Thursday , 28 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

متي نبني السودان؟

بقلم نعماء فيصل المهدي

يقول الكاتب الكندي مالكوم غلادويل في كتابه الشهير حالات فردية، والذي يحكي فيه عن الظروف والفرص التي ادت الي نجاح البعض المذهل علي مستوي العالم، امثال رائد البرمجة الالكترونية ومؤسس شركة تشغيل الحاسوب مايكروسوفت -بيل غيتس، ورائد الموسيقي الكلاسكيه -بيتهوفن، يقول؛ بان ما يحتاجه الشخص للتمكن من امر ما واتقانه-الي درجة ينافس بها غيره علي مستوي العالم، هو ان يقضي مدة مجموعها ١٠,٠٠٠ ساعة، في الدراسة والتدريب الجاد علي هذا الامر -قضاء مجموع ١٠,٠٠٠ في التدرب علي اتقان وتجويد امرً ما -هي المعادلة للوصول الي المقدرة علي الاداء الممتاز علي المستوي العالمي.

اثبت مايكل هاو في كتابه شرح العبقرية ان نظرية الفيلسوف ايمانويل كانت التي افترضت بان الموهبة اوالعبقرية هبة ربانية تمنح لأشخاص دون غيرهم خاطئة- وبان مدة التدريب والدراسة المطلوبة من شخصً ما ليصل الي مستوي العبقرية في عملاً ما او هواية ما او لكي يحصل درجة عالمية مرموقة في اداء عمل-هي عشرة سنوات يجتهد فيها بمعدل بمعدل ثلاث ساعات في اليوم تقريباً. اي مجمل ١٠,٠٠٠ ساعة .

يقول هاو ان تحصيل درجة العبقرية في امرً ما يحتاج لبذل الجهد والاجتهاد الجاد فيه بهذا المستوي، وما يحفز شخصً ما او مجتمعً ما لبذل هذا النوع وهذا المستوي من الجهد هو توقعات من يفعل ذلك بمكافأة مرضية ينالها لذلك. تساهم نظرية العمل من اجل المكأفاه في في اعادة وتكرار المجهود يساهم تكرار العمل في برمجة العقل الباطن للالتزام بتنفيذ العمل والتدريب اليومي عليه حتى يصبح العمل والاجتهاد عادة وجزءً من تكوين شخصية الشخص – وببذل ثلاث ساعات يومياً في التدريب علي واتقان العمل والالمام بكل جديداً عنه-يحصل درجة العبقرية.

لذلك فان العبقرية لا توهب -بل هي نوعاً من انواع برمجة العقل لاداء مهام محددة حتى يتمكن من اتقانها علي مستوي يتفوق به علي من حوله.

العقول العبقرية الجادة تساهم في بناء ورفعة شعوبها وذلك بتقديم مبادرات ومشاريع رائدة وملائمة للفرص العالمية المتاحة وموارد الدولة من عمالة ذات كفاءة تساهم نتائجها في نهضة الدولة – الثورة الصناعية نموذجاً لافكار ساهمت في نهضة دول اوربا وتوفقها الصناعي علي العالم ومؤخراً العصر الرقمي وما اتاحه من فرص لدولة الهند والصين وسنغافورة من ازدهار-ولكن من اجل الوصول الي هذه الدرجة من الاداء لبناء امة رائدة تنافس نظيراتها من الامم لا بد من بذل الكثير من الجهد والاجتهاد.

تلك العقول الموهوبة نادرة في المجتمعات العشائرية مثل المجتمعات القبلية الافريقيه وتكثر في المجتمعات الفردية الغربية وذلك لان المجتمعات العشائرية لا تشجع الفرد علي التفرد او التميز بل تحارب التفرد بشراسة مفرطة حتى وان عاد المتفرد المتميز للمجتمع بالنفع وتشجع النشاطات الجماعية والتي توطد نسبة التعاضد الاجتماعي ولو كان ذلك علي باطلاً يسبب لها الاذي – اجتماعيات الاحتفال بالختان نموذجاً.

المجتمعات التي تقضي جل وقتها في النشاطات الجماعية والاجتماعيات لا تتيح لأفرادها الفرصة لبذل ١٠,٠٠٠ ساعة في دراسة او تجويد عملاً ما بل في اغلب الاحيان ان اراد ذلك تنبذه وتطلق حوله الشائعات المغرضة – لانه بالنسبة لعقلية مبرمجة علي الاجتماعيات … شخص غريب الاطوار..

السودان مجتمع قبلي شعائري ساهمت عاداته وتقاليده وشعائره حتى الأن في رعاية وحماية انسانه في ظل القبيلة. حينما نزحت القبائل الي المدن ظلت في وحدات قبلية داخل مظلة المدينة الجامعة -تحمي ابنائها وبناتها وترعاهم من خلال نظام الاسرة الممتدة، التي تتقاسم العيش والعمل في نظام سكن ” الحوش” فتجد في مدينة امدرمان العريقة حي الرباطاب والهاشماب والمسالمة وفي بحري الدناقلة وفي بري المحس …جلها مجتمعات راعية لبعضهم البعض، متكافلة اجتماعياً، متعاضدة لحماية مجتمعها من الاذي، ولذلك يقضي الفرد جل وقته في توطيد علاقته بهذا المجتمع-ذلك قد يكون السبب في وجود وبقاء مراسم العزاء الممتدة ومراسم الزواج الممتدة ومراسم الوضوع الممتدة وغيرها من العادات السودانية الطاغية والتي اصبح بقائها يمثل تكلفة باهظة الثمن لاصحابها في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

مع نزوح افراد هذه المجتمعات الي العمل في المدن في منتصف القرن الفائت، وتكوينهم لأسر نوييه تفككت شبكة الحماية هذه وبعدت الأسر عن بعضها البعض للمساهمة في تكوين دولة مدنية ترعاهم.

تلك العملية- عملية بناء الدولة المدنية لم تتم بسبب انحراف الحكم لايدي شمولية والشمولية الغير واعية بميحطها وشعبها تهدم ما قبلها من تراكمات من تقدم في مجال صناعة الدولو والتراكمات معرفية والخدمية دون هوادة- بذلك اصبحت الدولة كيان افقي لا صلة له بالمجتمع الذي يحكمها الا لفرض السيطرة والتسلط وتحصيل الجبايات -فارتد المجتمع الي جذوره القبلية.

اذا افترضنا ان افراد الحكومة والمعارضة سوا يقضون ساعتين يومياً في الايفاء بواجبهم تجاه عادات قبلتهم الممتدة من زيارات ومجاملات….واذا افترضنا بانهم يقضون ساعة يومياً في اجتماعاتهم ولقائاتهم المتلفزة وساعة الخ …متي يتسني لهم متسع من الوقت للقيام بالدراسة والعمل من اجل بناء دولة ترتقي لمستوي دول العالم؟؟

تلك هي الثلاث ساعات التي ان استثمرت في مشروع دراسة وبناء الدولة ساهمت في صناعة دولة ترتقي لمستوي نجاح دول العالم- لكن قد تم اسثمارها في تمتين العلاقات العامة ….لذلك تستحق الحكومة والاحزاب بان تلقب بمؤسسات زيارات ومجاملات وعلاقات عامة بناءً علي اولويات اعمالها.

اذا افترضنا ان افراد الحكومة برئيسهم ونوابه ومساعديه يقضون ساعة يومياً في افتتاح كل مبنيً جديد او شارع او جسر او ….لم يتبقي لهم سوي افتتاح علب الصلصة واللبن من فرط انشغالهم بالافتتاحات …و٣ ساعات يوميا في تدشين وحضور المهرجانات …

في الاونة الاخيرة بث تلفزيون السودان حلقات متتالية من مهرجانات اعلان شهادة الأساس!..وفي كلمة احد اعيان الحكومة في مدينة كسلا نادي سيادته بقومية اعلان شهادة الأساس السودانية …لم يتبقي لهم سوي عقد مهرجان مسواك الصباح تحت شعار المسواك قبل الشاي برعاية سيجنال تو…

تلك اربعة ساعات يومياً -اي ١,٤٢٤ ساعة سنوياً يقضيها كل فرد من افراد الحكومة في الاحتفالات والمهرجانات ولذلك تستحق وبجدارة لقب تنسيقية الحفلات والاحتفالات …وليس من المستغرب في حكومة الاحتفالات هذه ان يستحق قائدها لقب الرئيس الراقص بجدارة.

متي نبني السودان وحكوماته تضيع اثمن موارد الكون علي الاطلاق وهي الوقت في العلاقات العامة والاحتفالات البائسة ؟؟

ليتها كانت تدرس اخر ما توصل له العالم في مجال العلاقات العامة والاحتفالات لاصبح السودان مركز عالمي لذلك ولكنها لا تفعل بل هي معادلة مكررة لا جديد او تجديد -تجمع الحضور وتلقي كلمات تمدح فيها ذاتها والحضور المميز يتوسطها فاصل غناء او نشيد مكرر.

متي نبني السودان؟ وكيف؟ ومن سيبني السودان؟ومتي؟

Leave a Reply

Your email address will not be published.