الفساد ….. ذلك الأخطبوط المتحكم الذي تحاشاه البشير في خطابه
بقلم محمد بشير ابونمو
[email protected]
احسب ان اكثر المفاجئين بخطاب البشير يوم امس هو الرئيس الأمريكي الاسبق جيمى كارتر ، لانه اول من بشر السودانيين ان رئيسهم سيحمل اليهم مفاجأة سارة فى مقبل الايام وذلك بعد ان “اسر” اليه البشير فى زيارته الاخيرة للسودان ولقائه به . قناعتى ان الرئيس الأمريكي سيفاجأ وربما يصاب بالاحباط لان البشير لم يأت بادنى جديد فى خطابه الموعود ، وقد جازف هو بسمعته ومكانته الدولية بنقل البشرى للشعب السودانى وكأنه يقول لهم ان مقدمه للسودان فى هذا الظرف كان فأل خير لهم ، ولكن البشير خذله وعكس الامر وجعل من زيارته نذير شؤم للشعب السودانى . هذا فى شأن الرئيس الأمريكي الاسبق ، ولكنى ايضا – وعكس الكثيرين من افراد الشعب السودانى – قد تفاجأت بالخطاب مثل الرئيس كارتر ، ولكن لسبب مختلف عن سبب مفاجأة الرئيس الأمريكي . كنت على يقين من ان البشير لن يأت بالجديد المفيد لحل المشكلة السودانية ، ولكنى كنت اتوقع ان يكذب البشير على الشعب السودانى كعادته ، وذلك بملامسة جملة من القضايا الساخنة فى الساحة وإمطار الناس بوعود زائفة لحلول قادمة لهذه القضايا فى القريب العاجل ، وبذلك يمنح لحكومته بعض العُمر الى ان يكتشف الناس ابعاد الكذبة لاحقا ، لينتقل البشير بعده الى كذبة اخرى وهكذا ، الم يكن هو المعروف بالبشير “الكضاب” فى تاريخه السابق قبل انقلاب الإنقاذ ؟
وفى رأى ان البشير قد شرع فعلا فى خطابه بملامسة بعض القضايا الساخنة ، وتحدث عن السلام الغائب وضرورة ايقاف الحرب الأهلية الجارية ، وتحدث عن الحريات بشكل ملتوى (حرية الترتيب السياسى ) ، وعن محاربة الفقر ، وعن سياسة قومية للتشغيل ، وإنشاء وكالة للتخطيط الاقتصادي فى وزارة المالية وإعمال الحوار المستمر كمنهج(حتى مع الحركات المسلحة بشرط وضع السلاح جانبا ) ، وعن الهوية السودانية ، وأمور أخرى كثيرة تشكل قضايا وإشكالات تهم اغلبها المواطن العادى بشكل مباشر ، رغم ان اغلب هذه الإشكالات هى من صناعة الإنقاذ بقيادة البشير نفسه . ولكن هنالك قضية ملحة ، وبل تعتبر ام القضايا التى شكلت عائقا اساسيا لإدارة الاقتصاد والخدمة المدنية بشكل سلس وعملى طوال عهد الانقاذ وهى قضية الفساد والتمكين . والمثير جدا فى لقاء البشير ليوم امس هو ان لفظ الفساد لم يرد ولا لمرة واحدة فى اتون خطابه الطويل ! اذن السؤال الذي يطرح نفسه هو : اذا كان البشير قد اورد كل هذه القضايا كنوع من تسويق الكذب كعادته ، ما الذى منعه من ذكر الفساد كقضية حاضرة تشغل المواطنين و المراقبين ؟
الاجابة فى رأى المتواضع ان نظام الانقاذ وعلى راسه البشير قد وصل الى قناعة تامة بان موضوع الفساد يصعب جدا طرحه ونقاشه على المستوى الشعبي لان الفساد صار جزءًا اصيلا من النظام واصبح كالأخطبوط صار معه الكل فى النظام متورط وبالتالي لا يمكن محاربته ، اى ان مقدرات البشير وملكاته المعروفة فى الكذب والخداع لا تسفعه لتسويق كذبة محاربة الفساد ضمن القضايا الأخرى التي طرحها ، وبالتالي اُسقط الموضوع من الخطاب !
اذا تجاوزنا قضايا الفساد المعروفة مثل تدمير الخطوط الجوية السودانية ، قضية الاقطان ، فساد الرئيس و افراد اسرته من اخوانه وزوجاته وغيرها من القضايا ، وتحدثنا فقط عن احدث قضية فساد فى الساحة الان ، نجد ان الحكومة تبذل مجهودات كبيرة ليس لمحاربة الفساد ولكن لعمل العكس تماما ، ومصادرة عددين متتاليين من جريدة “الجريدة ” قبل ايام وتعليق صدورها لأجل غير مسمى بعد ذلك من قبل سلطات الامن ، يؤكد ما ذهبنا اليه من ان الحكومة تحمى الفساد بدل محاربته . ومعروف ان هذه الجريدة لم تتهم وزير المالية الحالى باختلاق معلومات واهية من طرفها ، ولكن نقلت فقط اتهام جهة رسمية ومسئولة عن حماية المال العام بموحب تقاريرها الدورية (ديوان المراجع العام ) ، والتهمة هى ان الوزير المذكور قد زور وخالف الاجراءات السليمة للعطاءات عندما كان رئيسا للجنة مشتروات المحالج الجديدة التابعة لشركة الأقطان ، وذلك خدمة لمصالح مشتركة مع اركان الفساد المعروفين بقضية شركة الأقطان . والمعروف ان قضية التزوير الحالية والتى طالت وزير المالية السيد / بدرالدين محمود ، لم تكن قضية جديدة ، بل هى قضية معروفة منذ ان كان الوزير نائبا لمحافظ البنك المركزي ، وكان من “المرتب” ان يفجرها صاحب جريدة “التيار” الصحفي عثمان ميرغنى فى حينها لولا تدخل الوساطات من مراكز القوى انذاك ، واُجبر الميرغنى على تناسى الموضوع وتجاوزه . ورغم قـدم القضية وتورط نائب المحافظ السابق فيها ، ومعرفة كل دوائر السلطة بهذه القضية ، الا ان البشير لم يجد غير هذا المسئول “المزور ” ليوكل له ولاية المال العام فى السودان (وزارة المالية )، لان الكل فاسد فى المؤتمر الوطني والفاسدون هم الاقدر دائما على حماية منظومة الفساد التي يديرها هذا الحزب الفاسد ، المسمى بالمؤتمر الوطني والوطنية منه براء .