فشل الدولة : علاقة الحكومة بالحكم والمعارضة
بقلم نعماء فيصل المهدي
2 سبتمبر 2013 – يقول جون لوك “عندما ينتهي القانون يبدأ الطغيان”. دور الحُكم والحكومة في المقام الأول هو رعاية وتوفير حقوق الإنسان المضمنة في المواثيق الأساسية والمعاهدات الدولية. وهذه المواثيق تتضمن و ليست حصراً علي -ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ١٩٤٨ و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ١٩٦٦و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ١٩٦٦. وتتضمن تلك المواثيق كحد أدني الحق في الكرامة والمساواة أمام القانون والدولة والحياة والحرية والأمان و دولة القانون والعدالة و الانتماء الديني والسياسي والاجتماعي والجنسي.
والحق في حماية القانون من تدخل أي جهة ما تدخلاً تعسفياً في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، أو التحرش به بحملات تمس شرفهِ وسمعتهِ ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات كما هو مذكور في الماده ١٢ من الإعلان العالمي لحقوق الانسان :-
(المادة ١٢) لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات.
وتتضمن أليات الحقوق كحد أدني لسقف الحقوق التي يجب علي الحكم توفيرها; حق كل شخص حماية أسرته وحق العيش في مستوي معيشي كاف له ولأسرته وحق التمتع بأعلى مستوي من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه وحق التربية والتعليم والحق في المأوى الجيد وغيرهم من الحقوق التي تضمن كرامه الانسان. اذاً وعليه فالكرامة حق وليست مطلب.
وتُعتبر هذه المواثيق والعهود الدولية والتي وقع عليها كلً من ال١٩٥ دوله والمعترف بهم رسمياً كدول الأمم المتحدة أحكام لا تقبل التأويل.
وتتعهد كل دوله وضع التدابير اللازمة لتطبيق أحكام هذه المواثيق والعهود وان تتقدم بكل ما يلزم لتوفير وضمان واحترام كل الحقوق، المعترف بها في هذه المواثيق والعهود الدولية وان تُقدم تقارير مرحليه للأمم المتحدة عن التدابير التي التزمت بتفعيلها وفقاً لذلك.
لذلك وعليه أصبحت; المرجعية الأساسية لدساتير وسياسات الدول، هي قوانين حقوق الإنسان المضمنة في المواثيق الأساسية والمعاهدات الدولية، لضمان توفير ادني حد من الحقوق والقوانين للحفاظ علي كرامة المواطن .
ولكن وبالرغم من وجود تلك الأليات الملزمة للدول نجد انفسنا وجه لوجه امام سياسات دولة السودان، والتي لا تمت لمفهوم كرامه الانسان المتفق عليه دولياً، بصله وتُطبق في السودان على رؤوس الأشهاد!
ان دولة السودان وسياسات حزب المؤتمر الوطني، لا تمت الي الواقع السياسي الحديث بصله، بل تسعي لتفسير واقع سياسي من خيال.
والدليل علي ذلك هو بنود النظام الأساسي لحزب المؤتمر الوطني والذي يقول: يسعى المؤتمر إلى تحقيق المبادئ والأهداف التالية :
)أ . إقرار الحاكمية في الدولة لله :
يسعى الإنسان فيها مُستخلفاً عبادة الله ، وحملاً للأمانة ، وعمارة للوطن ، وبسطاً للتدين والعدل والحرية والشورى في المجتمع ، وإرساءً للتشريع على مبادئ الشرع الحنيف وإجماع الأمة وأعرافها .
ب. العمل على توجيه الحياة العامة والخاصة:
لعبادة الله بالتزام شرائع الكتب السماوية ، وحفظ الدين للمسلمين والمسيحيين وأهل الملل الأخرى، بقيم الاستقامة والطهارة وحفز دوافع البر والخير والتكافل الاجتماعي . وهذا البند من كتاب مبادئ وأهداف النظام الأساسي لحزب المؤتمر الوطني حول إقرار الحاكمية في الدولة لله يتعارض مع بند السيادة وحاكميه الدستور القومي الانتقالي من دستور السودان ٢٠٠٥ والذي يقول في هذا الشأن بان السيادة للشعب والحاكمية للدستور والدليل علي ذلك من نصوص دستور السودان الانتقالي ٢٠٠٥ هي التالية:
السيادة
2- السيادة للشعب و ُتمارسها الدولة طبقًا لنصوص هذا الدستور والقانون دون إخلال بذاتية
جنوب السودان والولايات.
حاكمية الدستور القومي الانتقالي
3- الدستور القومي الانتقالي هو القانون الأعلى للبلاد، ويتوافق معه الدستور الانتقالي لجنوب السودان ودساتير الولايات وجميع القوانين.
وبناءً علي ذلك التعارض والتباين بين النظام الأساسي لحزب المؤتمر الوطني و دستور دولة السودان الانتقالي ٢٠٠٥ لا يحق لحزب المؤتمر الوطني ان يعمل علي المستوي القومي أو مستوي جنوب السودان او المستوي الولائي، كما هو واضح من المادة ٤٠ (٣) (أ) من قسم حرية التجمع والتنظيم من دستور السودان الانتقالي ٢٠٠٥والتي تقول:
٤٠ (٣) لا يحق لأي تنظيم أن يعمل كحزب سياسي ع لي المستوى القوم ي أو مستوى جنوب السودان أو المستوى الولائي ما لم يكن لديه: (ب) برنامج لا يتعارض مع نصوص هذا الدستور، ناهيك ان يصبح هو اي حزب المؤتمر الوطني الحزب الحاكم والمسئول الأول من إدارة شئون البلاد.
وكما ذكرت مسبقاً بان أسلوب إدارة دولة السودان اليوم، لا يمت للواقع السياسي المعاصر ولأساليب إدارة الدول المعاصرة بصله. بل ان أسلوب إدارة الدولة الحالي اقرب لأساليب إدارة دول الخيال منه الي أساليب إدارة دول الواقع الحالي.
برعت بعض رويات التاريخ في رسم وتحديد ملامح الخير وملامح الشر في رموز الماضي البعيد ، حتي اصبحنا نراهم في مخيلتنا كرموز للخير المطلق ومن ينازعهم ملكهم او من يقف ضدهم كرموز للشر المطلق، فلقد صور المؤرخين العرب ريتشارد قلب الأسد بالنمرود الأكبر وصوروا صلاح الدين الأيوبي، بانه مخلوق من نور حرر القدس من الكفر والطغيان، وكون الدولة الأيوبية وحفظ الإسلام. وفي ذات السياق، حينما يصور مؤرخي الغرب ريتشارد قلب الاسد، يصورنه في هيئة محرر الدولة الصليبة وقائد الجيوش المقدام الهمام، والذي هاجر في خدمة الرب لإعادة القدس لأهلها المسيحين.
في حقيقة الامر، وبالرغم عن الرويات المتنوعة والمختلفة عن حلم ونبل وشجاعة البطل صلاح الدين الأيوبي محرر القدس الشريف. لقد كان صلاح الدين هو الغازي وريتشارد هو المحرر، الذي سعي لإعادة دولة الصليبين اليهم من منظور المسيحين- حتي أضحت صفة الصليبية من صفات الحراك المقدس في ثقافة الغرب، وأصبحت مفردة Crusade مرادفه للنضال الدؤب ضد العدوان ولقد كان ريتشار هو الغازي وصلاح الدين هو المحرر الذي لم يجود التاريخ بمثله، بطلاً و الذي اعاد القدس للمسلمين من المنظور الأخر. والحقيقة مسألة انطباعيه و نسبيه ليس الا.
ولنتطرق للوضع اليوم في بلد السودان ولقد اضحي الحكم وحلفائه الخمسة عشر يتعاملون مع المعارضة وحلفائها التسعه في قوي تحالف المعارضة -من منطلق حق صلاح الدين وعدم حق ريتشارد والعكس بالعكس صحيح.
ولقد اصبح بيننا صفي قتال متباينتين: الصف الاول للحكومة وحلفائها والصف المضاد للمعارضه وحلفائها.
وتشن الحكومة هجوماً عنيفاً علي المعارضة، وتثار المعارضة من الحكومة برد الهجوم باعنف منه، ويستمر الكر والفر والهجوم والتراجع وتنظيم الصفوف والحصار والهجمة المرتدة و الضرب والمشاحنات الكلامية والاعتقال و الصياح ضد بعضهم البعض من علي المنابر العامه والصحف، كما كان الحال في معركة صلاح الدين الأيوبي مع ريتشارد قلب الأسد.
وفي حالة معارضة الجبهة الثورية فالهجوم المسلح والهجوم المضاد وتحصيل الغنائم والأسري، والكر والفر والهجوم والتراجع وتنظيم الصفوف والحصار والهجمة المرتدة و الضرب والمشاحنات الكلامية والاعتقال و الصياح ضد بعضهم البعض من علي المنابر العامه والصحف. وحين يلتقيا في وثيقة صلح تتحد الصفوف وكان شيئاً لم يكن.
أن مداولات ومناورات وتدابير دولة السودان، وهي ليست بحكومة حسب تعريف الحكومات المعاصر ومن ينافسها علي حكمها من المعارضة وهي ليست بمعارضه فهي لا تقوم بدور المعارضة بل بدور تحالف منافس لحزب المؤتمر الوطني وحلفائه علي حكم الدولة -علي شاكلة منافسة ريتشار قلب الاسد وجيوشه لصلاح الدين الايوبي وجيوشه علي الفوز بأمارة القدس.
هذه المناورات من هجومً وهجوم مرتد بين صفوف الحكومة وحلفائها اليوم وصفوف المعارضة وحلفائها، لا تمت الي الواقع الحديث بصله والله كاننا في كابوسً أزلي من الماضي السحيق يعود بنا كدوله في العصر الحديث إلى أمارة في العصر الأموي يحكمها أمير المؤمنين عمر بن البشير من ديوانه الملكي ويغير عليها بين التارة والأخرى “المعارضة” من بني العباس وحلفائهم.
وعلي وزن تواجدنا في هذه المساحة الماضوية في إدارة علاقة أمارة البشير وحلفائها وأمارة أحزاب وحركات المعارضة وحلفائهم اصبح التحالف في حد ذاته غايه وليس الهدف الأساسي وهو إقامة دولة القانون التي توفر الحقوق وتضع كل التدابير لتحقيق ذلك. كما اصبح اصبح هدف إزالة حكم أمير المؤمنين وأسقاط النظام هو الهدف وليس الهدف الأساسي وهو أقامة دولة القانون التي توفر الحقوق.
ان دور الحزب السياسي في المقام الأول هو، وضع سياسات بديله لسياسات الحزب الحاكم ترتكز علي أليات ومواثيق حقوق الإنسان العالمية كمرجعيه ولكن اغلب أحزابنا اليوم ليست سوي تجمعات لأشخاصً بعينهم يتخذون وأسرهم مواقف مع او ضد الحكومة الحالية.
ولأنهما والحكومة لا توجد لديهم سياسات حقيقيه لمواجهة التحديات التي تواجه الوطن والمواطن، بل تنحصر أعمالهم واقوالهم في صياغة سياسات ردود الفعل او الرد علي سياسات ردود الفعل الذي تنتهجه الحكومة، لمواجهة الأحداث المتسارعه التي تعصف بالوطن الحبيب ولم ولن تحقق شيئاً سوي توطيد مفهوم الأمارة وتوطيد مفهوم صفوف الحكم وصفوف المنافسين وأمراء قرطبة وخلفاء دمشق ومعارك كاودا وامدرمان ونيالا تحالفات الأمويين مع البيزنطيين وتدابير الخلافة والولاية وأعاده التاريخ الذي لا نعرف عنه الكثير ويضيع السودان الحديث في طيات أحلام الماضي السحيق .