الحركة الإسلامية من المهد للنظام الخالف (7)
بقلم : علي السيد – المحامي – [email protected]
هذه المقالات ليس المقصود منها التوثيق للحركة الاسلامية انما هي دراسة لفكر (اخوان السودان ) منذ النشاة الي اليوم اعني بها الجيل الجديد خاصة الذي اتي الدنيا في عهد الانقاذ او قبلها بقليل موضحا كيف تخلت الحركة عن الدعوة لله واتجهت للسلطة والجاه .
مذكرة العشرة
بعد مضي عشر سنوات اشتد الصراع داخل المؤتمر الوطني جاءت مذكرة العشرة التي كانت القشة التي قصمت ظهر المؤتمر الوطني ، مذكرة العشرة عبارة عن مذكرة أعدها عشر من قيادات الحركة الإسلامية وهم:-
1. احمد علي الإمام
2. غازي صلاح الدين
3. إبراهيم احمد عمر
4. نافع علي نافع
5. سيد الخطيب
6. بهاء الدين حنفي
7. حامد تورين
8. عثمان خالد مضوي
9. بكري حسن صالح
10. علي احمد كرتي
وكانت مطالبها تتنحصر فى المذكرة نصا(نقدم هذه الاصلاحات الهيكلية التي تعتبر اساسا لاصلاح جسم الحركة والتنظيم من اعلي رأسها الي اسفل اقدامها ،هذه الاصلاحات تناول مؤسسة الشوري والقطاع القيادي بما يحقق الاهداف الاربعة المتمثلة فى :
• توسيع الشوري وتيسيرها واكتسابها معني واثرا
• توحيد القيادة العليا واكسابها فاعلية ومضاء
• تكريس العمل المؤسسي فى المؤتمر رأسا وجسما
• تحقيق الاساس الصحيح لوحدة داخلية منيعة
نسال الله ان يهبنا بصيرة نافذة الي حيث ينبغي ان نسير وان يوحدنا بالعمل كما وحدنا بالامل وان يلهمنا التوفيق .)
هذه المذكرة اتت بعد عشرة سنين من تاريخ استيلاء الحركة الإسلاميةعلي حكم السودان، وفى هذه الفترة عقدت عدة اجتماعات للحركة وللمؤتمر الوطني ،ولم تنظر تلك المؤتمرات لما احتوته المذكرة من مطالب ،التي تبدو للعيان انها مصوبة بطريق مباشر نحو الامين العام للحركة الدكتور الترابي لصلاحياته كامين عام للحركة الإسلامية والحزب، الشخصية والطاغية علي الاخرين من اعضاء الحركة او المستقطيبن ،فقد شكل الترابي المرجعية الاساسية للحركة والحزب والحكومة ،والمسافة بينه وبين من يليه بعيدة بعد السماء للارض ،وهذا ليس عيب فى شخصية الترابي وانه لم يعمل لاحداث تلك المسافة البعيدة ،ولكن مادونه كانوا ضعيفي الثقافة الدينية والاجتهاد الفكري والسياسي ،لهذا بعدت المسافة، ولكن بعض الافراد من قادة الجماعة صوروا الامر بانه كان استعلاءاً من الترابي واضطهاداً لهم وانه انفرد بالمرجعية بما يتجاوز صلاحياته كامين عام للحركة ، لهذا كان الرأي ان يحل محله شخص آخر ،وبالعدم تقليص تلك الصلاحيات والسلطات ، او تصبح تلك السلطات والصلاحيات مشاركة بينه و السلطة التنفيذية لكي لاينفرد بها وحده ، ومن هنا بدأ الصراع ولكن يبدو ان الذين اعدوا تلك المذكرة لم يكونوا علي قدرها ،واعتبروا ان السلطة قادرة علي حمايتهم ،وان فى ما احتواته المذكرة سيجد القبول من عضوية الحركة الإسلامية ،ومن المؤتمر الوطني ،صحيح ان بعض من اعدو المذكرة لهم تاريخ فى الحركة الإسلامية ،وقد يكون قلبهم علي الحركة الإسلامية وخشيتهم علي الثورة الإسلامية من الانهيار ،وحكم الفرد غير ان البقية فكانت عيونهم علي السلطة أي الحكومة والترقي فيها وفى الحركة الإسلاميةوالمؤتمر الوطني.
الذين اعدو المذكرة نسو او دفعتهم السلطة لمواجهة كبيرهم الذي علمهم السحر، فلم يقدروا الامر حق تقديره ،فلما راي الترابي ان الامر يعنيه بشكل مباشر اعد العدة للمنازلة ،وفى هذا يقول عبدالماجد عليش ( ) (ادرك د.الترابي حجم الاستهداف الذي اعده من يقفون خلف مذكرة العشرة فبدأ التجهيز لميدان وزمان النزال ، اما الميدان فقد اختاره ليكون المؤتمر الوطني ،وكان الزمان هو لحظة انعقاد المؤتمر العام للحزب ،وفى سبيل ذلك قامت الامانة العامة للحزب بقيادة د.لترابي بحملة طواف شملت كل ولايات السودان ،وقد كانت تحت شعار (اعادة بناء التنظيم من القاعدة الي القمة ) (لقد كان الاسلاميون يواجهون زلزالا والحركة الإسلاميةتجتهد لتواجه الزلزال بادوات ،ماقبل الزلازال ولعل د.الترابي كان يرد علي اصحاب مذكرة العشرة بان الفيصل هو الجماهير والقواعد والعمل عبر مؤسسات الحزب واجهزته ، وليس التدبير بليل كما حدث بشان مذكرة العشرة التي حجبت عنه وتفاجأ بها تماما فى لحظة تقديمها ) . فكان يوم الجمع انعقاد المؤتمر العام للمؤتمر الوطني وفيه اعيد الترابي كامين عام للمؤتمر الوطني وبكافة صلاحياته بل تم استثناءه من الجمع بين الوظيفة التنفيذية والتشريعية وقيادة الحزب ) ،هكذا هزم اصحاب المذكرة بصورة ديمقراطية داخل المؤتمر ،وباغلبية ساحقة وعندها عرف اصحاب المذكرة قدرهم وعجزهم فى مواجهة الترابي ، ولكن الامر لم ينته بهذا الحسم الديمقراطي فتفاكر العشرة وانضم اليهم البعض منّ لم يجد له مكانا فى مخرجات ذلك الاجتماع ،بالاضافة لمن كانوا وراء المذكرة دون التوقيع عليها فلجؤا للسلطة القاهرة ولكن عن طريق اخر غير المذكرات والمؤتمرات فالسيف اصدق انباءً من الكتب .
من الواضح ان جماعة المذكرة تعلم ان الترابي يعمل علي ان تغل يد رئيس الجمهورية من سلطانه واختصاصاته الكثيرة ، ولا يتم ذلك الا عبر تعديل دستوري يحد من تلك السلطات والصلاحيات التي يتمتع بها ،رأس الدولة والتئم مؤتمر الحزب الحاكم فكانت مخرجاته لصالح الترابي ،كان لزما عليه أي الترابي مواصلة الثورة ليس انتقاما من أصحاب المذكرة كما يعتقد البعض ،ولكن لمواصلة مسيرة الإصلاح الحزبي والدستوري وتمكن الحركة الإسلاميةمن السلطة ودفع المشروع الحضاري ،والعودة للحرية والديمقراطية بعد مسيرة عشر سنوات من الحكم الشمولي، اذ يري الترابي ان مذكرة العشرة اعدت فى ذلك الوقت استباقا لمشروع التعديل الدستوري المتعلق بتوسيع ميدان الشوري والديمقراطية والعودة للحرية التي هي اصل فى الاسلام مع تقليص سلطة السلطان ،فمشروعات القرار التي كان من الواجب طرحها فى المجلس هي :-
1. اختيار وعزل الولاة شان ولائي خاص بالمجالس التشريعية بالولايات
2. إعطاء البرلمان سلطة عزل لرئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين
3. استحداث منصب رئيس للوزراء.
هذه المشاريع اذا أجيزت كانت القول الفصل والرد والردع لمذكرة العشرة الكرام بل قفل الباب نهائيا علي أصحابها ،ولكن وقتها تمايزت الصفوف داخل الحركة الإسلامية ،ولا أقول المؤتمر الوطني فهذا وعاء جامع تحركه اتجاهات الحركة الإسلاميةكيفما تشاء باعتبار الكيان الخاص ،أكاد اجزم ان أعضاء المؤتمر الوطني فى كل ماجري فى ذلك الوقت كانوا كما يقال (أطرش فى زفة ) لا يعرف ما المقصود من هذا او ذاك ،فقد اشتد الصراع داخل الحركة الإسلاميةفى المؤتمر الوطني بين جماعة المذكرة المسنودة من رئيس الجمهورية والعسكر وجماعة الترابي التنظيمية ،ولما اشتد الصراع وقرب موعد انعقاد المجلس الوطني لإقرار تلك المشروعات تحرك سيف السلطان فى الرابع من رمضان ،فقرر حل المجلس الوطني وأعلن حالة الطوارئ فى البلاد وبهذا سقط الأمر من يد الترابي فكانت ثورة داخل الثورة ، لهذا يقال ان الثورة تأكل بينها ،صحيح انه ليس من حق رئيس الجمهورية حل المجلس الوطني بنص الدستور ،ولكن تم الامر هكذا بقوة السلطان ،لم يجد الترابي سبيلا سواء اللجوء للمحكمة الدستورية التي اختار نظامها وعين قضاتها فلجأ إليها ،وكان كمن استجار من الرمضاء بالنار فأيدت المحكمة الدستورية حق رئيس الجمهورية فى الدستور، ولكن وفقا لما تعارفت عليه بعض دساتير العالم ،كانت تلك فضيحة قضائية ،لهذا كنا ننادي باستقلال القضاء وسيادة حكم القانون ،فقرار المحكمة الدستورية كان متوقعا فهذه هي طبيعة العدل فى الأنظمة الشمولية خاصة فيما يتعلق بادارة الدولة .
لم يكتف رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني بحل المجلس الوطني ،فقرر ايضا بخلاف نظام المؤتمر الوطني تجميد الأمانة العامة للمؤتمر الوطني ،وقتها كان يمكن ان ينتهي النظام فى خضم ذلك الصراع ،غير ان المعارضة كانت تتفرج خارج المسرح ،وان كانت سعيدة بذهاب الترابي الذي نراه زعيما لها الآن وقائد الحرية والديمقراطية، وهذا يذكرنا بقوله تعالي وتلك الأيام نداولها بين الناسبعد ذلك الانشقاق او قل الانقسام انشطر المؤتمر الوطني الي وطني وشعبي .
واشتد الصراع بينها الي يومنا هذا ، غير ان البعض كان يتوهم الي وقت قريب بان الأمر مسرحية فلا خلاف بين هذا وذلك ،إلا ان كل الدلالات تشير الآن ان بأسهم بينهم شديد ولا سبيل للتلاقي حتى عند الدعوة المنهزمة التي قدمها المؤتمر الوطني بضرورة وحده (اهل القبلة ).
غير انني اري ان الدعوه لاصطفاف اهل القبلة لست فكرة المؤتمر الوطني انما فكرة الحركة الاسلامية او بمعني اصح جماعة الاسلام السياسي تصدي لها المرتمر الوطني باعتباره المؤهل لذلك.