Saturday , 20 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

” إعادة تدوير” مرافيت المؤتمر الوطنى

بقلم محمد بشير ابونمو
[email protected]

نشرت صحيفة “الجريدة” اليومية ليوم امس خبرا هذا نصه :
(كشف قيادي بالمؤتمر الوطني فضل حجب اسمه عن تكوين حزبه للجنة خاصة لتشغيل الدستوريين السابقين ، وقال القيادي للجريدة إن الحزب كون لجنة ضمن لجان تطويره التي تم تشكيلها مؤخرا لتشغيل الدستوريين السابقين وبرر الخطوة للاستفادة من خبراتهم وتوقع إنشاء مراكز بحثية و منظمات أو توظيفهم كملحقين بالخارج) .

شغل حزب المؤتمر الوطنى المراقبين فترة من الزمن بالتشكيل الحكومى الجديد والذى قال انهم سيأتون بشباب ودماء جديدة لإدارة البلاد ، ولكن فى النهاية تمخض الجبل وولد فأرا كما يقولون . صحيح ان البشير قد اطاح برؤوس كبيرة فى اطار صراع مراكز القوى فى الحزب ، ولكن ذلك لا يعنى المواطن العادى من قريب او بعيد ، لان كل العملية بالنسبة للمواطن لا يتعدى اكثر من ذهاب احمد وقدوم حاج احمد ، لانه رغم اختفاء بعض الوجوه ، الا ان السياسات هى نفسها بلا تغيير ، الحرب الاهلية فى توسع وتصاعد ، الوضع المعيشى فى تدنى مخيف ، العُملة الوطنية فى مقابل العملات الرئيسية فى تدهور مستمر ، الفساد صار محمى بالقانون وتقارير المراجع العام اصحبت لا يعتد بها فى المحاكم ، وتأكيدا على هذه النقطة الاخيرة فقد برأت احدى المحاكم قبل ايام المتهمين فى اوضح قضية فساد عرفها الشعب فى عهد الانقاذ ، وهى قضية وزارة الاوقاف التى اتهم فيها المراجع العام وزير الاوقاف السابق ازهرى التجانى وامين عام الوزارة الطيب مختار ، وقد قامت المحكمة بشطب القضية وتبرئة المتهمين وذلك (لعدم وجود بينة مبدئية تؤدي لاتهام المتهمين) ، رغم ان التهم قد تم توجيهها بناء على تقارير المراجع العام حسب ما سبق الاشارة اليه اعلاه ، والقصة معروفة وقد تناولتها الصحافة المحلية بكثافة ، الا ان الملفت فى هذه القضية ان وزير العدل السابق الاستاذ عبدالباسط سبدرات كان هو محامى الدفاع (لزملائه) المتهمين !

هذا كان من امر التشكيل الحكومى الذى شغل به المؤتمر الوطنى الناس وانتهى فى النهاية الى لا شئ ، ولكن ما اوردته الصحيفة فى الخبر اعلاه يمثل “الفساد المقنن ” بعينه ، والا كيف يتبنى حزب ، امر تشغيل اعضائه الذين قضوا ردهاً من الزمن فى وظائف تنفيذية واقتضى تغييرهم فى اطار التعديلات العادية واخذوا استحقاقاتهم بالكامل لقاء خدمتهم السابقة ، وليس ذلك فحسب وبل يكون الحزب لجنة لاستيعابهم مرة اخرى فى وظائف حكومية وكأن السودان ملك للمؤتمر الوطنى ولا يوجد احد غيرهم .

الدستوريون السابقون الذين يتحدث عنهم “المصدر ” والذى رفض الكشف عن نفسه فى الجريدة هم امثال على عثمان طه ، نافع على نافع ، وعوض الجاز ، واسامة عبدالله ، والى اقل دستورى فى الولايات النائية مثل “المعتمدين ” الذين تم تغييرهم فى التشكيل الاخير وهم بالعشرات على اقل تقدير ، والا لما فكر الحزب لتكوين لجنة لاستيعابهم . الم يكن من مسئولية الموظف(السابق) الشخصية البحث عن عمل جديد لنفسه بعد تركه للعمل العام ، فى اى مجال يراه مناسبا حسب تخصصه وبالتالى يخضع للمنافسة العادلة مع المتقدمين لنفس الوظيفة من الآخرين ، سواء كان فى العمل العام مرة اخرى او الخاص ؟ لماذا يتولى الحزب هذا الامر بالنيابة عنهم ؟ المجالات التى ذكرها المصدر لاستيعاب الدستوريين السابقين هى مراكز بحوث ومنظمات يتم انشاؤها خصيصا لهؤلاء ، او يتم الحاقهم بوزارة الخارجية وابتعاثهم كملحقين فى مجالات مختلفة ، والخارجية بالطبع قطاع حكومى غير حزبى ، من المفترض الا يتحكم فى تعييناتها حزب ، سواء كان حزب حاكم او فى المعارضة ، ولكن هكذا الاحوال فى عهد الانقاذ فقد (تتشابه البقر) على حزب المؤتمر الوطنى ، ويصبح لا يميز بين ما هو عام ، وبالتالى ملك لكل الشعب وما هو خاص يهم المؤتمر الوطنى لوحده . لا احد يعترض بالطبع من انشاء المؤتمر الوطنى لمراكز بحوث ومنظمات خاصة به واستيعاب منسوبيه ، سواء كانوا دستوريون سابقون او موظفون عاديون ، ولكن التجارب التى امامنا الآن تحكى ان كل المنظمات التى انشأها المؤتمر الوطنى يتم تمويلها من المال العام بشكل مباشر اوغير مباشر (مدغمس) ، ودونكم حزب المؤتمر الوطنى نفسه ، كل تمويله من الخزينة العامة ، وهذه الحقيقة يعرفها القاصى والدانى . على كل حال ، شخصيا فقد فهمت الآن فقط معنى حديث الدكتور نافع على نافع عندما قال اننا قد ” صفرنا العداد ” وان من بعدهم سيستمروا فى تصفير العداد الى ان “يصفر عزرائيل ” ، فالرجل يعنى (وهو اصدق الفاسدين ) انهم – اى اهل الانقاذ – سيتناوبون على حكم هذه البلاد الى قيام الساعة ، وهذا يعنى ان التنفيذى منهم لو اُعفى من منصبه سيعاد الحاقه فى وظيفة حكومية اخرى ، اى ان المرفوت منهم سيعاد تدويره فى الحكم حتى الممات !

Leave a Reply

Your email address will not be published.