علي عثمان طه : ضابط علاقات عامة في حملة نافع للرئاسة السودانية
بقلم صديق محمد عثمان
2 ديسمبر 2012 — مرة أخرى انبرى السيد علي عثمان محمد طه خطيبا خارج سياق التسلسل الطبيعي والمنطقي للأحداث، قبل أقل من أسبوعين وقف السيد علي عثمان هتيفا أمام مؤتمر الكيان الخاص بالخرطوم، متوعدا بنظام عالمي جديد وبنهاية هيمنة مجلس الامن والدول العظمي، يومها تذكرت نكتة السيد الصادق المهدي في مؤتمر الإسلام وعلوم المنهجية الذي إنعقد في ثمامنينات القرن الماضي بالخرطوم، ففي الجلسة التي قدم فيها السيد الصادق المهدي ورقة وكان يرأسها الدكتور محمد عابد الجابري، ظل أحد منسوبي التيار الإسلامي يقاطع خطاب السيد الصادق المهدي بالهتاف : ( شريعة .. شريعة .. ولا نموت، الإسلام قبل القوت)، فلم يجد السيد الصادق بدا من الإلتفات إلى رئيس الجلسة مخاطبا: (هذا بعض ما نعاني سيدي الرئيس).
الأسبوع الماضي أعلنت الأجهزة الامنية في الخرطوم الكشف عن محاولة تخريبية كان يعد لها مجموعة من الضباط الإسلاميين بالتنسيق مع مدير المخابرات السابق الفريق صلاح عبدالله (قوش)، وسرعان ما تداولت الخرطوم شائعات عن تفاصيل المؤامرة التخريبية، وتسريبات عن قوائم الأسماء التي سيطالها الإعتقال. مجالس الخرطوم التي لا تعرف الأسرار تناقلت أن الأجهزة الامنية قدمت للمتهم صلاح قوش أوراقا لصفقات تجارية بمبالغ تبلغ مئات الملايين من الدولارات تمت بينه وبين وزير مقرب جدا من السيد علي عثمان، وقالت أخبار المجالس أن السيناريو الذي تتبعه الاجهزة الامنية، يقول بأن الوزير المعني هو صلة الوصل بين قوش ومجموعة الضابط الإسلاميين الذين كانت تربطهم به صلات حزبية قديمة، وأن فوائد الصفقات المذكورة كانت ستذهب لتمويل التحرك العسكري، المجالس أيضا تناقلت أن الوزير المعني أوحى إلى أحد أفراد أسرته بضرورة ترتيب أمور أسرية وأخرى مكتبية تحسبا لأي طارئ.
أما أقوى الشائعات التي انطلقت فكانت تستهدف السيد على عثمان طه نفسه تارة بالإعتقال وتارة بالإستدعاء للتحقيق، وقد سألني أحد الاخوان بشأن مغزى شائعة إعتقال السيد علي عثمان طه، والجهة التي أطلقتها؟ فأشرت إلى أن المغزى يعتمد على الجهة التي أطلقت الشائعة نفسها، فالإحتمال الأول والطبيعي أن الامن هو من أطلق الشائعة بغرض التمهيد وإستقراء رد الفعل داخل أروقة النظام ولدى الرأي العام، ولكن ثمة إحتمال أنه ومع تسرب المعلومات الأولية بشأن سيناريو جماعة الامن، أحس السيد علي عثمان بان خير وسيلة لحماية نفسه هي بإطلاق الشائعة التي ستخدم هدف إحداث إرتباك لدى عناصر الامن التي ستفاجأ بإنكشاف تفاصيل السيناريو الذي رسمته للأحداث، وما يعتضد هذا الإحتمال هو إنخراط علي عثمان المفاجئ في تأييد خطة العناصر الامنية التي أطلقت الرصاص على قدمي النظام فاردته جاثيا على ركبتيه ثم شرعت تعبئ سلاحها تمهيدا لإطلاق رصاصة الرحمة بين عينيه.
فظهور علي عثمان المفاجئ بمظهر أقوى المؤيدين وحماسته وهو القانون في إدانة المتهمين من خلال حديثه عن الخيانة للعهد وللشهداء، إنما هو إمعان من السيد علي عثمان في محاولة تغييب الأثر على جماعة الامن وقطع الطريق عليهم من المضي قدما في خطتهم التي تستهدف الوصول إليه شخصيا.
ولكن ما هي خطة الامن من سيناريو الإنقلاب المزعوم والتي جعلت المحامي علي عثمان يخرج عن سياق خلفيته القانونية ويرتدي قميص ذي “كولا” بيضاء وربطة عنق مطبوع عليها صورة مرشح الامن للرئاسة وتحتها شعار الحملة الإنتخابية، ( الفايت الحد بنساويهو)، والذي هو ترجمة سودانية بتصرف لخطبة الحجاج بن يوسف الثقفي المشهورة ( إني أرى روؤسا قد اينعت وحان قطافها وإني لصاحبها)، وبذلك يعلن عن نفسه ضابطا للعلاقات العامة في حملة الدكتور نافع علي نافع لخلافة البشير؟.
لم يخفي الدكتور نافع علي نافع منذ أول يوم تولى فيه قيادة جهاز الامن والمخابرات قناعته بان الامن هو الجهة التي ينبغي أن يناط بها حكم السودان، وكان يستدل بأن وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية هي التي تحكم أمريكا، وأن أي شخص لا ترضى عنه تلك الوكالة لن يدخل البيض الأبيض مهما صوت له المصوتون، وقد عمل نافع بجد ومثابرة من أجل إنفاذ قناعته هذه، فكان أول ما فعله هو الهجمة الشرسة على أجهزة الامن والمعلومات الخاصة بالحركة الإسلامية من خلال إفارغها من الكوادر المؤهلة، ثم من خلال ضربها ضربات قاضية تطور بعضها لمواجهة بالسلاح في ليالي الخرطوم والإنقاذ يومها لم تتعد السنة الثالثة من عمرها.
أفكار الدكتور نافع وجدت طريقها إلى عقول عدد من كبار ضباط الامن الذين طالهم سيف التطهير خلال التعديلات الطارئة التي جرت على جهاز الامن بعد محاولة إغتيال الرئيس المصري السابق في أديس ابا في العام 1995وخروج الدكتور نافع وعدد من هولاء الضباط بما فيهم صلاح قوش نفسه من قيادة الجهاز إلى مواقع أخرى، فنافع يدعي أن محاولة الإغتيال برمتها لم تتم بمبادرة من الجهاز، وإنما تمت بتكليف من السيد علي عثمان، ولكن هذا الأخير لم ينبري للدفاع عنهم حين إنكشاف ظهرهم، بل صعد نجمه الشخصي وافلت نجومهم، لذلك فقد جعل نافع شغله الشاغل التقليل من شأن علي عثمان والعمل الدوؤب على السيطرة على مفاصل الحزب والسلطة وهو مطمئن إلى سيطرته على جهاز الامن حتى بعد خروجه من هناك.
نافع لم ينتبه إلى أن عودة قوش إلى جهاز الامن وتوحيده للامن الداخلي والخارجي تحت امرته لم تكن ضمن خطته، وانما جاءت نتيجة لمثابرة حثيثة لصلاح قوش الذي إكتشف هو الآخر أن عليه تأمين موقعه في قيادة الامن وألا يكتفي بأن يكون رجل العمليات والمهام القذرة، غير أن نافع ومجموعته داخل الامن إستطاعوا توجيه ضربة خاطفة لقوش الذي أعماه الغرور المهني عن رؤية مواطن الخلل في عرش إمبراطوريته التي تضخمت كما تضخمت ذاته وتورمت حتى حجبت عنه الرؤية.
بخروج قوش من الامن دانت السيطرة للموالين للدكتور نافع الذين ظل يستخدمهم في ضبط وتسيير ايقاع الحزب الذي امسك بتلابيبه، ومن هناك صعد عدد من منسوبي الامن إلى الوزارة قفزا بالزانة فوق روؤس الكوادر المدنية للحزب، وهكذا بينما ظل الرئيس البشير يقطع الوعود لشباب الحزب المتململ والمنتظر لفرصته في تسنم قيادة السلطة، خاصة بعد خروج جماعة المؤتمر الشعبي وتوفر الفرص لإحلال عناصر جديدة وتصعيد قيادات طلابية وشبابية من داخل الحزب، ولكن نافع كان شديد المراس وواضح في إصراره على إمضاء إرادته هو، فحتى التعديل الوزاري المحدود الذي صعد عدد من شباب وشابات الحزب إلى دست الوزارات كان لنافع نصيب الأسد فيه من خلال تصعيد وافدين تجاوزا لمجموعات الشباب والطلاب، وما أن دانت السيطرة التامة لنافع على مقاليد الامور ذهب هولاء الوافدين من مناصبهم، وتم أبدالهم بعناصر مباشرة من حوش الامن، فذهب حاج ماجد سوار، وعفاف احمد عبدالرحمن وسناء حمد، وصعد محمد مختار حسن حسين وتدرج كمال عبداللطيف درجات، وقفز فيصل حماد متجاوزا رقاب العديدين من الذين كانوا يشرئبون إلى المنصب الوزاري.
ظل نافع مطمئن إلى أن خطته تسير وفقا لأجالها المضروبة وفي ظل وجود الرئيس البشير الذي لا يجتهد في قراءة التفاصيل ولا مراجعة أهداف الخطط ومراحلها، بإختصار رئيس صوري، خاصة في ظل وضعه المنعزل تماما خارجيا ومحاذرة علي عثمان من غضب الرئيس وإحجامه عن التحرك في هذه المساحة الواسعة من الفراغ المريع الذي أحدثه قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة البشير.
غير أنه ومنذ يوليو العام 2011 حدث تطورين مهمين كان لهما أثر كبير في إرباك خطط الدكتور نافع، الأول هو تحالف الأضطداد داخل المؤتمر الوطني ضده، ففي إطار ترتيبات تمهيد الطريق لإكتمال دولة الامن الموعودة، تفتقت عقلية الجماعة الامنية بقيادة الدكتور نافع عن ضرورة التعجيل بمعالجة الأوضاع الملتهبة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وهكذا أقدم نافع على خطوة مفاجئة بتوقيعه اتفاقا مع الحركة الشعبية قطاع الشمال في أديس أبابا، وتقول المصادر أن نافع قبيل ذهابه إلى أديس أبابا أطلع الرئيس البشير على خطوته واقنعه بجدواها، ولكن الذي لم يحسب نافع حسابه هو أن ينضم عبدالرحيم محمد حسين إلى مجموعة علي عثمان في إجتماع المكتب القيادي الذي ناقش الإتفاق ورفضه بالأغلبية، حينها أدرك الدكتور نافع هشاشة موقفه وأن جيوب المقاومة لخطته لا تزال تمتلك أسنانا يمكنها أن تسبب له الأذى.
أما التطور الثاني فهو مرض الرئيس البشير وإستغلال جماعة علي عثمان الحدث لإفشاء الحديث عن خلافة الرئيس، فحسب ترتيب الأوضاع الحالي ووفقا للدستور فانه في حال ذهاب البشير فينبغي أن يتولى رئيس المجلس الوطني إدارة البلاد إلى حين إنتخاب رئيس جديد في غضون ستين يوما، ومعلوم أن فرص السيد علي عثمان في نيل ثقة المؤتمر الوطني للترشح لا تزال أقوى من حظوظ الدكتور نافع.
لكل ما تقدم فقد كان لزاما على الدكتور نافع وجماعته دفع عجلة خطتهم إلى مرحلة متقدمة، وإرباك تكتيكات الخصم المتمثل في جماعة السيد علي عثمان، ووفقا لقراءة نافع فان علي عثمان سيعتمد على زخم تأثيره في أوساط بقايا الحركة الإسلامية داخل النظام، وهذا يفسر الهدف من خطبته العصماء في مؤتمر الكيان الخاص الأخير، فالرجل انتهت فرصته لتولي منصب الامين العام الرمزي، وكان من الطبيعي ألا يعلو صوته فوق صوت الامين العام الجديد المنتخب، ولكن علي عثمان قصد بخطبته الهتافية تلك الإشارة إلى أنه ربما يكون قد تنازل عن المنصب الرمزي، ولكنه لم يتنازل عن أدواته في التأثير والقيادة وإستثارة العاطفة، بإختصار أراد القول بانه هو الزعيم وأن منصب الامين العام لم يكن يضيف اليه شيئا وأن ذهابه عنه لن ينقصه من حقه الطبيعي شئ.
من جهة ثانية فان تقارير مجموعة نافع تشير إلى أنه ومنذ عودة الدكتور عوض الجاز إلى وزارة الطاقة، وعلى الرغم من الخروج المهين لصلاح قوش من مستشارية الامن، إلا أن الدكتور عوض الجاز سهل حصول صلاح قوش لتعاقدات ضخمة لمد وزارة الطاقة بالمواد البترولية، وأن صلاح قوش إستخدم أموالا خارجية لتمويل الصفقات، ولضخامة المبالغ فقد رجحت مصادر الامن أن الاموال ليست لصلاح قوش وحده بل تعتقد جماعة الامن أن الدكتور عوض الجاز والسيد علي عثمان سمحا للسيد صلاح قوش باستخدام أموالهما المودعة خارج البلاد مع أمواله هو لتمويل الصفقات والحصول على أرباح بغرض تقوية موقفه المالي وتمكينه من التحرك المضاد ضد جماعة الامن التي تآمرت عليه وأخرجته من مناصبه الرسمية.
بقى لجماعة الدكتور نافع جبهة تكاد تكون مغلقة ومبهمة عليهم ليس لهم فيها أي تأثير ولا يملكون لها مفاتيح تمكنهم من النفاذ إليها، ألا وهي جبهة الجيش، فعلى الرغم مما أصاب الجيش من خراب كبير من خلال الحروب المتطاولة وإنفصال الجنوب وفقدان الجيش لأعداد كبيره من جنوده وضباطه، وتطورات حرب دارفور التي أودت هي الأخرى باعداد كبيرة من الجنود والضباط الذين تمت إحالتهم للمعاش بسبب الشك في ولائهم لعقيدة الحرب المعلنة على أهاليهم، وعلى الرغم من فقدان الجيش لمؤسساته الإقتصادية وإعتاماده بالكامل على ميزانية الدولة، فعلي الرغم من ذلك يبقى الجيش قوة بشرية منظمة يسهل تحريكها وتعبيئتها إذا تقدمتها القيادات المؤثرة.
لكل ما تقدم فقد بات واضحا لجماعة الامن أنها بحاجة إلى دفع خططها مراحل متقدمة بحيث تقفل الطريق على خيارات جماعة السيد علي عثمان في ظروف ذهاب الرئيس البشير الوشيك، وهكذا جمعت هذه الجماعة أوراقا كثيرة مبعثرة تجمعت لديها وأدلة تحصلت عليها خلال عملها الدؤوب ضد المعسكر الآخر، أما ضباط الجيش فلم يكن عسيرا الإيقاع بهم من خلال وثائق فطيرة لا ترقى إلى درجة الشك دع عنك الإدانة، فبعض الأوراق المقدمة كأدلة ضد بعض هولاء الضباط تذاكر سفر للعلاج دفعت من خارج ميزانية القوات المسلحة، ومكالمات هاتفية بين بعضهم وبين شخصيات معروفة بانتقادها للأوضاع، وشباب من المجاهدين السابقين.
وقد كاد سيناريو جماعة الدكتور نافع أن يتهاوى خاصة في غياب ناطق رسمي باسم السيناريو ملم بتفاصيله ومتحمس للدفاع عنه امام وسائل الإعلام، فمنذ اليوم الأول ظهر التضارب جليا في تصريحات المسؤلين الرسمين الذي إختارت المجموعة الإعلان عن السيناريو من خلالهم، فوزير الإعلام الذي أعلن نبأ المحاولة الإنقلابية في مؤتمر صحفي، لم يستطع تحديد أكثر من ثلاثة أسماء من المتهمين، أما مستشار الوزير نفسه فقد قطع باعتقال اللواء كمال عبدالمعروف ضمن المعتقلين، هذا بينما تحدث الدكتور قطبي المهدي عن أن الأمر لا يعدو أن يكون أحاديث ومكالمات بين الأشخاص ولم يتطور إلى أفعال.
لقد حرص السيد علي عثمان على إحاطة نفسه بهالة من الغموض والسرية، وقد كان يسره أن يعرف عنه انه شديد المراس في طلب الثأر ممن يسئ إليه مهما تطاول الزمان، هذه المواصفات المستحقة والتي نالها السيد علي عثمان بالسعي الدوؤب إليها، ستجعل من الصعب على جماعة الامن الركون لمسحة الحماس التي رسمها على وجهه وهو يتقدم صفوف المدافعين عن سيناريو المحاولة الإنقلابية المزعومة، خاصة وأن السيد علي عثمان مضى شوطا أبعد مما هو متوقع أو مطلوب ( ملكي أكثر من الملك) أو زود العيار، لذلك فالراجح أن طلبه لملء وظيفة ضابط علاقات عامة لحملة الرئيس نافع علي نافع سيتم رفضه، على كلٍ مرحبا بالسيد علي عثمان في صفوف معارضة سلطة الامن وبيوت الأشباح، هذا طبعا بعد أن يقضي -ولأول مرة في تاريخه السياسي المتطاول- بضعة أشهر بجوار الأخ المصابر يوسف محمد صالح لبس الذي لبث في سجن كوبر بضع سنين.
كاتب المقال مسئول مكتب المؤتمر الشعبي في لندن