اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (3)
بقلم دكتور فيصل عبدالرحمن علي طه
الافعال التي تجرمها الاتفاقية
تقسم الاتفاقية في الفصل الثالث الأفعال المجرمة إلى نوعين: أفعال تُلزم الدولة الطرف باتخاذ تدابير تشريعية لتجريمها مثل:
– رشو الموظفين العموميين الوطنيين والتماس هؤلاء الموظفين الرشوة أو قبولهم إياها (المادة 15).
– اختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بأي شكل من قبل موظف عمومي (المادة 17).
– غسل عائدات الجريمة (المادة 23).
– إعاقة سير العدالة (المادة 25).
أما النوع الثاني فيضم أفعالاً تُلزم الدولة الطرف بالنظر في تجريمها مثل:
– المتاجرة بالنفوذ (المادة 18).
– إساءة إستغلال الوظائف (المادة 19).
– الاثراء غير المشروع (المادة 20).
قبل أن نورد تفاصيل ما تقدم من أفعال مجرمة نذكر القارئ بأن الاتفاقية تعرف «الموظف العمومي» بأنه:
1- أي شخص يشغل منصباً تشريعياً أو تنفيذياً أو إدارياً أو قضائياً لدى دولة طرف سواء أكان معيناً أم منتخباً، دائماً أم مؤقتاً، مدفوع الأجر أم غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن أقدمية ذلك الشخص.
2- أي شخص آخر يؤدي وظيفة عمومية، بما في ذلك لصالح جهاز عمومي أو منشأة عمومية، أو يقدم خدمة عمومية، حسب التعريف الوارد في القانون الداخلي للدولة الطرف.
3- أي شخص معرَّف بأنه «موظف عمومي» في القانون الداخلي للدولة الطرف.
رشوة الموظفين العموميين
بموجب المادة 15 من الاتفاقية الدولة الطرف ملزمة بتجريم السلوك التالي:
(أ) الرشو: وهو وعد موظف عمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر سواء لصالح الموظف أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما في أمور تتصل بواجباته الرسمية.
(ب) الارتشاء: وهو الصيغة السلبية للجرم (أ) ويعني التماس موظف عمومي أو قبوله بشكل مباشر أو غير مباشر، مزية غير مستحقة لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما في أمور تتصل بواجباته الرسمية.
إختلاس الممتلكات
تقضي المادة 17 من الاتفاقية بتجريم قيام موظف عمومي عمداً باختلاس أو تبديد أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عُهد بها إليه. بحكم موقعه أو تسريبها بشكل آخر.
وسبق أن ذكرنا أن الاتفاقية تعرف الممتلكات بأنها تشمل الموجودات بكل أنواعها سواء أكانت مادية أم غير مادية منقولة أم غير منقولة، ملموسة أم غير ملموسة، والمستندات أو الصكوك القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو جود حق فيها.
غسل العائدات الاجرامية
يعني مصطلح العائدات الاجرامية أي ممتلكات متأتية أو متحصل عليها، بشكل مباشر أو غير مباشر، من ارتكاب جرم. وتلزم المادة 23 الدولة الطرف في الاتفاقية بتجريم الافعال الاجرامية ذات الصلة بغسل عائدات الجريمة. وفي تبرير ذلك ذُكر في الدليل التشريعي للاتفاقية أنه في إطار العولمة، فإن المجرمين يستغلون التقدم التقني، ويُسر حركة رأس المال وازدياد حركة الناس والسلع، والتنوع الكبير في الأحكام القانونية في الاختصاصات القضائية المختلفة، لنقل الموجودات بسرعة كبيرة من مكان إلى آخر عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية. ومن خلال عدم التماثل بين الاختصاصات القضائية، فقد تظهر الأموال في نهاية الأمر كموجودات مشروعة في أي جزء من العالم.
نورد فيما يلي الافعال الأربعة المتعلقة بغسل الأموال والتي تُلزم الدولة الطرف في الاتفاقية بتجريمها:
(أ) تحويل عائدات الإجرام أو نقلها مع العلم بأنها عائدات جرائم بغرض إخفاء مصدرها غير المشروع. ويشمل التحويل أو النقل الحالات التي تحول فيها الموجودات من شكل أو نوع إلى آخر كشراء العقارات أو بيع العقارات المتحصل عليها بطريقة غير مشروعة وكذلك نقل الموجودات من مكان إلى آخر أو من حساب مصرفي إلى آخر.
(ب) إخفاء عائدات الجرائم أو تمويهها فيما يتصل بالطبيعة أو المصدر او المكان أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها.
(ج) اكتساب عائدات الجرائم أو حيازتها أو استخدامها مع العلم وقت استلامها بأنها عائدات إجرامية.
(د) المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم المتقدم ذكرها أو التواطؤ أو التآمر على ارتكابها والمساعدة والتحريض على ذلك وابداء المشورة بشأنها.
عرقلة سير العدالة
تجرم المادة 25 من الاتفاقية تعمد إعاقة سير العدالة بفعلين:
– استخدام القوة البدنية أو التهديد او الترهيب أو الوعد بمزية للتحريض للادلاء بشهادة زور في اجراءات تتعلق بارتكاب أفعال مجرمة.
– التدخل في أعمال الموظفين القضائيين وموظفي إنفاذ القانون في إجراءات تتعلق بارتكاب أفعال مجرمة بمقتضى الاتفاقية وذلك باستخدام القوة البدنية أو التهديد أو الترغيب.
في شرح هذه المادة ورد في الدليل التشريعي أن المفسدين والفاسدين يحافظون على ثروتهم وقوتهم ونفوذهم بالسعي إلى تعويق نظم العدالة. إذ لن يكون من الممكن اقامة العدالة إذ تعرض القضاة أو الشهود أو الضحايا لترهيب أو فساد.
نماذج لافعال تلزم الدولة الطرف بالنظر في تجريمها
المتاجرة بالنفوذ
تحكم المادة 18 من الاتفاقية جرم المتاجرة بالنفوذ. يحدث هذا الجرم بفعلين أحدهما فاعل Active والآخر سلبي Passive.
المتاجرة الفاعلة بالنفوذ تحدث عند وعد موظف عمومي بأي مزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحها إليه لتحريضه على استغلال نفوده بهدف الحصول من إدارة أو سلطة عمومية تابعة للدولة الطرف على مزية غير مستحقة لصالح المحرض الأصلي أو لصالح أي شخص آخر.
أما المتاجرة بالنفوذ السلبية فتحدث عندما يقوم موظف عمومي بالتماس أو قبول أي مزية غير مستحقة لكي يستغل ذلك الموظف العمومي نفوذه بهدف الحصول من إدارة أو سلطة عمومية تابعة للدولة الطرف على مزية غير مستحقة لصالحه هو أو لصالح شخص آخر.
إساءة إستغلال الوظائف
تلزم المادة 19 الدولة الطرف بالنظر في تجريم تعمد موظف عمومي إساءة استغلال وظيفته أو موقعه أي قيامه أو عدم قيامه بفعل ما بغرض الحصول على مزية غير مستحقة لصالحه هو او لصالح شخص آخر.
الاثراء غير المشروع
تقضي المادة 20 بأن تنظر الدولة الطرف في تجريم تعمد موظف عمومي إثراءاً غير مشروع، أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها على نحو معقول أنها ناتجة من دخله المشروع.
ذُكر في الدليل التشريعي للاتفاقية أن تجريم الاثراء يعالج الصعوبات التي يواجهها الادعاء عندما يتعين عليه اثبات أن أحد الموظفين العموميين إلتمس أو قبل رشى في حالات يكون إثراؤه فيها غير متناسب مع دخله المشروع بحيث يمكن إقامة دعوى فساد ظاهرة الوجاهة Prima facie.
وذُكر في الدليل التشريعي أنه ربما يُجادل بأن جرم الإثراء غير المشروع يتعارض مع قرينة أو افتراض البراءة حتى تثبت الإدانة. وورد في توضيح ذلك أنه لا يوجد افتراض بارتكاب الجرم وأن عبء الاثبات يقع على الادعاء الذي يجب عليه أن يثبت ان الإثراء يتجاوز حدود الدخل المشروع. وبذلك يمكن أن ينظر للافتراض باعتباره قابلاً للدحض. فإذا اقيمت الدعوى فسيكون بإمكان المدعى عليه أن يقدم التوضيحات المعقولة والموثوقة.
الفصل الرابع: التعاون الدولي (المواد 43-50)
ورد في الدليل التشريعي أن سهولة السفر توفر للمجرمين طريقة للهروب من الملاحقة والعدالة. كما أن عمليات العولمة تتيح المزيد من السهولة في عبور الحدود لتجزئة المعاملات واخفاء الآثار لتضليل التحريات والبحث عن ملاذات آمنة لهم ولستر العائدات المتأتية من الجريمة. لذلك تقضي الاتفاقية بأن تتعاون الدول الأطراف في المسائل الجنائية وفقاً لمواد الفصل الرابع. وتشمل أوجه التعاون بين الدول الأطراف على سبيل المثال ما يلي:
– تسليم المجرمين رهناً باستيفاء شرط ازدواجية التجريم.
– كفالة أكبر قدر من المساعدة القانونية المتبادلة في التحقيقات والملاحقات والاجراءات القضائية ومصادرة الموجودات واستردادها.
– نقل الاجراءات الجنائية إلى بعضها البعض بهدف تركيز الملاحقة اذا كان ذلك في صالح حسن سير العدالة خاصة عندما يتعلق الأمر بعدة ولايات قضائية.
– التعاون في مجال انفاذ القانون.
– إنشاء هيئات تحقيق مشتركة.
الفصل الخامس: استرداد الموجودات (المواد 51 – 59)
تنص المادة 51 على ان استرداد الموجودات مبدأ اساسي في الاتفاقية، وأن على الدول الاطراف أن تمد بعضها البعض بأكبر قدر من المساعدة في هذا المجال.
وعن عواقب تصدير الموجودات المتأتية من الفساد، ورد في الدليل التشريعي للاتفاقية: تقويض المعونة الخارجية واستنفاد احتياطات العملة وتقليص الوعاء الضريبي. ونوه الدليل إلى أن السرقة من الخزانات الوطنية والفساد والرشى والنهب المنظم والبيع غير القانوني للموارد الطبيعية أو الكنوز الثقافية وتسريب الأموال المقترضة من المؤسسات الدولية مجرد عينة صغيرة لما يعرف بـ«ممارسات حكم اللصوص».
لمناقشة المشاكل التي تنطوي عليها مسألة استرداد الموجودات عقدت في 21 يونيو 2002 حلقة عمل تقنية استغرقت يوماً واحداً. وكان ذلك بناءعلى قرار اتخذته اللجنة المخصصة للتفاوض بشأن اتفاقية مكافحة الفساد في دورتها الاولى. استخدمت كأساس لهذه المناقشة حالة فرضية وهي قيام زعيم حكومة فاسد بتحويل عائدات متأتية من أعمال فساد إلى بلدان أخرى، وبعد حدوث تغيير في تلك الحكومة يسعى خلفاؤه إلى استرداد تلك الموجودات. وذكر أنه من بين المشاكل التي تنطوي عليها هذه الحالة عزوف الشهود عن الادلاء بشهادتهم وصعوبة مواصلة الاجراءات أمام قضاة عينهم الزعيم السابق والمشاكل المتعلقة بتحديد مكان الموجودات وربطها بالافعال الاجرامية.
على أية حال، تُلزم المادة 52 من الفصل الخامس الدولة الطرف باتخاذ التدابير لمنع وكشف عمليات تحويل الأموال المتأتية من الفساد. ومن هذه التدابير التحقق من هوية المالكين المنتفعين من الأموال المودعة في حسابات عالية القيمة، وإجراء فحص دقيق للحسابات التي يطلب فتحها من قبل أفراد مكلفين بأداء وظائف عمومية هامة أو من قبل اسرهم، وكذلك إبلاغ السلطات المختصة بالعمليات المشبوهة، وأن يمنع إنشاء مصارف ليس لها حضور مادي ولا تنتسب إلى مجموعة مالية خاضعة للرقابة.
يحتوي الفصل الخامس كذلك على مواد تتعلق بالاسترداد المباشر للممتلكات، وآليات الاسترداد والتعاون الدولي لاغراض المصادرة، وارجاع الموجودات المصادرة والتصرف فيها، وانشاء وحدة معلومات استخبارية مالية تكون مسؤولة عن تلقي التقارير المتعلقة بالمعاملات المالية المشبوهة وتحليلها وتعميمها على السلطات المختصة.
يبدو أن تطبيق الفصل الخامس من الاتفاقية قد صادف بعض الصعوبات في الواقع العملي. وقد اشارت إلى ذلك الجمعية العامة في فقرتين متماثلتين في القرار 64/237 المؤرخ 24 ديسمبر 2009 والقرار 67/192 المؤرخ 20 ديسمبر 2012. في الفقرتين أقرت الجمعية بأن الدول لا تزال تواجه تحديات في استرداد الأصول بسبب عوامل عديدة منها اختلاف النظم القانونية وتعقد التحقيقات والمحاكمات المتعددة الولايات القضائية وعدم الإلمام باجراءات تبادل المساعدة القانونية لدى الدول الأخرى والصعوبات التي تواجه في الكشف عن تدفق عائدات الفساد. ولاحظت الجمعية التحديات الخاصة التي تواجه في استرداد عائدات الفساد في الحالات التي يكون ضالعاً فيها أفراد مكلفون أو سبق أن كلفوا بأداء وظائف عامة مهمة وأفراد من أسرهم واشخاص وثيقو الصلة بهم.
آلية استعراض تنفيذ الاتفاقية
من المآخذ على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أن بعض أحكامها اختياري. وكذلك أنها لا تحتوي على آلية لاستعراض التنفيذ لأجل تقييم مدى تنفيذ الدول الاطراف لالتزاماتهما بمقتضى الاتفاقية. لكن الفقرة 1 من المادة 63 تنص على إنشاء مؤتمر للدول الاطراف في الاتفاقية من أجل تحسين قدرة الدول الأطراف وتعاونها على تحقيق أهداف الاتفاقية ومن أجل تشجيع تنفيذها واستعراضه. وأجازت الفقرة 7 من هذه المادة لمؤتمر الدول الاعضاء متى ما رأى ذلك ضرورياً، أن ينشئ آلية أو هيئة مناسبة للمساعدة في تنفيذ الاتفاقية تنفيذاً فاعلاً.
وبموجب الفقرة 7 أنشأ المؤتمر في دورته الثالثة المنعقدة في الدوحة من 9 إلى 13 نوفمبر 2009 آلية استعراض تنفيذ الاتفاقية. اعتمد المؤتمر في قراره 3/1 الاطار المرجعي لالية الاستعراض. ونصت المادة 59 من هذا الاطار على أنه يجوز لأي دولة موقعة على اتفاقية مكافحة الفساد أن تشارك في الآلية باعتبارها دولة مستعرضة (قيد الاستعراض) على اساس طوعي. ونص القرار 3/1 كذلك على أن تتكون كل مرحلة استعراض من دورتين مدة كل منهما خمس سنوات وأن تستعرض في كل دورة فصول معينة من الاتفاقية. يهدف الاستعراض القطري (review country) إلى مساعدة الدول الأطراف على تنفيذ الاتفاقية. وورد في الاطار المرجعي أن عملية الاستعراض تتوخى تحقيق عدة أمور بضمنها تزويد المؤتمر بمعلومات عن التدابير التي تتخذها الدولة الطرف المستعرضة (review under) في تنفيذ الاتفاقية والصعوبات التي تواجهها، وتزويد المؤتمر بمعلومات عن جوانب نجاح الدولة المستعرضة في تنفيذ الاتفاقية وعن الممارسات الجيدة التي تتبعها والتحديات التي تواجهها، ومساعدة الدول الاطراف على تحديد الاحتياجات من المساعدة التقنية، وتشجيع وتيسير التعاون الدولي على منع ومكافحة الفساد، بما في ذلك في مجال استرداد الموجودات.
تقوم باستعراض كل دولة طرف دولتان أخريان وتشارك الدولة المستعرضة (محل الاستعراض) مشاركة فعالة في عملية الاستعراض. نوجز فيما يلي الخطوات الاساسية في هذه العملية:
– تقوم الدولة محل الاستعراض باعداد ردودها على أسئلة قائمة التقييم الذاتي (الاستبيان) بالتشاور على الصعيد الوطني مع الشركاء (Stakeholders) لا سيما القطاع الخاص والأفراد والجماعات خارج القطاع العام.
– تجري الدولتان المستعرضتان استعراضاً مكتبياً review desk للرد الوارد من الدولة محل الاستعراض على قائمة التقييم الذاتي المرجعية (الاستبيان). يتضمن هذا الاستعراض تحليلاً للرد يركز على التدابير المتخذه لتنفيذ الاتفاقية وعلى النجاحات والتحديات التي صُودفت في تنفيذها.
– يُوضع تقرير الاستعراض القطري والموجز التنفيذي له في صيغته النهائية بعد الاتفاق بين الدولتين المستعرِضتين والدولة محل الاستعراض.
– يظل تقرير الاستعراض سرياً. ولكن المادة 38 من الاطار المرجعي تحث الدولة محل الاستعراض على ممارسة حقها السيادي بنشر تقرير الاستعراض القطري أوجزء منه.
في تعليقه على موافقة مؤتمر الدوحة على آلية استعراض تنفيذ الاتفاقية، قال انطونيو داكوستا المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة: «من الآن فصاعدا، سيتم الحكم على البلدان على ضوء الاجراءات والخطوات التي ستنفذها ضد الفساد، وليس على أساس الوعود التي تعد بها».
تطبيق الاتفاقية على الصعيد الوطني
حري بنا أن نذكر إبتداءً أن السودان قد حل في المرتبة قبل الأخيرة (174) في مؤشر الفساد للعام 2013 التي تصدره منظمة الشفافية الدولية. وحلت في المرتبة الأخيرة (175) بالاشتراك ثلاث دول هي الصومال وكوريا الشمالية وأفغانستان. مما يعني أن السودان ينبغي أن يتجه لوضع سياسة عامة متكاملة لمنع ومكافحة الفساد وليس إلى رتق قوانين فاقدة للصلاحية.
تنص المادة 65 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على أن تتخذ كل دولة طرف وفقاً للمبادئ الاساسية لقانونها الداخلي، من التدابير ما يلزم لضمان تنفيذ التزاماتها بمقتضى الاتفاقية. قد يفهم البعض استناداً إلى نص المادة 65 أن المطلوب من السودان بعد أن يصبح طرفاً في الاتفاقية هو مجرد إصدار بضعة قوانين جديدة أو ادخال ثمة تعديلات على قوانين قائمة. بل قد يذهب نفر آخر إلى أن في التشريعات السودانية القائمة ما يكفي لمنع ومكافحة الفساد. إن كل هذا ليس صحيحاً. فوفقاً للقاعدة العامة للتفسير التي قننتها المادة 31 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات للعام 1969، فإن تفسير المادة 65 لا يعني الأخذ بمعنى كل لفظ على حدة، إذ يتعين تفسير الالفاظ في ضوء السياق أو الإطار الكامل للاتفاقية.
إن السودان قد وقع على اتفاقية مكافحة الفساد في 14 يناير 2005 ولكنه لم يصدق عليها بعد. فإذا صدق عليها واصبح طرفاً فيها، فإنه سيكون ملزماً بوضع سياسات شاملة لمنع ومكافحة الفساد تقوم على المبادئ التي نصت عليها الاتفاقية وتحقق مقاصدها، وتستوعب المفاهيم الجديدة التي استحدثتها الاتفاقية المتعلقة بالتعاون الدولي واسترداد الموجودات المتأتية من الفساد التي تُصدر إلى بلدان أو ولايات قضائية أخرى.
نعيد فيما يلي ذكر بعض مبادئ ومقاصد الاتفاقية لمنع ومكافحة الفساد:
– تنفيذ وترسيخ سياسات تجسد مبادئ سيادة القانون وحسن ادارة الشؤون والممتلكات العامة والنزاهة والشفافية والمساءلة.
– مشاركة المجتمع المدني النشطة في منع الفساد ومحاربته.
– الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع اسهام الناس فيها.
– الشفافية والمساءلة في ادارة الاموال العامة.
– أن تقوم نظم الاشتراء على الشفافية والتنافس والموضوعية في اتخاذ القرار وتكون فعالة في منع الفساد.
– منع تضارب المصالح.
– استقلالية وحياد الخدمة العامة بحيث يكون التخديم فيها على اساس الكفاءة والشفافية والجدارة والانصاف والاهلية.
– ضمان تيسير حصول الناس فعلياً على المعلومات. وننوه إلى أن حق الحصول على المعلومات مكفول في معظم بلدان العالم المتطور. وننوه كذلك إلى أن الاردن أصدر في عام 2007 قانون ضمان حق الحصول على المعلومات.
– احترام وتعزيز وحماية حرية التماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها وفقاً لضوابط معينة.
– حماية المبلغين بحسن نية عن وقائع تتعلق بأفعال مجرمة بموجب الاتفاقية.
– استقلالية ونزاهة القضاء.
– استقلالية النيابة العامة عن الجهاز التنفيذي.
لا غرو أن المبادئ والقيم التي تدعو اتفاقية مكافحة الفساد إلى تنفيذها وتعزيزها وتكريسها مضمنة في مؤشرات البنك الدولي للحوكمة الرشيدة.
إنشاء هيئات مكافحة الفساد
تقضي المادة 36 من الاتفاقية بأن تتخذ الدول تدابير لضمان وجود هيئة متخصصة في مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون، وأن تُمنح الاستقلال اللازم حتى تؤدي وظيفتها بفعالية ودون أي تأثير لا مسوغ له. ووردت في الدليل التشريعي للاتفاقية ملاحظة بأن اختصاص المكافحة يمكن أن يُسند أيضاً إلى الهيئة ذات الاختصاص الوقائي المنصوص على انشائها في المادة 6 من الفصل الثاني للاتفاقية والتي سبقت الاشارة إليها.
إن هيئات مكافحة الفساد لن يكون لها تأثير أو فعالية تذكر اذا كانت معينة من قبل السلطة الحاكمة أو كانت مرتبطة بها. ففي مؤتمر حول دور اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد في التنسيق بين الجهات الرقابية الذي عقد في القاهرة في 17 و18 يونيو 2013 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي والوكالة الامريكية للتنمية الدولية، قدمت السيدة كريستينا ديل كاستيليو الخبيرة بالوكالة الامريكية عرضاً عن نقاط القوة والضعف في هيئات مكافحة الفساد. ذكرت في هذا العرض أن هيئئة مكافحة لن تكون فعالة إذا كان الغرض منها التمويه أو تزيين واجهة السلطة الحاكم. وذكرت أيضاً أن خمسة مآزق او نقاط ضعف يمكن ان تعرقل أي نجاح لهيئة مكافحة الفساد. كان من بينهما «عندما يكون النظام ذاته فاسداً». لان الهيئة لا يمكن أن تكون بديلاً للحكم السيئ. فالهيئة لا يمكن أن تقوم بنفسها بمعالجة التشوهات الاقتصادية الكلية، او عدم وجود محاكم أو أجهزة رقابية ذات مصداقية، او الاختلال السياسي، أو غير ذلك من دوافع الفساد واسعة النطاق.
لعلنا لا نضيف جديداً إن قلنا إن الفساد يستشري في البيئات التي لا تكون فيها آلة الحكم شفافة، ولا تُكفل فيها حرية التعبير وحرية النشر، ولا تكون فيها وسائط الاعلام حرة، ولا تكون فيها السلطة الحاكمة مسؤولة لمجلس نيابي حقيقي يحاسبها ويعزل الادارات الفاسدة.
ان الاستسلام الاجتماعي والسياسي لاستشراء الفساد سيجعل منه حالة طبيعية وعندئذ ستشتبه الأمور فتصبح الرشوة حقاً والاثراء غير المشروع (شطارة) وقيمة اجتماعية ايجابية.