“العفو الدولية” تنصح السودان بالتحقيق في مقتل محتجين خلال 3 سنوات
الخرطوم 16 ديسمبر 2014 ـ نصحت منظمة العفو الدولية الحكومة السودانية بإكمال تحقيقات في حالات قتل واصابات وقعت خلال احتجاجات اندلعت خلال الفترة من 2012 إلى 2014، واتهمت الشرطة وجهاز الأمن والجيش باستخدام القوة المفرطة لقمع التظاهرات.
وقال تقرير لمنظمة العفو الدولية، تلقت “سودان تربيون” نسخة منه، إن قمع أي شكل من أشكال المعارضة السلمية ظل سمة بارزة غلبت على الـ 25 سنة، فترة حكم الرئيس عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأشارت إلى أنه تم التمهيد لتطبيق هذا القمع بفعل القوانين التي تفرض قيودا على حريات التعبير عن الرأي وتكوين الجمعيات والتجمع.
وأكدت المنظمة في تقرير مفصل إزدياد تململ السودانيين بفعل التدهور الاقتصادي مقرونا بإرتفاع معدلات التضخم ورفع الدعم عن الوقود، بجانب تطبيق غير ذلك من تدابير التقشف، ما أدى إلى أتساع نطاق التظاهرات، بما في ذلك احتجاجات سبتمبر / أكتوبر 2013 والتي اعتبرتها المنظمة من أضخم المظاهرات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة.
وأكد التقرير “أن رد قوات الأمن على هذه المظاهرات، لا سيما جهاز الأمن والمخابرات الوطني والشرطة، خلال السنتين الماضيتين يشكل بواعث قلق خطيرة لدى منظمة العفو الدولية والمركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام”.
ونبه إلى أن الحكومة استمرت في تطبيق عدد من التكتيكات والأساليب الرامية إلى خنق المعارضة، حيث لجأت إلى تجريم ممارسة حريتي التعبير عن الرأي والتجمع، وأستخدمت القوة المفرطة (بما في ذلك الذخيرة الحية).
وبرهن التقرير على كيفية قيام الشرطة وجهاز الأمن وفي بعض الأحيان القوات المسلحة أيضا باللجوء على نحو متكرر لاستخدام القوة المفرطة والاعتقال التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة من أجل فض الاحتجاجات وتفريق المشاركين فيها.
وأوصى تقرير المنظمة الحكومة باستكمال التحقيقات في حالات القتل والإصابات التي وقعت أثناء احتجاجات نيالا 2012 وجامعة الجزيرة 2012، إلى جانب تلك الاحتجاجات التي اندلعت في سبتمبر وأكتوبر 2013 ومارس 2014 ونشر نتائجها.
ونصحت بأنه ينبغي أن توفر تلك التحقيقات حصرا كاملا لأعداد القتلى والجرحى والظروف والملابسات المحيطة بمقتل أو إصابة كل واحد منهم والأدلة التي تثبت مدى ضلوع الأجهزة الأمنية في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان والنظر في أي أدلة ذات مصداقية.
وقالت منظمة العفو الدولية إنه على مدار العامين الماضيين، طرأت زيادة مفاجئة في عدد الاحتجاجات في السودان، ويُعزى ذلك جزئيا إلى تدابير التقشف التي طُبقت عقب انقطاع تدفق النفط في ضوء استقلال جنوب السودان، وتنامي المعارضة للحزب الحاكم.
ونبهت إلى أن رد الحكومة على هذه الموجة من المظاهرات اتسم ببروز نمط من استخدام القوة المفرطة ما أدى إلى وقوع وفيات وإصابات وعمليات حجز تعسفي وتعذيب وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة، وحذرت من تقاعس الحكومة عن إجراء تحقيقات شاملة ومحايدة ومستقلة من أجل محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.
وأفادت أن الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون وعناصر الأجهزة الأمنية الأخرى منحوا صلاحيات واسعة لحظر التجمعات وتفريق المشاركين فيها واحتجاز الأشخاص تعسفا، دون أن يتيح النظام سوى ضمانات محدودة تحول دون ارتكاب الإساءة وتكاد تكون المساءلة غائبة تقريبا على صعيد الحالات التي تشهد ارتكاب انتهاكات.
وذكرت المنظمة أن التشريعات السودانية تمنح عناصر الأجهزة الأمنية حصانات وصلاحيات واسعة تبيح لهم توقيف الأشخاص واستخدام القوة بحقهم، في ظل غياب الردود الكافية والمساءلة على صعيد انتهاكات حقوق الإنسان، ما يؤدي إلى تعزيز دوامة الإفلات من العقاب.
وأفادت أن قانون الأمن الوطني ساهم بخلق ثقافة من الإفلات من العقاب تتيح لعملاء الجهاز ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في ظل غياب أي رقابة قضائية على أفعالهم ودون وجود مساءلة لاحقة، كما تشكل العقوبات البدنية من قبيل الجلد بالسياط والعصي انتهاكا للحظر المفروض على التعذيب وغيره من أشكال العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وقال التقرير إنه في غالبية الحالات التي وثقها المركز الإفريقي ومنظمة العفو الدولية، توفي القتلى عقب إطلاق النار عليهم في منطقتي الرأس والصدر، وفي حالات أخرى، أطُلقت النار على الأشخاص من الخلف ما يوحي بأنهم كانوا يفرون مبتعدين عن مكان المظاهرات لحظة مقتلهم، وفي إحدى الحالات، أصُيب أحد المتظاهرين إصابة غير قاتلة ولكن أطُلقت عليه النار ثانية من مسافة قريبة متسببة بمقتله.
وأشار إلى تضارب عدد القتلى في احتجاجات سبتمبر 2013، حيث أصرت وزارة الداخلية على أن عدد القتلى وصل إلى 32 قتيلا فقط بينهم رجال شرطة، وفي أواخر أكتوبر 2013، قال والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر إن حصيلة القتلى ما بين 60 و70 قتيلا.
وفي نوفمبر 2013، صرح وزير العدل محمد بشارة دوسة أن 84 شخصا قُتلوا، ثم كشفت الحكومة النقاب عن الحصيلة الرسمية قائلة إن عدد القتلى وصل إلى 85 شخصا، بينهم اثنان من ضباط الأمن.
لكن لجنة التضامن مع عائلات قتلى احتجاجات سبتمبر 2013 أصدرت تقريرا يوثق وفاة 200 شخص أثناء الاحتجاجات، وجاء في التقرير أن 230 شخصا أصيبوا أث احتاج 33 منهم للحصول على علاج طبي عاجل غير متوفر في السودان.
كما كان نطاق الاعتقالات غير مسبوق أيضا إذ تلقت منظمة العفو الدولية والمركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام تقارير من ناشطين في حقوق الإنسان وسياسيين وصحفيين ومحامين في السودان يشيرون إلى إلقاء القبض على 800 شخص واحتجاز عدد منهم بمعزل عن العالم الخارجي دون إمكانية اتصالهم بعائلاتهم أو المحامين قبل أن يتم لاحقا الإفراج عنهم دون إسناد تهم إليهم.
وأبلغت الحكومة السودانية عن قيامها باعتقال 600 شخص بدورها قبل أن تُفرج عن العديد منهم بعد ساعات أو أيام من توقيفهم أو عقب محاكمتهم بإجراءات موجزة أو الحكم عليهم بدفع الغرامة أو الجلد.
وأوردت المنظمة أسماء 183 قتيلا سقطوا خلال احتجاجات سبتمبر 2013، منهم 142 قتيلا بأسمائهم إلى جانب قتيلين مجهولين بودمدني و27 قتيلا مجهول الهوية في أمدرمان و12 قتيلا مجهول الهوية أيضا بشمال الخرطوم.