تظاهرة للذئاب وسط الخرطوم
بقلم مبارك أردول
لقد شاهدنا مظاهرة في يوم الجمعة المنصرم تخرج من مسجد الخرطوم وسط السوق العربي يقودها إسلاميون متشددون سودانيون وأجانب، هذه المظاهرة تندد بمقتل المسلمين العزل، ليس في إقليم دارفور على يد قوات الجنجويد منذ 2003م وليس في جبال النوبة والنيل الأزرق على يد القوات الحكومية وسلاح طيرانهم منذ الثمنينيات، و ليس تنديداً حتى بمقتل أطفال المدارس في مظاهرات سبتمبر وسط الخرطوم (وربما في نفس الساحة المتظاهرين فيها)، وإنما هذه المظاهرة ضد قتل المسلمين الذين قاموا تحت مظلة تحالف السيلكا باجتياح نظام الرئيس السابق لإفريقيا الوسطى الرئيس بوزيزي، هذا التحالف المدعوم من قبل أنظمة الحكم في إنجمينا والخرطوم.
مبدئياً قتل المدنيين العزل غير مشاركين في الصراع مرفوض ومدان أياً كان ويحاسب عليه كل قوانين العالم والأعراف المحلية ، وأيضاً قتل الناس وتمييزهم على أساسهم وخلفيتهم العرقية والثقافية مرفوض سواً كانوا مسلميين أو غيرهم، ولكن ما حيرنا في هذه المظاهرة إن نفس البلد التي يتظاهر فيها هؤلا الإسلاميين (الحاكمين) تعاني من نفس الصراعات والتقتيل العرقي والاضطهاد الديني ضد المجموعات الأخري، فحري بهؤلا المتظاهرين التظاهر ضد النظام الذي سمح لهم بتلك المظاهرة والذي يتطابق معهم أيدلوجياً، بدلاً من التظاهر ضد ما يحدث في إفريقيا الوسطى وعلى رأي المثل (الزيت لو ما كفى ناس البيت يحرم على الجيران).
جميل أن يحس مؤمني مسجد الخرطوم بمعاناة المسلمين تطبيقاً للمفهوم الديني القائل إنما المسلمين كالجسد الواحد إذا إشتكى منه عضواً تداعي له باقي الجسد بالسحر والحمى، ولكن بالله عليكم هل يوم ما حسيتم بمعاناة مسلمين أهل التكابة ونار القران في دارفور؟ ولا هل يوماً ما حسيتم بمسلمي سلطة الفونج والسلطنة الزرقاء؟ أم إن الإحساس عندكم بالقطاعي أو لم يشتكي إليكم المسلمين في السودان قهركم لهم؟ هذه المظاهرة تشبه مظاهرة الذئاب بالنهار بكاءاً على أكلهم للخراف بالليل.
لم نراكم يوماً تظاهرتم ضد من قتل النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء في مناطق الصراع في السودان، ولم نرى لكم فتوى تحرم قتال هؤلاء ولا خطبة (ساي) تنهي الحكام المتجبرين من القيام بذلك، بل إنكم ساندتم وشاركتم النظام في انتهاكاته ضد المسلمين وغيرهم في السودان، تاتوا لنا اليوم رافضين للانتهاكات ضد مواطني إفريقيا الوسطي أي دين هذا بأمركم بالتعامل الصفوي حتى بين الضحايا والقتلي؟.
النظام الذي دعاكم لهذه المظاهرة أحق بأن تتظاهروا ضده لأن الأعداد التي قتلها وشردها وعذبها ومازال تزيد بكثير بل أضعاف مضعفة ممن قتلوا في إفريقيا الوسطى، والرئيس الفرنسى إذا كان مجرم حرب فراس النظام الذي يحكم بالقرب من مكان مظاهرتكم هذه قد سبقه في هذا الجرم وسنكون مبسوطين إذا واجهوا جميعاً العدالة.
الغريب إن هذه المظاهرة (في قلب الخرطوم) لم تفض ولم تضرب بالهراوات والغازات المسيلة للدموع، بل وفر لها مكبرات الصوت ونقل أحداثها أغلب وسائل إعلام النظام مما يعني مباركتها وتشجيعهاً مسباقاً، ولكن إذا فرضنا جدلاً قامت مظاهرة في نفس الساحة ومن نفس المسجد ومن مجموعة من المصلين تندد بمقتل المسلمين وتشريدهم في أنقوجة وحجير تونجو في دارفور أو سلارا في جبال النوبة أو يابوس في النيل الأزرق لقام عليها كل أجهزة ومليشيات النظام الأمنية بالضرب والإعتقال التعذيب ولوصف كل من شارك في هذه المظاهرة بالعمالة للصهيونية والإمبريالية العالمية وقالوا عنها ولمنظميها ما لم يقله مالك في الخمر.
علينا جميعا التظاهر ضد الظلم والقهر والإذلال والتمييز العنصري وعلينا قتال من يتبنى ويعمل بتلكم الأفكار التي ترفع مكانة وقيم إناس وتقلل الأخرين أيمنا كانوا ومهما تكن دوافعهم ولا سبيل أن يعيش هذا الوطن وغيره إلًا بالاعتراف بالأخر وإحترامه مهما أختلف منا دينياً وعرقياً وثقافياً.