الحركة الإسلامية من المهد للنظام الخالف ( 4-7)
بقلم : علي السيد – المحامي – [email protected]
هذه المقالات ليس المقصود منها التوثيق للحركة الاسلامية انما هي دراسة لفكر (اخوان السودان ) منذ النشاة الي اليوم اعني بها الجيل الجديد خاصة الذي اتي الدنيا في عهد الانقاذ او قبلها بقليل موضحا كيف تخلت الحركة عن الدعوة لله واتجهت للسلطة والجاه .
حل الحركة الإسلامية
بعد نجاح الانقلاب طرح فى مجلس الشورى تقليص المجلس بإخراج 60% والإبقاء علي 40% من العضوية الملتزمة لإفساح المجال للمستقطبيين والعسكريين الذين ساهموا فى الانقلاب من غير أعضاء الجبهة الأسلاميةالقومية ،وطلب من الحاضرين ممن يرغب فى التخلي عن موقعه مغادرة مكان الاجتماع فلم يفعل احد، وأخيرا أجريت القرعة بين الحاضرين وتم اخراج 60% من العضوية وتبقي 40% فقط فى ذلك الاجتماع ،تم اختيار آخرين من المستقطبين لمجلس الشورى ومجلس قيادة الثورة من غير الأخوان وآخرين من دونهم ،لهذا ليس صحيحا ما يقال ان الترابي قام بحل الحركة الأسلامية، فهذه هي الصورة التي تم بها الامر بما يعني حل الحركة الأسلامية بصورتها القديمة ،ومن وقتها دب الخلاف داخل الحركة فخرج من خرج دون عودة الي يومنا هذا ،لهذا يقال ان بناء حركة إسلامية جديدة اقتضتها ظروف الانقلاب العسكري .
لابد ان أشير هنا أن قرار تشكيل الحركة الأسلاميةبما يساعد علي استيعاب غير الملتزمين بفكر الحركة تم بناء علي قرار من مجلس الشورى ووفقا للأسس التنظيمية للحركة ،وتم فى اجتماع ترأسه السيد/إبراهيم احمد عمر ومجلس الشورى هو الجهاز الذي من حقه إصدار مثل ذلك القرار فى غياب المؤتمر العام حيث أن الضرورة وقتها تقتضي ذلك ،وقد أشار لذلك عبد الرحمن عمر محي الدين بقوله (إذ أن طرف اقره مجموعة العسكريين الذين شاركوا فى التنفيذ فكان لابد أن يستقطبوا فى شكل التنظيم الجديد، بالإضافة لتوسيع مواعين الشورى لتشمل قطاعات كثيرة من القوى الفاعلة فى المجتمع ،وقد تم الاتفاق علي تسمية (المؤتمر الوطني) باعتباره هو الحركة الأسلاميةبشكيلها الجديد ،غير أن المؤتمر الوطني توسع بعد ذلك توسعا كبير ودخلته عناصر لا علاقة لها بالحركة الأسلامية، بل ليس لهم علاقة حتى بالإسلام نفسه ،ومن وقتها ارتفعت بعض الأصوات رافضة لهذا التوسع ،وان الحركة الأسلاميةفى طريقها للذوبان ،وان من المجموعة التي اسند لها إعادة تشكيل مجلس شوري الحركة قد تجاوزت التفويض الذي أوكل لها، رغم ان المجموعة التي قامت بالتعديل ورأت قيام المؤتمر الوطني أسسته بنفس هيكل الحركة السابق مؤتمر عام مجلس شوري مكتب قيادي الأمانة العامة ،رغم كل هذا هناك من يري ان التفويض الذي أعطي للذين اسند إليهم إعادة هيكلة الحركة (وجلهم من الذين نفذوا الانقلاب العسكري) انهم استغلوا التفويض إلي أقصي حد ممكن ،وان التفويض كان لأجل محدود عبارة عن فترة انتقالية ،إلا ان من اسند إليهم الأمر لم يلتزموا بحدود الفترة الانتقالية.
الحقيقة ان التفويض لم يحدد أجلا له ،وان الظروف لم تسمح لهم بذلك فى بداية الثورة، وفى هذا يقول الترابي فى كتابه الفقه الإسلامي( ) (ولذلك كانت الحركة لأول عهدها تدعو الافراد فتزكي دينهم وتربي قوتهم ،اما بعد ثورة الانقاذ فقد استمر اول العهد التعويل على طلائع الوعي المتجدد ،وعلي شريحة القيادة فى الحركة الأسلاميةالتي غالبت قوى الباطل التي كانت تطارد الاسلام قهرا من ساحة السلطان ،فقبلتها وسيرت الامور بعد الفتح سرا بدائرة محدودة من اعضائها ، ولربما راودنا الغرور بحركتنا اذا اثرنا الاستغناء عن المجتمع ،بالعكوف عنه تفرغا لتطهير ساحة حياته العامة وتاسيس اركانها وتامين مشروع التوجه الاسلامي والانصراف عن هدايته وتزكيته لاجل مسمي والاكتفاء بتعبئيته ومخاطبته جولات حيثما لزم ليبذل او يصبر فى شان ذي بال ،ومن بعد احطنا الشعب وأظللناه بأشكال هياكل صورية من “المؤتمر الوطني” لا تحيا بإجماع رأى حي ،وولادة صف قوى مخلص بل تعلق الناس بخيوط الولاء الي الجهة العليا لتقطع وشائج الو لاءات المهزومة ) اخلص من هذا ان الاتهام الذي وجه للترابي بانه حل الحركة الأسلاميةليس صحيحا .
الشرعية الدستورية (حل مجلس الثورة)
فى سبيل إرساء أركان النظام وبعد ان ثبتت ثورة الإنقاذ أقدامها رأت ان تتحلل من قبضتها العسكرية ،حيث ان أهل السودان لا يقرون بالأنظمة العسكرية ،ويرون انها أنظمة مؤقتة مصيرها للزوال مهما طال بها العهد ، صحيح ان الانقلابات العسكرية تجد الترحيب فى بداية عهدها ،حيث يكون الشعب قد سئم خلافات الأحزاب وصراعاتها الكثيرة وانشغالها بنفسها حيث يرون ان الانقلاب العسكري سوف يرحمهم من ذلك ،بالإضافة للشعارات التي يرفعها الانقلاب العسكري الا انه لا يمضي زمنُُ حتي يسأم الشعب من ذلك الانقلاب العسكري ويطالب بالديمقراطية والحرية وعودة الأحزاب ومن ثم تدور الدائرة .
رأت ثورة الإنقاذ وبعد بقائها زمنا وبسب المقاومة السياسية والضغوط الخارجية أقرت بضرورة العود للحرية السياسية وشرعية الأحزاب، ومن ثم رأت أن تتحول إلي حزب جامع(المؤتمر الوطني) فحذفت حتى كلمة إسلام من اسم الحزب ، هذا من حيث الشكل. أما من حيث البرنامج فانه نفس برنامج الجبهة الأسلاميةالقومية ،تم هذا التوسع الهائل بوعي ويقظة حتى لا يذوب الأخوان فى عموم الحركة ،و تذوب الحركة فى المؤتمر الوطني ، ذلك الوعاء الجامع ،عملا برأي شيخ حسن المتعلق بالتوسع (وكانت الحركة أكثر ما كانت توكلا علي الله ثم علي متانة نموذجها حين دخلت بجماعة الأخوان المسلمين وهم ألوف فى الجبهة الأسلاميةالقومية ، وهي مئات ألوف وكان حظ الأوائل مقام الإمام فى نمط الفكر والعمل والتنظيم ،فما ذابوا ذوبان انحلال وانطماس بل وجدوا فى حشد الجبهة بعضا ممن كانوا علي ذات مستواهم وبعضا اهتدوا واقتدوا ).
لتغيير وجهها العسكري والتحول تدريجا نحو النظام المدني ،رأت الانقاذ ان الامر يقتضي حل مجلس قيادة الثورة حيث كانت تعتبر الحركة أن القبضة العسكرية مرحلة مؤقتة لمعرفة الحركة بطبيعة أهل السودان، ومن ثم لابد من مد زراعها نحو الحرية والديمقراطية ،فقررت حل مجلس الثورة والتدرج لمرحلة الشرعية الدستورية والاعتراف بالأحزاب والحريات العامة وإيقاف الحرب ،ثم العودة للنظام الديمقراطي التي كانت تأمل ان يؤول الأمر لها فيه ،هذا بالإضافة للضغوط الداخلية والخارجية التي مورست عليها وهذه هي طبيعة الأنظمة الشمولية العسكرية العقائدية .