البيئات ومختلف ظروف الزمان والمكان، وتجعل لكل ضرورة حكماً يوافق المصلحة والحال.

المراجع

(1) نصر محمد عارف – في مصادر التراث السياسي الإسلامي- المعهد العالى للفكر الإسلامي -طبعة 1994م فرجينيا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *