النيل الأزرق: إنسداد أفق سياسي ومآساة إنسانية غير مرئية
الخرطوم في 28 يوليو 2012 — ادناه تقرير اصدرته المجموعة السودانية للديمقراطية اولا يتناول الازمة الانسانية التي نتجت عن اندلاع النزاع المسلح في منطقة النيل الازرق بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال في شهر سبتمبر 2011.
المجموعة السودانية للديمقراطية اولا
يوليو 2012
السياق العام: ملخص
اندلاع القتال في مدينة الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق في الاول من سبتمبر من العام 2011 يعتبر عودة للحرب الاهلية من جديد، بعد سلام نسبي استمر لمدة ست سنوات هي عمر اتفاق السلام الشامل، والمنتهي باستقلال دولة جنوب السودان في 9 يوليو 2011.
انطلاق عمليات العنف في الاقليم تعتبر تدشيناً للجبهة الرابعة من الحروب الاهلية التي تشنها قوات ومليشيات حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم في مواجهة قوات المقاومة المسلحة المختلفة، لتنضم النيل الازرق لمناطق دارفور، أبيي، جنوب كردفان/ جبال النوبة، فضلا عن الحرب عابرة للحدود داخل حدود دولة جنوب السودان، وهي جبهات الحروب الممتده على الحزام الجغرافي المعروف بالجنوب الجديد لدولة السودان الشمالي، والممتد عرضيا بين دولة اثيوبيا شرقا الى دولة تشاد غربا، وعلى طول الشريط الحدودي مع دولة جنوب السودان.
لنحو أحد عشر شهرا منذ سبتمبر العام الماضي، يتواصل القتال والعنف في كافة مناطق ولاية النيل الازرق، وباستخدام مختلف انواع الأسلحة الثقيلة، وبصورة خاصة القصف الجوي المستمر من قبل سلاح الطيران الحكومي، مخلفة ورائها مآساة إنسانية مستمرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان للألاف من المدنيين. وتشمل الجرائم المقترفة ضد عشرات الآلاف من المواطنين، والتي تشكل وقف تقارير العديد من منظمات حقوق الانسان المستقلة جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب، وشبهات الابادة الجماعية خاصة في محليات باو والكرمك. وتشمل الجرائم المرتكبة التصفيات الجسدية والقتل خارج نطاق القضاة، الاعتقالات التعسفية، الاختفاءات القسرية، التعذيب الممنهج، وتدمير ونهب لممتلكات المواطنين، إضافة الى التشريد والاقتلاع من الجذور لنحو نصف مليون مواطن، بما يتجاوز نصف السكان، يعيشون الأن إما لأجئين في دولتي جنوب السودان وإثيوبيا، أو نازحين دون مساعدة إنسانية داخل المنطقتين المسيطر عليهما من قبل الحكومة السودانية و الحركة الشعبية لتحرير السودان الشمالي. ويعتبر النازحين داخليا مواطنون منسيون، غير مرئيون، في معاناتهم المستمرة بحثا عن الامان والماء والغذاء والدواء والماوى.
تدخل منطقة النيل الازرق سياسيا بعد انفجار المآساة الإنسانية واستمرار جرائم حقوق الانسان الجسيمة، تدخل في حالة من عدم اليقين وانسداد الافق امام أي عملية سياسية سلمية، مضيفة بذلك للتعقيد ولاستمرار ازمات السودان المتداخلة والمتشابه. إنعدام الافق السياسي في النيل الازرق تلخصه اجراءات إعلان الحرب في المنطقة ومن ثم اعلان حالة الطواري من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بما فيها عزل الحاكم المنتخب بقرار رئاسي وتعيين حاكم عسكري مكانه، وحظر نشاط واغلاق ومصادرة ممتلكات حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان بالشمال، هذا فضلا عن الحكم بالفشل ونهاية عملية المشورة الشعبية، والتي كانت تمثل اخر عملية دستورية وسياسية يمكنها جلب الإستقرار والسلام للمنطقة.
إنسداد الأفق السياسي لحل سلمي والحملات العسكرية والامنية المكثفة تضع منطقة النيل الازرق في سياق الأزمات والكوارث الانسانية في مختلف مناطق السودان، حيث تنعدم إمكانية الحلول والتسويات السياسية الجزئية التي ظلت السياسية الرئيسية للحزب الحاكم في الخرطوم، خاصة في ظل تكوين الجبهة الثورية السودانية واتفاق المعارضة السلمية على وثيقة البديل الديمقراطي، واللتين تتفقا على حتمية حل إشكالات السودان المتعددة وتحقيق السلام والاستقرار بصورة كلية وشاملة ضمن الإطار القومي.
النيل الأزرق: إنسداد أفق سياسي ومآساة إنسانية غير مرئية
يوليو 2012
السياق العام: ملخص
اندلاع القتال في مدينة الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق في الاول من سبتمبر من العام 2011 يعتبر عودة للحرب الاهلية من جديد، بعد سلام نسبي استمر لمدة ست سنوات هي عمر اتفاق السلام الشامل، والمنتهي باستقلال دولة جنوب السودان في 9 يوليو 2011.
انطلاق عمليات العنف في الاقليم تعتبر تدشيناً للجبهة الرابعة من الحروب الاهلية التي تشنها قوات ومليشيات حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم في مواجهة قوات المقاومة المسلحة المختلفة، لتنضم النيل الازرق لمناطق دارفور، أبيي، جنوب كردفان/ جبال النوبة، فضلا عن الحرب عابرة للحدود داخل حدود دولة جنوب السودان، وهي جبهات الحروب الممتده على الحزام الجغرافي المعروف بالجنوب الجديد لدولة السودان الشمالي، والممتد عرضيا بين دولة اثيوبيا شرقا الى دولة تشاد غربا، وعلى طول الشريط الحدودي مع دولة جنوب السودان.
لنحو أحد عشر شهرا منذ سبتمبر العام الماضي، يتواصل القتال والعنف في كافة مناطق ولاية النيل الازرق، وباستخدام مختلف انواع الأسلحة الثقيلة، وبصورة خاصة القصف الجوي المستمر من قبل سلاح الطيران الحكومي، مخلفة ورائها مآساة إنسانية مستمرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان للألاف من المدنيين. وتشمل الجرائم المقترفة ضد عشرات الآلاف من المواطنين، والتي تشكل وقف تقارير العديد من منظمات حقوق الانسان المستقلة جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب، وشبهات الابادة الجماعية خاصة في محليات باو والكرمك. وتشمل الجرائم المرتكبة التصفيات الجسدية والقتل خارج نطاق القضاة، الاعتقالات التعسفية، الاختفاءات القسرية، التعذيب الممنهج، وتدمير ونهب لممتلكات المواطنين، إضافة الى التشريد والاقتلاع من الجذور لنحو نصف مليون مواطن، بما يتجاوز نصف السكان، يعيشون الأن إما لأجئين في دولتي جنوب السودان وإثيوبيا، أو نازحين دون مساعدة إنسانية داخل المنطقتين المسيطر عليهما من قبل الحكومة السودانية و الحركة الشعبية لتحرير السودان الشمالي. ويعتبر النازحين داخليا مواطنون منسيون، غير مرئيون، في معاناتهم المستمرة بحثا عن الامان والماء والغذاء والدواء والماوى.
تدخل منطقة النيل الازرق سياسيا بعد انفجار المآساة الإنسانية واستمرار جرائم حقوق الانسان الجسيمة، تدخل في حالة من عدم اليقين وانسداد الافق امام أي عملية سياسية سلمية، مضيفة بذلك للتعقيد ولاستمرار ازمات السودان المتداخلة والمتشابه. إنعدام الافق السياسي في النيل الازرق تلخصه اجراءات إعلان الحرب في المنطقة ومن ثم اعلان حالة الطواري من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بما فيها عزل الحاكم المنتخب بقرار رئاسي وتعيين حاكم عسكري مكانه، وحظر نشاط واغلاق ومصادرة ممتلكات حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان بالشمال، هذا فضلا عن الحكم بالفشل ونهاية عملية المشورة الشعبية، والتي كانت تمثل اخر عملية دستورية وسياسية يمكنها جلب الإستقرار والسلام للمنطقة.
إنسداد الأفق السياسي لحل سلمي والحملات العسكرية والامنية المكثفة تضع منطقة النيل الازرق في سياق الأزمات والكوارث الانسانية في مختلف مناطق السودان، حيث تنعدم إمكانية الحلول والتسويات السياسية الجزئية التي ظلت السياسية الرئيسية للحزب الحاكم في الخرطوم، خاصة في ظل تكوين الجبهة الثورية السودانية واتفاق المعارضة السلمية على وثيقة البديل الديمقراطي، واللتين تتفقا على حتمية حل إشكالات السودان المتعددة وتحقيق السلام والاستقرار بصورة كلية وشاملة ضمن الإطار القومي.
نذر وإندلاع الحرب في النيل الأزرق
بدأت التوترات الامنية بولاية النيل الأزرق واحتمال انزلاقها نحو الحرب الشاملة طيلة الفترة ما بين يونيو 2011 بعد بداية الحرب بجنوب كردفان/ جبال النوبة، الى الاول من سبتمبر 2011 عندما اطلقت القوات الحكومية في الدمازين النيران على وحدات الجيش الشعبي من قوات النيل الازرق معلنة العودة للحرب في المنطقة، إسوة بما فعلت في مدينة كادوقلي.
ففي الوقت الذي ظل فيه حاكم النيل الازرق مالك عقار، والذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس الحركة الشعبية بالسودان الشمالي، يؤكد تمسكه بالسلام طيلة فترة الاشهر الثلاثة منبها لمخاطر الانزلاق إلى الحرب الشاملة، ومواجها في ذلك لضغوطات كبيرة. و كانت الحركة الشعبية بالسودان الشمالي حينها تعيش وتدير ثلاثة أوضاع مختلفه، فقد كانت في حالة شراكة سياسية انتخابية مع حزب المؤتمر الوطني في ولاية النيل الأزرق، وفي حالة دفاع مقاومة عسكرية في ولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة، وفي حالة معارضة سياسية سلمية في بقية اقاليم السودان الشمالي الثلاثة عشر. تلك الأوضاع المختلفة والتي سعت الحركة الشعبية لمعالجتها سياسيا وسلميا تم حسمها من قبل القوى الامنية للحزب الحاكم في الخرطوم باعلانه للحرب الشاملة في الولايتين ومحاولات تصفيته السياسية والعسكرية- الامنية لحزب الحركة الشعبية بالسودان الشمالي.
لقد قاومت النيل الازرق العودة للحرب بشدة، بل سعت الى اعادة الاستقرار والسلام في بقية ولايات السودان خاصة جنوب كردفان/ جبال النوبة. وبالفعل قاد رئيس الحركة الشعبية بالسودان الشمالي وحاكم النيل الازرق عدة محاولات لنزع فتيل الحرب ووقع إطارا اتفاقيا، بمساعدة الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثامبو أمبيكي والرئيس الإثيوبي ملس زناوي، مع نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، نافع على نافع، بالعاصمة الاثيوبية أديس ابابا في نهاية يونيو 2011، فصل دلك الاتفاق في القضايا السياسة والترتيبات الامنية على السواء، لكن سرعان ما نقضه واعلن رفضه للإتفاق رئيس حزب المؤتمر الوطني عمر البشير وهيئات الحزب العليا، معلنة ان الاستراتيجية الحربية تعد الخيار الوحيد للنخبة الحاكمة في الخرطوم.
لقد كان من المؤمل أن تقود صدمة إعلان إستقلال جنوب السودان، والمسؤولية الرئيسية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم عن ذلك بما فيها فقدان ثلث الموارد البشرية والجغرافية والمادية بذهاب الجنوب. كان من المؤمل عودة الوعي للسلطة الحاكمة في الخرطوم لتعيد النظر في كيفية حكم السودان وتتدبر سبل المحافظة على ماتبقى منه، وفقا لأسس المواطنه والعدالة والتنمية والديمقراطية. ولكن المؤسف ان النظام الحاكم لحزب المؤتمر الوطني قرر السير على ذات الخطى السابقة ليبدأ حقبة ما بعد إستقلال الجنوب وإتفاق السلام بإعادة شن الحروب والعودة لحقبة ما قبل 2005 بإعادة إنتاج الأزمات السودانية تحت دعاوى وأوهام العنصرية والنقاء الأيدولوجي، وبكافة إفرازاتها من مآسي إنسانية وإنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
الاوضاع الانسانية وإنتهاكات حقوق الانسان في النيل الازرق
شكلت لحظة العودة الى الحرب في اقليم النيل الازرق صافرة البداية للقوات الأمنية لإرتكاب الإنتهاكات الجسيمة للقانون الدولى الانساني وقانون حقوق الانسان.. فوفقا للحالات التي وقفت عندها المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً ومركز الدراسات الإستراتيجية بالنيل الازرق، فان أنماط الجرائم المقترفة في الاقليم تتشابه الى حد كبير من حيث أتساع نطاقها وإرتكابها بصورة منهجية ومنظمة، مع الجرائم المقترفة في جنوب كردفان/ جبال النوبة ودارفور.
وتحصلت المنظمتين، المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً ومركز الدراسات الاستراتيجية بالنيل الازرق، على أدلة تؤكد إستخدام القوات الأمنية التابعة لحزب المؤتمر الوطني ممثلة في القوات المسلحة وجهاز الامن وقوات الدفاع الشعبي والمليشيات المنظمة للقبائل من داخل وخارج المنطقة، إستخدام هذه المجموعات للعنف المنظم والمتصل طيلة الأشهر الماضية بما فيها المدفعية الثقيلة والمئات من الطلعات الجوية بطائرات الأنتنوف والطائرات المقاتلة في مواجهة المدنيين العزل، مخلفة ورائها للآلاف من المساكن والقرى الخالية تماماً من أي ملمح للحياة، بما يمكن وصفها بقرى الاشباح، بعد إقتلاع سكانها من حياتهم الطبيعية والرمي بعشرات الآلاف منهم في معسكرات اللجوء خارج السودان أو بعثرتهم نازحين داخليا دون رعاية يقتلهم الجوع والمرض ويحصدهم القصف الجوي. كما تمكنت المنظمتين من الحصول على معلومات وشهادات تؤكد ايضا استخدام الجيش الشعبي بالسودان الشمالي للعنف المضاد والعمليات العسكرية في حملات للدفاع عن المواطنيين والمناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان بالنيل الازرق.
o بداية العنف المنظم في الدمازين وإنتشار الحرب في الولاية
أكد شهود عيان انطلاق عملية العنف المنظم بعد اطلاق الرصاص من قبل قوة مشتركة للجيش السوداني وجهاز الامن على قافلة سيارات تابعة للحركة الشعبية بالنيل الازرق بمدينة الدمازين، عاصمة الولاية، في مساء الاول من سبتمبر 2011، وبالتزامن مع إطلاق الرصاص من نقاط التفتيش ومداخل المدينة، خاصة الطريق الرابط بين مدينتي الكرمك والدمازين، إضافة للهجوم على منزل حاكم الولاية ورئيس الحركة الشعبية بالسودان الشمالي. وكان ان سبقت حادثة إطلاق الرصاص الاولى زيادة واسعة وإدخال للآليات العسكرية للمنطقة اضافة لاعادة انتشار ملحوظ للقوات الحكومية بمختلف مناطق الولاية في مؤشر للاستعداد لحالة الحرب الشاملة.
وفي اليوم الثاني لبداية الحرب بالاقليم، اعلن الحزب الحاكم في الخرطوم قرارا رئاسيا باعلان حالة الطواري واقالة الوالي المنتخب من منصبه وحل وحظر نشاط الحزب الشريك في الحكم وفق النتائج الانتخابية. وفرت هذه القرارات الارضية السياسية للحملة العسكرية الأمنية الواسعة في النيل الازرق. فقد بدأت القوات الامنية المختلفة في إستهداف القرىّ والأحياء السكنية بالدمازين وغيرها من مدن الولاية التي يقطنها مواطنون ممن ينتمون تنظيميا للحركة الشعبية أو ينتسبون لمجموعات قبلية داعمة للحركة الشعبية، في دلالة على الإستهداف العرقي والسياسي. وشملت الحملات العسكرية والامنية في الايام الاولي للحرب تفتيش المنازل والطرقات ونقاط التفتيش بالطرق العامة وبين مدن الولاية، وداخل الاحياء، كما تم قصف منازل الدستوريين والسياسيين المعروفين بالمدافع الثقيلة وتدميرها ونهب ممتلكاتها، كما بدات حملات الاعتقالات العشوائية وإطلاق الرصاص على المدنيين في الشوارع وداخل منازلهم. ويمثل الملمح الرئيسي لبداية العنف قبل تحوله الى حالة الحرب الشاملة بالاقليم، إستهداف الحملة العسكرية والأمنية في ايامها الأولي لكافة كوادر الحركة الشعبية من الدستوريين والسياسيين والتنفيذيين، بالنيل الازرق، بما فيها إستهداف أسرهم والمؤيدين والمتعاطفين مع الحزب، فضلا عن استهداف المجموعات الاثنية التي ينظر لها كقاعدة شعبية في مختلف انحاء المنطقة.
o التصفيات الجسدية، الإختفاءات القسرية، الإعتقالات والتعذيب
لم تتمكن فرق العون القانوني من مقابلة وتقديم المساعدة القانونية لمن تم إعتقالهم، وكانوا في عداد المختفيين قسريا لمدة عشرة أشهر، سوى مؤخراً في منتصف يوليو الجاري. فقد تمكن فريق المحاميين التابع للهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات من مقابلة 113 سجين ممن تم إعتقالهم منذ سبتمبر من العام الماضي، وذكرت في الوقت نفسه السلطات العدلية ان المعتقل، الشاعر والكاتب عبدالمنعم رحمه، والذي تناولت العديد من المنظمات الدولية جريمة إختفائه، لا يقع ضمن سلطات اختصاصها وان على المحاميين الإستفسار عنه عند الإستخبارات العسكرية.
الكشف عن الــــــ 113 معتقل من قبل السلطات الحكومية بعد مضي نحو عام من إختفائهم، والذين تتوفر معلوماتهم الكاملة لدي المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً، تثير هذه المعلومات المزيد من الشكوك حول الاعداد الفعلية لمن تعرض للتصفية الجسدية والإختفاء القسري والاعتقال والتعذيب منذ إندلاع العنف بالنيل الازرق، خاصة في ظل ورود تقارير عن محاكمات عسكرية عقدت واصدرت احكاما بالاعدام في مواجهة عدد من المعتقلين. كما تحصلت المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً ومركز الدراسات الإستراتيجية بالنيل الازرق على معلومات مؤثقة، ومن الأقارب وممن شهدوا عمليات القتل والتصفية الجسدية للعشرات من المواطنين داخل المعتقلات والسجون العسكرية للسلطات بمدينة الدمازين، ان اعداد المعتقلين سياسيا تتجاوز الـــــــ200 معتقل داخل سجون السلطات الامنية بالولاية، يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة على مدى الاشهر الاحد عشر الماضية، هذا اضافة للتصفيات الجسدية التي لم تقتصر على من يحملون شبه الانتماء السياسي للحركة الشعبية بالسودان الشمالي أو الانتماء الاثني للمجموعات التي ينظر لها كقاعدة شعبية لحزب الحركة الشعبية. حيث طالت عمليات إغتيالات الأقارب والعاملين مع قيادات حزب الحركة الشعبية، مثل حادثتي التصفية الجسدية وقتل أبناء شقيقة والسائق الخاص لمعتمد محلية الرصيرص، وإعتقال وتعذيب الشقيق الاصغر وحارس المنزل الخاص لاحد قادة الجيش الشعبي بالمنطقة.
o الاستقطاب الاثنى واستخدام المليشيات
ضمن الحملة العسكرية الأمنية لعودة الحرب الشاملة باقليم النيل الازرق، عمل الحزب الحاكم في الخرطوم على إعادة توظيف إستراتيجيته السابقة في الإستقطاب الإثني وتعبئة وتجيش المليشيات القبلية لخدمة أجندته الحربية. حيث تم إعادة فتح معسكرات الدفاع الشعبي بمنطقة مينزا، وكونت ما عرف بالامارات الجديدة للقبائل، تحت الإشراف المباشر للوالي المعين من قبل سلطات الخرطوم الهادي بشري، وبتخطيط وإدارة من قبل وزير التخطيط العمراني محمد سليمان جودابي، والمعروف بخبرته في الاستقطابي الاثني وتعبئة وتجييش القبائل في حروب الحزب الحاكم في مناطق دارفور وأبان حرب جبال النوبة الاولى، ومؤخرا في ولاية نهر النيل أثناء مقاومة قبائل المناصير لعمليات التهجير القسرية من أراضيهم.
وشملت خطط وعمليات توظيف المليشيات القبلية في الحرب الاهلية الجارية التدريب والامداد بالسلاح والذخائر للقوات القبلية مثل قوات كبجي، والتى تتخذ من مبانى شركة التباكو فى سنجة نبق بمقاطعة قيسان مقرا لها، إضافة لما عرف بجيش القبائل. وقد نشطت هذه المليشيات بصورة واسعة فى الهجوم على مناطق باو والكرمك مستهدفة للإثنيات الأصلية في المنطقة مثل الانقسنا والهمج والفونج والمابان، ومارست اعمال القتل والنهب في العديد من المناطق مثل جيقو وكلقو وبقيس ومجبا والسيلك وقرفوك. كما تم ايضا تسليح وتوظيف مليشيات اسماعيل كورا فى المنطقة الواقعة شرق مقاطعة باو وشمال مقاطعة الكرمك، والتي تخصصت فى نهب الممتلكات والماشية، كما إرتكبت العديد من جرائم القتل فى مورييق واردليك وخور عدار . أما فى محلية الرصيرص فقد مارست المليشات القبلية التابعة للدفاع الشعبى عمليات الاختطاف والتعذيب والقتل فى قرى العزازة وابوشندى وام درفا والعرديبة وماريو وجبل النوم، إضافة لدورها في توفير المعلومات بالاسماء وأماكن سكن اعضاء الحركة الشعبية للقوات الامنية.
o حملات القصف الجوي المستمرة
وقفت المجموعة السودانية للديمقراطية اولاً ومركز الدراسات الإستراتيجية بالنيل الازرق على الآثار المباشرة لعميات القصف الجوي على مختلف مناطق ولاية النيل الازرق، والمتصلة لنحو احد عشر شهرا منذ الثاني من سبتمبر 2011 وحتي تاريخ صدور هذا التقرير في نهاية يوليو 2012. كما شاهد فريق المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً بصورة مباشرة لعمليات إلقاء القنابل من طائرات الانتنوف الحكومية على المدنيين الفاريين داخل مناطق يابوس بالنيل الازرق وعند نقطة الفوج الحدودية بأعالي النيل داخل دولة جنوب السودان، هذا فضلا عن حصول مجموعة الديمقراطية أولاً على عشرات الشهادات الحية من المواطنين الناجيين من عمليات القصف، بما فيهم مصابين بسبب القصف، ممن تمكن من عبور الحدود الى معسكرات اللاجئين بدولة جنوب السودان.
وقد تأكد وفق افادات شهود عيان من الناجين، وتقارير العديد من الهيئات الدولية العاملة بالمنطقة ومنظمات حقوق الانسان الدولية، تاكد قيام القوات الحكومية بتنفيذ المئات من الطلعات الجوية مستخدمة لطائرات الأنتنوف والطائرات المقاتلة من طراز الميج مستهدفة ليس فقط القوات التابعة للجيش الشعبي بالسودان الشمالي في المنطقة، بل مستهدفة كذلك للمدنيين العزل في العشرات من القرى والمدن ذات الكثافة السكانية التي تقع خارج سيطرة السلطات الحكومية، بما فيها قصف المدنيين من اللاجئين داخل حدود دولة الجنوب ودولة اثيوبيا. وقد أدى إخضاع كافة مناطق الاقليم للقصف الجوي على مدى أشهر الى مآساة انسانية مستمرة تمثلت في المئات من القتلي وسط المدنيين الابرياء والألاف من الجرحي والمصابين، والتدمير الواسع للممتلكات وسبل العيش والمحاصيل الاعاشية والنقدية، والمرافق التعليمية والصحية، ومقار منظمات التنمية والصحة الدولية، فضلا عن إضطرار المئات من الألآف من المواطنين للهجر القسري لمساكنهم وقراهم ومناطقهم، تاركين كل مايملكون خلفهم، بحثا عن الأمان.
القصف الجوي اليومي لم يقتصر على مناطق العمل العسكري المباشر. فالمناطق التى تبعد مسافات بعيدة عن خطوط المواجهات العسكرية بين القوات الحكومة وجيش الحركة الشعبية بالسودان الشمالي، ويقطنها البسطاء من المواطنين، طالتها اضا عمليات القصف الجوي المكثف مثل مناطق يابوس وشالى واليلى واورا وبلاتوما وودكة وموفا وجردان واوس ومقف. وقد وقف فريق مجموعة الديمقراطية أولاً خلال زياراته للمنطقة، وقف على أثار مجزرة سوق قرية بلاتوما، بما فيها توثيق المقبرة الجماعية لضحايا القصف ومتبقيات الملابس واحذية الأطفال. وكان ان إستهدفت طائرة أنتنوف بمتفجراتها السوق الاسبوعي لقرية بلاتوما أثناء اكتظاظه بالباعة والمشترين، وأدى القصف الى مقتل العديد من المواطنين في الحال، بينما اصيب اصابات بالغة معظم من كان بالسوق وقتها. وقد جمعت أشلاء اجساد بعض القتلي ودفن نحو ثلاثة عشر شخصا في قلب السوق، في قبر واحد وداخل نفس الحفرة التي أحدثها القصف الجوي.
إضافة لما سبق، فإن النماذج ادناه من المناطق الجغرافية والحالات، والصور والفيديوهات المرفقة، والتي ثقتها المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً ومركز الدراسات الإستراتيجية بالنيل الازرق، تقدم أمثلة لعميات استهداف القصف الجوي للمرافق واماكن تواجد المدنيين:
I. القصف الجوي للاهداف المدنية بمحلية الكرمك
مثلت مدينة الكرمك أحد أهم الاهداف المدنية للقصف الجوي. فتاريخيا قبل توقيع اتفاق السلام الشامل مثلت المدينة مركزا سياسيا هاما للحركة الشعبية لتحرير السودان، وخلال الفترة الانتقالية تم التعامل معها كعاصمة ثانية للولاية، باعتبارها ثان اكبر مدينة بالاقليم، وتتسم بالكثافة السكانية العالية والنشاط التجاري الواسع، خاصة العابر للحدود مع دولة اثيوبيا.
و منذ اليوم الاول لتفجر الصراع في النيل الازرق لم تتوقف الطلعات الجوية، وبصورة يومية، صباحا ومساءا، على مدينة الكرمك وأريافها، وحتى لحظة إستيلاء القوات الحكومية على المدينة في نوفمبر 2011. وأدت عمليات القصف الجوي لنحو ثلاثة اشهر على المدينة الى تدمير الممتلكات والمنازل والمنشئات المدنية بما فيها عدد من المدارس والمراكز الصحية ومحطة مياه الكرمك وحوض الخزان الرئيسي ومبانى وبعثة الأمم المتحدة والمنظمات الانسانية والتنموية الدولية مثل مقار منظمة إيكوم ومنظمة إنقاذ الطفولة السويدية، والتى دمرت بالكامل، بالاضافة الى مطار الكرمك. وقد تسبب القصف الجوى المستمر فى إعاقة اهم مصادر الحياة اليومية، خاصة مصادر المياه والمطار الذي يتيح لطائرات الإغاثة من وصول المنطقة. كما شمل استمرار القصف المناطق الريفية والقرى حول مدينة الكرمك لتشمل معظم مناطق المحلية، مثل الكيلى ومياس وسالى والبركة وجرت وديم منصور وميك وسركم.
II. القصف الجوي لمحلية باو
مثلت محلية باو ايضا هدفا رئيسيا لعمليات القصف الجوي المنظم والذي إستهدف المواطنين الأبرياء والثروات الطبيعية بالمنطقة. ولخص المواطنين من اللاجئين والنازحين ممن إلتقتهم مجموعة الديمقراطة اولاً ومركز الدراسات الإستراتجية أسباب الإستهداف الخاص لمحلية باو بالقصف الجوي الى انها تمثل الوطن الأم لقبيلة الانقسنا، كما ينتمي حاكم الولاية المعزول من قبل الخرطوم الى المنطقة. ونقل عدد كبر من الشهود ان مدينة باو، عاصمة المحلية، تم حرقها بالكامل من قبل القوات الحكومية ومليشيات الدفاع الشعبي عند دخولها في نوفمبر الماضي. كما شملت عمليات القصف الجوي قرى المحلية حول مدينة باو، حيث أحرقت بالقصف الجوي قرى ديرنق وفادمية وسالبل ومقنزا وبقيس وابوقرن وكلقو ومجبا وجيقو ومقم ومقجة .
وتشكل أنماط وطبيعة الجرائم الجسيمة المقترفة بمحلية وقرى باو وعاصمة المحلية، ما يمكن أن يؤسس للجرائم ضد الإنسانية والإبادة جماعية، خاصة وان المستهدفين من المدنيين يمثلون إثنيات بعينها. حيث وظفت السلطات الحكومية المركزية ذات آليات ومناهج الجرائم الكبرى المرتكبة بإقليم دارفور، وما تم مؤخرا بجنوب كردفان/ جبال النوبة من قصف جوي للمدنين، وإحتجاز الآلاف من مواطني المنطقة كرهائن بشرية، وحرق ممتلكات المواطنين، وجرائم القتل والتعذيب البشعة التي رواها ذوي الضحايا، هذا اضافة الى نهب المحاصيل وحرق المزارع والقرى وتسميم حفائر المياه. وشملت جرائم القوات الحكومية والمليشيا التابعة لها مناطق محلية باو المختلفة مثل كلقو وجيقو وقبانيت وبك والسلك وملكن والروم وقرف وكوبقيس وديرنق.
III. القصف الجوي المستهدف للاجئين والنازحين أثناء تحركهم
إستهداف المدنيين من مواطني النيل الازرق بالقصف الجوي لم يقتصر على المناطق الجغرافية الثابته، بل إستهدف المواطنون وهم(ن) في حالة فزعهم وتحركهم وبحثهم عن ملاجئ آمنه يحتمون بها، سواء داخل أو خارج المنطقة. فالألاف من النازحين من مناطق سالبل ومقنزا وفادمية وبعد مسيرة بالأقدام لاكثر من مائة كيلومترا تحت المطر ودون طعام، وبعد ان تجمعوا فى منطقة بلدبرو ظنا منهم انهم وصلوا لمنطقة آمنه بعيده عن مناطق القتال، إلأ ان طائرات الانتنوف عادت لتقصفهم، مما أجبرهم على رحلة جديدة من النزوح نحو معسكرات اللجوء فى دولة اثيوبيا. كما ذكر العشرات من شهود العيان من اللاجئين بدولة جنوب السودان تعرضهم للقصف الجو أثناء تحركهم طلبا للأمان خارج الاقليم، مما إضطرهم للتحرك ليلا خوفا من قصفهم بالطائرات. وأكدوا ان الألاف من النازحين يواجهون الان الموت جوعا ومرضا لخوفهم من التحرك والقصف في طريقهم لمعسكرات اللاجئين، وان الألاف منهم يستخدمون الأن كدروع بشرية من قبل مليشيات الحزب الحاكم في مناطق الكرمك ومحلية التضامن بمدينة الشهيد وفي طريق بوط.
القصف الجوي المستمر لا يستهدف فقط النازحون داخليا أثناء محاولاتهم للهروب والبحث عن اماكن آمنه طلبا للحماية، بل إستهدف ايضا المئات من اللاجئين ممن تمكنوا من الوصول للنقاط الحدودية مع دولتي جنوب السودان وإثيوبيا في إنتظار ترحيلهم الى معسكرات اللاجئين داخل دول الجوار. حيث وثقت منظمات حقوق الانسان ووكالات الأمم المتحدة قيام الطيران الحكومي بقصف اللاجئين من النيل الازرق داخل الاراضى الاثيوبية، مما أدي الى إصابة ثلاثة من القوات الاثيوبية. كما وقفت بعثة المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً ومركز الدراسات الإستراتيجية على آثار القصف الجوي داخل ولاية أعالي النيل بدولة جنوب السودان، والذي إستهدف مناطق تجمعات اللاجئين في إنتظار الترحيل لمعسكرات الجمام ودورو، خاصة في منطقة الفوج والتي ظل اللاجئين الجدد يستهدفون فيها بقصف الطيران العديد من المرات.
o لاجئي ونازحي النيل الازرق
منذ إندلاع الحرب الشاملة في النيل الازرق تضرر بصورة مباشرة، ما بين ضحايا وناجيين، من المواطنين ما يزيد عن نصف سكان الولاية. فوفقاً للمقابلات مع منظمات الإغاثة الدولية ومنظمات حقوق الانسان والخبراء من المنطقة، فإن نحو أربعمائة ألف مواطن يعيش الأن إما لأجئاً في دولتي جنوب السودان وإثيوبيا، أو نازحاً داخليا دون إعتراف وعون إنساني داخل المنطقتين المسيطر عليهما من قبل الحكومة السودانية و الحركة الشعبية بالسودان الشمالي. يعتبر هؤلاء المواطنون(ات) منسيون في مأساتهم ومعاناتهم الإنسانية اليومية. وقد تسببت الحملات العسكرية والأمنية المستمرة في هذه المأساة الإنسانية، بما فيها إقتلاع وتشريد مئات الآلاف من السكان من مناطقهم. وتشمل الإحصاءات الرسمية الخاصة بتوزيع وإنتشار مواطني النيل الازرق من الناجيين من القتل والإعتقال والإختفاء القسري، تشمل:
- اكثر من 37 ألف من الفارين من الحرب تمكن من عبور الحدود الى دولة إثيوبيا وتم استيعابهم فى معسكرات اللاجئين فى شرغولي وتنقو،
- نحو 150 ألف من الناجيين من العنف تمكن من الفرار الى دولة جنوب السودان، وتم إستيعابهم في معسكرات الجمام ودورو ومعسكر يوسف بتيل. فيما يتجمع الان نحو 15 ألف متضرر قرب الحدود مع دولة جنوب السودان في انتظار التحرك لمعسكرات اللجوء،
- أكثر من 120 ألف مواطن من النازحين محاصر داخل الإقليم يختبئون في الغابات والخيران والجبال خوفاً من القصف الجوي داخل المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية بالسودان الشمالي،
- ما يزيد عن المائتين الف مواطن نزح من مناطقهم الأصلية وتبعثروا في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية في محليات الكرمك وباو والتضامن، تحت الإرهاب اليومي للقوات المسلحة وجهاز الأمن والاستخبارات العسكرية ومليشيات الدفاع الشعبى ،
- هذا إضافة لعشرات الألاف من مواطني النيل الازرق ممن شاهد اعمال القتل والتعذيب والعنف الممنهج وقرر الفرار والهرب بأرواحهم شمالا تاركين ممتلكاتهم ورائهم، خاصة من محليات الدمازين والرصيرص. ويعتبرون كذلك ضمن النازحين داخليا.
أما الأوضاع الإنسانية لكلتا المجموعتين من النازحين داخليا واللاجئين الى دول الجوار فهي تتسم بالتفاوت والاختلاف من حيث التردي المستمر، وصولاً الى درجات الأزمة والطواري الإنسانية خاصة في حالة النازحيين داخلياً.
وقد أكدت هيئات الإغاثة الدولية، بما فيها المفوضية السامية لشئون اللاجئين، عن التدهور المريع للأوضاع الإنسانية بمعسكرات اللجوء الثلاثة بدولة جنوب السودان. ومع الزيادة المضطرده لاعداد اللاجئين بصورة يومية من طالبي الحماية. فقد وصل للمعسكرات نحو 45 ألف لاجئ جديد خلال الاشهر الثلاثة الماضية فقط، ومع قدوم موسم الأمطار وعدم الإستعداد الكافي لإستقبال الاعداد الكبيرة من الوافدين، فإن اوضاع اللاجئين خاصة الصحية تشهد تدهورا مستمرا. ففي معسكر الجمام يموت 9 أطفال بصورة يومية، بما يتجاوز مرحلة الكوارث، ودلك بسبب تفشي الأمراض الوبائية ونقصان المياه النظيفة في بعض المعسكرات، وغمر الأخرى بمياه الامطار والفيضانات. كما يعاني كبار السن من تدهور الاوضاع الصحية بسبب الجوع إرهاقهم وسيرهم على الاقدام لمسافات طويلة جدا قبل وصولهم لمعسكرات اللجوء، مما أدي الى ظهور معدلات عالية للوفاة وسط المسنين. وشهدت منظمات إغاثة دولية مثل أطباء بلاحدود عن إمتلاء عيادتها بالأطفال المصابين بانخفاض حرارة الجسم والإسهال وسوء التغذية، وإن بقاء الأطفال في مثل هذه الظروف قد يسفر عن عواقب صحية خطيرة للغاية بمعسكرات اللجوء، بما فيها انتشار وباء الكوليرا.
أما الأوضاع الإنسانية لمئات الألاف من النازحين داخليا فهي الأكثر خطورة وتدهورا منذ اندلاع الحرب بالنيل الازرق. حيث يواجه النازحون الأن شبح المجاعة والموت، لا يجدون طعاماً سوى أوراق وجذور الأشجار وتفتك بهم الأمراض والاوبئة، وذلك بسبب رفض السلطات السودانية لوصول المساعدات الإنسانية العاجلة اليهم، في خطوة أعتبرت بان السلطات تستخدم وصول الغذاء للمحتاجين من النازحين ضمن إستراتيجتها الحربية في المنطقة.
فإلمقترح الثلاثي المقدم من قبل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والإتحاد الافريقي وافقت عليه الحركة الشعبية بالسودان الشمالي مباشرة عند تقديمه، بينما ظل حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم يتلكأ لمدة شهور، مرة بزعم دراسة المقترح ومرات بوضع شروط تقضي على مبدأ إيصال العون. واكثر مثال مباشر للرفض غير المباشر من قبل السلطات السودانية لإيصال المساعدات إعلان الخرطوم الصوري بقبول المقترح الثلاثي، بعد مرور خمسة أشهر من طرحه ونحو عام من تفجر الازمة الانسانية، مع وضع قائمة طويلة من الشروط تؤدي تفشل تطبيق الإتفاق واقعيا. الموافقة الصورية المشروطه للمقترح الثلاثي كشفتها فاليري آموس, مسئولة العون الإنساني بالأمم المتحدة, حيث اعلنت انه على الرغم من أن الحكومة السودانية أعلنت عن قبولها بالمقترح الثلاثي الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق, فإن الحكومة قد وضعت شروطاً غير عملية لا تسمح بإيصال المساعدات عبر أطراف محايدة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية – قطاع الشمال. واكد ايضا رفض الأمم المتحدة للقبول المشروط من قبل الخرطوم رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية وقوله لقد وضعت الحكومة السودانية شروطاً عملياتية لا تسمح بإيصال المساعدات عبر أطراف محايدة. وفي واقع الأمر وضعت الخرطوم شروطاً صار معها من المؤكد أن لا شئ سيتغير على الأرض, إلا بالقدر الذي سيسمح به النظام.
الأوضاع الإنسانية للنازحين داخليا بالنيل الازرق وجنوب كردفان/جبال النوبة تدخل الأن مراحلها الأخيرة، إما السماح غير المشروط بإيصال الطعام والدواء والمأواى والماء النضيف للمحتاجين، وتسهيل وصول العاملين الدوليين، أو تتحمل الأطراف الممناعة والرافضة لإيصال المساعدات تبعات إجراءات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2046 وخارطة طريق الإتحاد الأفريقي المنتهية في الثاني من أغسطس 2012، بما فيها البحث عن وتطبيق بدائل اخرى تتيح ايصال المساعدات وبصورة عاجلة.
الخلفية والسياق السياسي العام
o جغرافية النيل الازرق
يحتل اقليم النيل الازرق مساحة تقدر بـــــــــ45844 كيلومترا، ويقع بين خطي عرض 12.15 و 12.55 ، وخطى طول 30.38 و 15.35. وتكتسب جغرافية الإقليم اهمية سياسية خاصة لمجاورته لدولة اثيوبيا من الناحية الشرقية. حيث تتجاور مع الحدود الدولية محليات الرصيرص والكرمك وقيسان. أما من الناحية الجنوبية والغربية للنيل الازرق، فالاقليم يجاور حدودا دولية طويلة تلتقى فيها جمهورية جنوب السودان مع محليات التضامن والكرمك وباو . وداخليا يحد اقليم النيل الازرق ولاية سنار والنيل الابيض ومن الشمال الشرقى تحده محمية غابة الدندر، التى يقع جزاءا كبيرا من مساحتها داخل اراضى النيل الازرق.
ويتشكل اقليم النيل الازرق اداريا من ست محليات هى محلية الرصيرص والتى تقع شرق مجرى النيل الازرق والدمازين على الجزء الغربي، ويجمع بينهما خزان الرصيرص احد اهم المصادر الرئيسية لتوليد وامداد الكهرباء لكفاة مناطق السودان، هذا اضافة لمحليات الكرمك وقيسان والتضامن ومحلية باو. اما التكوين السكاني لإقليم النيل الازرق، فوفقا للاحصاء السكانى للعام 2008 قدر عدد السكان بثمانمائة واثنين وثلاثون الف مواطن، وهو التعداد الذي شابته الكثير من العيوب والاخطاء، وتم انتقاده للاهداف السياسية التي سعى حزب المؤتمر الوطني لتحقيقها عبر نتيجة الاحصاء. ويقدر المختصين من ابناء المنطقة وعدد من المنظمات عبر مسوحات غير رسمية سكان النيل الازرق بنحو المليون والمئتان الف نسمة.
o التركيبة الاجتماعية الثقافية للنيل الازرق
كحال التكوين الاجتماعي الثقافي غير المتجانس لدولة السودان الشمالي، يمتاز اقليم النيل الازرق بالتعدد والتنوع الاجتماعي والثقافى، الاثنى والدينى. فمنطقة النيل الازرق تمثل الوطن الام لعدد كبير من المجموعات الاصلية ذات الانتماء الافريقي، والتي ظلت على مدى التاريخ تمتهن الزراعة والرعي. حيث يضم الاقليم العشرات من المجموعات السكانية والقبائل الافريقية مثل الانقسنا والبرتا والهمج والجمجم والادوك والبرون والرقاريق والجبلاويين والقمز والكدالو والسركم والكوما والقنزا والوطاويط والسلك والملكن والفونج. كما تعتبر اراضي منطقة النيل الازرق وطن مضياف على مدى السنوات، إستقرت فيه واصبحت من مواطنيه مجموعات عديدة من القبائل المهاجرة، والتى يعود تاريخ استقرار بعضها الى حقبة السلطنة الزرقاء في القرن السادس عشر ، مثل قبائل رفاعة الهوى وكنانة، اضافة للقبائل الرعوية غير العربية المتنقلة في بحثها عن المرعى، اضافة لهجرات مجموعات وافراد من قبائل وسط وغرب وجنوب السودان. وقد انحدرت من هذه القبائل مجموعات التجار ورجالات الطرق الصوفية والرعاة والعمالة الزراعية. اما دينيا، فيعتنق معظم سكان النيل الازرق الدين الاسلامى، بمدارسه الصوفية والاسلام الشعبي المختلطة فيه ثقافات الشعوب القديمة مع المبادئ الاسلامية، هذا اضافة للوجود المعتبر للدين المسيحي والمعتقدات الافريقية.
ورغم التعدد والتباين الواسع، اجتماعيا وثقافيا، لمواطني النيل الازرق فقد تمكنت المجموعات السكانية المستقرة على مدى التاريخ المعاصر من التعايش وتحقيق الانسجام النسبي، بما فيه تطويرها ومزجها لانماط الحياة ونظم الانتاج والتداخل الاجتماعي وعلاقات التزاوج والمصاهره. ولم تعرف المجموعات السكانية وقبائل النيل الازرق الانقسام والتوتر الاجتماعي الا بعد إقحام السياسات الاثنية وتوظيفها لخلق وتاجيج الصراعات. فسياسة فرق تسد المتبعة في اقاليم السودان المختلفة من قبل الصفوة الحاكمة في الخرطوم تم توظيفها بفاعلية في النيل الازرق لتمرير سياسات الاقصاء والتهميش، مستندة على اوهام ايدولوجيات النقاء العرقي والديني الإسلامو-عروبي. التوظيف الهدام للاثنية المسيسة وسياسة فرق تسد، خاصة في حقبة التسعينات عبر ما سمي ببرنامج الدعوة الشاملة واعادة صياغة الانسان السوداني، مضافا اليها عوامل تآكل الموارد الطبيعية واحتدام التنافس حولها بالمنطقة وتمدد الفقر بسبب التنمية غير المتوازنة وسياسات تمليك الاراضي قبليا، وفرض الادارات الاهلية. أججت هذه العوامل مجتمعة التوترات الاثنية ووضعتها في حالة الصراع والانقسام القبلي، خاصة بعد تكوين المليشيات وتدريبها ومدها بالسلاح من قبل السلطات المركزية. سياسات فرق تسد وتسيس وتجييش القبائل من قبل الحكومة المركزية في الخرطوم ادى الى تدمير الخبرة والتجربة التاريخية لشعوب وقبائل النيل الازرق في التعايش والعمل المشترك، ووضعت الاقليم في حالة من الانقسام والاستقطاب عند اندلاع الصراعات والحروب مثلما حادث الان.
o التطور والتكوين السياسي للنيل الازرق
قبل تطور التنظيم السياسي لمواطني النيل الازرق في التعبير عن مظالمهم التاريخية، الاقتصادية واالسياسية والثقافية، ككتلة مقاومة مستخدمة الوسائل السياسية والمسلحة، انتظم مواطني الاقليم عبر الاحزاب السياسية المعروفة في السودان مثل احزاب الأمه والاتحادى الديمقراطى واحزاب اليسار السوداني واحزاب الاسلام السياسي. وكان لحزب الامة القومي الثقل السياسي من حيث الولاء والداعمين في الفترات الانتخابية السابقة للفترة الانتقالية. ومع تطور الوعي السياسي بتحديد احتياجات ومطالب مواطني المنطقة وفشل الاحزاب القومية التقليدية في التعبير عن وانتزاع حقوق المنطقة من الحكومات المركزية في الخرطوم، نشأة وتطورت منظومات وكيانات سياسية اقليمية بدأت في المطالبة والعمل من أجل قضايا النيل الازرق، بما فيها المشاركة في الانتخابات القومية، ممثلة في تكوين الإتحاد العام لشمال وجنوب الفونج ورابطة ابناء الانقسنا، إضافة لتنظيم أبناء جنوب النيل الازرق والذي قاد مواطني المنطقة الى الانضمام الى الحركة الشعبية لتحرير السودان لاحقا.
في منتصف الثمانينات شهد اقليم النيل الازرق تطور سياسي كبير اثر على التركيبة السياسية حتي اليوم بانضمام مجموعات كبيره من ابناء المنطقة الى الحركة الشعبية لتحرير السودان المؤسسة في مايو 1984. بداية انخراط ابناء النيل الازرق ضمن منظومة الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان ادت الى انتقال نوعي ووضوح لقضايا ومطالب المنطقة العادلة في المشاركة والتنمية والقضاء على التمييز، وذلك ضمن السياق القومي لقضايا التهميش والاقصاء والاستغلال والتمييز الممارس من قبل السلطة المركزية في الخرطوم.
تبنت الحركة الشعبية لتحرير السودان في اقليم النيل الازرق العمل المسلح لتصعيد قضايا الاقليم ضمن ازمات السودان في المناطق الاخرى. ودخل الجيش الشعبي بالنيل الازرق في حرب عصابات ضد السلطة المركزية فى الخرطوم وسرعان ما تمكن من السيطرة على اجزاء واسعة من الاقليم بما فيها مدينة الكرمك، والتي اصبحت مركزا سياسيا وعسكريا، حيث سيطرت عليها الحركة الشعبية بصورة كاملة منذ العام 1996 وحتى توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005.
افردت اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، افردت بروتوكول خاص لمعالجة قضايا الاستقرار والحرب في إقليمي النيل الازرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة. وقد نجح البروتوكول فى إيقاف نزيف الدم بالمنطقة وشهدت النيل الازرق طوال الفترة الانتقالية ما بين 2005-2011 إستقرار نسبي، فتح المجال للعمل السياسي السلمي في معالجة قضايا المنطقة. وتضمنت العمليات السياسية لخلق الاستقرار والتنمية بالاقليم إجراء انتخابات عامة منتصف الفترة الانتقالية لاختيار حاكم للاقليم وممثلين برلمانيين على مستوى برلمان الولاية والبرلمان القومي. ويعقب الانتخابات، وفقا للبروتوكول، العملية السياسية الأهم في أخذ أراء ومواقف مواطني الاقليم حول مدى تحقيق أو عدم تحقيق اتفاق السلام الشامل لتطلعات ومطالب الاقليم، وذلك عبر ما عرف بالمشورة الشعبية.
مثل توقيع اتفاق السلام الشامل وتضمنها لعملية المشورة الشعبية، مثل نقلة سياسية كبرى في تطور التركيبة السياسية للمنطقة. حيث دخلت الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمنطقة كتنظيم سياسي رئيسي تنافس مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم والاحزاب الاخرى، وحصلت خلال انتخابات ابريل 2010 على منصب حاكم الاقليم بانتخاب رئيسها مالك عقار واليا على النيل الازرق، كما تحصلت على 19 دائرة انتخابية من دوائر المجلس التشريعي الولائي البالغة 48 دائرة، وهي الهيئة التشريعية المناط بها إدارة والاشراف على عملية المشورة الشعبية.
مثلت الفترة الانتقالية مرحلة تغييرا كبيرا على الخارطة والتركيبة السياسية في الإقليم. حيث توفر هامش نسبي من الحريات اتاح لمواطني المنطقة التعبير عن مظالمهم التاريخية وتصعيد مطالبهم المشروعة في المشاركة والعدالة والتنمية المتوازنة على المستويين الاقليمي والقومي. إلأ ان ذلكم التغيير والتطور السياسي في النيل الازرق تمت مقاومته بصورة مستمرة من قبل حزب المؤتمر الوطني، بداية بعدم الالتزام والتنفيذ الكامل الصادق لبنود البروتوكول الخاص بالمنطقة، وصولا الى إشاعة حالة مستمرة من التوترات الامنية والتعبئة السياسية السالبه، والتي اختتمت بشن القوات الحكومية للحرب في سبتمبر الماضي، ومن ثم قتل عملية المشورة الشعبية وافق الاستقرار والسلام في المنطقة، في خطوة اصبح واضحا ان الهدف منها عودة الاقليم وتكوينه الاجتماعي والسياسي الجديد الى مرحلة ما قبل اتفاق السلام الشامل.
o عملية المشورة الشعبية والأفق السياسي
كان لعملية المشورة الشعبية ان تضع حل نهائي وديمقراطي لقضايا النزاع في منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة، وباختصار، كان لآلية المشورة الشعبية عكس مواقف شعبي الولايتين في إتفاقية السلام الشامل من حيث الاستجابة لتطلعاتهم ام لا، ومن ثم قبول الاتفاقية كما هي أو الإعتراض وطلب التطوير للترتيبات الدستورية والسياسية والامنية والإدارية والاقتصادية عبر التفاوض مع الحكومة المركزية.
وكحال العمليات والاجراءات والبنود الرئيسية الاخرى التي تم اجهاضها في اتفاق السلام الشامل، مثل التحول الديمقراطي والاصلاح القانوني واستفتاء منطقة ابيي والمصالحة الوطنية الشاملة وضمان حماية وتعزيز حقوق الانسان عبر آلياتها المحددة، اجهضت كذلك عملية المشورة الشعبية في منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان/جبال النوبة.
وتشمل مراحل وخطوات إجهاض عملية المشورة الشعبية بالنيل الازرق الاتي:
- • رفض حزب المؤتمر الوطني الموافقة على إصدار القانون الذي ينظم تنفيذ المشورة الشعبية حتي تاريخ متاخر من الفترة الانتقالية، وموافقته بعد ذلك تحت ضغوط المجتمع الدولي والضغط الشعبي الذي حاصر مقر البرلمان القومي واجبر اعضاء حزب المؤتمر الوطني على اجازة القانون،
- • العمل على تزوير نتيجة الإحصاء السكاني بالاقليم للتحكم في توزيع دوائر المجلس التشريعي ومن ثم نتائج عملية المشورة،
- • إستخدام الأساليب الفاسدة في الانتخابات بالولاية والعمل على تزويرها، خاصة التشريعية، بداءا من الإرهاب والتهديد وشراء الذمم واستخدام مؤسسات الدولة لمصلحة الحزب الحاكم، وغيرها من ممارسات، للحيلولة دون وصول عدد كافي من الأعضاء يمثلون تطلعات مواطني الولاية من عملية المشورة الشعبية،
- • استخدام أسلوب التعطيل وكسب الزمن حتى ينتهي اجل اتفاقية السلام بقيام استفتاء جنوب السودان دون تنفيذ المشورة الشعبية. وتم ذلك عن طريق التلكؤ في تكوين المفوضية البرلمانية، وتجفيف الموارد المالية للحيلولة دون تنفيذ برامج التوعية والتعليم المدني وأنشطة أخذ الراى، وتعطيل عمل المفوضية بكثرة الغياب وعدم قيام الاجتماعات،
- • السيطرة على أجهزة الإعلام واستخدام الاشاعة وتوظيفها في تشويه عملية المشورة الشعبية، وإطلاق الدعاية الكاذبة حولها وتصويرها وكأنها اجراء للانفصال، وان داعميها من الخصوم السياسيين يعتبرون دعاة للكفر والفجور والفسوق والرذيلة وإثارة مخاوف المجموعات المهاجرة وتعبئتهم ضد المشورة الشعبية بتصويرها وكأنها تعنى تصفيتهم وطردهم من المنطقة، بغرض إشعال نار الفتنة العرقية وهتك النسيج الاجتماعي بالولاية،
- • إستباق نتائج المشورة الشعبية بإصدار الأوامر للقوات المسلحة بنزع سلاح الجيش الشعبي بالنيل الازرق دون ترتيبات أمنية متفق عليها ضمن توصيات المشورة الشعبية وتحدد التسوية النهائية للنزاع،
- • بداية شن الحرب داخل مدينة الدمازين، عاصمة الولاية، بهجوم القوات الحكومية على وحدات الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية بالسودان الشمالي، ومن ثم اعلان حالة الطواري، وعزل الحاكم المنتخب وحظر نشاط حزب الحركة الشعبية ومصادرة ممتلكاته ومطاردة اعضائها،
- • تشريد ما يزيد عن نصف سكان الولاية اما باللجوء لدولة جنوب السودان واثيوبيا او بالنزوح داخليا خارج الولاية الى المناطق خارج سيطرة الحكومة السودانية، اضافة لتغييب المؤسسات السياسية مثل البرلمان والجهاز التنفيدي وغيرها من اجهزة مناط بها ادارة عملية المشورة،
- • تعديل قانون المشورة الشعبية من طرف واحد دون مشاورة أهل الاقليم، ودون إشراك الحركة الشعبية الطرف الأصيل في اتفاقية السلام الشامل بعد حظرها وإعتقال ومطاردة منسوبيها.
إجهاض عملية المشورة الشعبية في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان/جبال النوبة وقتلها في مهدها يمثل أهدارا لفرصة ثمينة لتسوية الأوضاع والوصول إلى سلام دائم في المنطقتين عبر آلية ديمقراطية متفق عليها وبضمانات إقليمية ودولية. حيث كان لعملية المشورة الشعبية ان تصبح نموذجا ديمقراطي للتطبيق وخلق الاستقرار في كافة ولايات السودان. وكان بامكان حزب المؤتمر الوطني صناعة مستقبل جديد يرسخ السلام والعدالة والديمقراطية والتنمية باغلاق اخر فصول للحرب في السودان بالتنفيذ الامين للمشورة الشعبية، خاصة بعد تسببه في دفع شعب جنوب السودان لإختيار ترك السودان الموحد. إلا ان خيار الصفوة الحاكمة في الخرطوم ممثلة في حزب المؤتمر الوطني بإشعال الحرب بداية في جنوب كردفان/ جبال النوبة في يونيو 2011 ومن ثم في النيل الازرق بعد ثلاثة اشهر في سبتمبر 2001 جاء ليؤكد إستحالة إستدامة الحلول السلمية المدنية، خاصة بعد نقض حزب المؤتمر الوطني لأخر محاولة لإيحاد الحلول الجزئية عبر اتفاق اديس ابابا الاطاري، وإن جاء جزئيا ومنتقصا، والذي وقعه الحزب الحاكم مع حزب الحركة الشعبية بالسودان الشمالي في يونيو 2011 ثم جاء ورفضه واعلن التنصل عنه وعن كافة الترتيبات السابقة له في اليوم الثاني من التوقيع، فاتحا المجال بدلك للاجندة العسكرية والامنية على حساب الحل السياسي السلمي.
إنسداد الأفق السياسي وتبني الخيارات العسكرية الامنية باشعال اربع جبهات للحرب، مضاف اليها خبرة حزب المؤتمر الوطني في التلاعب بالاتفاقات الثنائية والجزئية، وضعت منطقة النيل الازرق في السياق الاوسع لأزمات السودان المتعددة والمتداخلة خاصة بعد إنفصال جنوب السودان. حيث اصبحت أزمة النيل الازرق جزء من أزمات السودان في مناطقه المختلفه والتي اتفقت معظم القوى السياسية على التعامل معها كحزمة وقضية واحده تتمثل في أزمة الحكم في السودان. وتجلى ذلك التطور في التعامل مع قضايا الحروب وعدم الاستقرار في السودان في ظهور الحراكات السياسية الكبيرة مؤخرا ممثلة في تأسيس تحالف الجبهة الثورية السودانية، وتبنيه ضمن أدوات عمله السلمية تبنيه لمنهج المقاومة المسلحة من أجل حماية المواطنين في مناطق الحروب من ناحية ومن أجل تغيير النظام الحاكم في الخرطوم كهدف استراتيجي يؤسسس لدولة المواطنة والمساواة والعدالة والديمقراطية. وذات الخطوة تبنتها قوى المعارضة السلمية، ممثلة في قوى الاجماع الوطني في الخرطوم باتفاقها على وثيقة البديل الديمقراطي لمرحلة ما بعد تغيير نظام الحكم في الخرطوم. وتتجاوز وفقا لهذه التطورات الأزمة السياسية والكارثة الانسانية في النيل الازرق تتجاوز مرحلة الاتفاقات والتسويات السياسية الجزئية والثنائية، آخذة لموقعها ضمن أزمات السودان المتعدده والمتشابكة والتي لا يمكن التعامل معها وحلها بعد الأن إلا ضمن الإطار القومي الشامل لقضايا السودان، وتحت الضغوط المستمرة محليا ودوليا.
توصيات التقرير
- على المجتمع الدولي لعب دوراً أكثر فاعلية لمعالجة الكارثة الإنسانية في مناطق الصراع في دولة السودان الشمالي بتوفير الإحتياجات الإنسانية بصورة عاجلة ودون شروط أو إعاقة لوصولها للنازحين داخليا واللاجئين في دول الجوار، بما فيها حق النازحين في البقاء في مسكرات للنزوح لتلقى المعونات وحق اللاجئين في الرعاية الكافية والملائمة، وأن تطبق مقترحات وبدائل تجاوز المقترح الثلاثي للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية أو تطوره بسبب الإقاعة المستمرة لتطبيقه من قبل الحكومة السودانية، بما فيها بدائل توفير العون العاجل عبر الحدود الدولية أو الإسقاط الجوي، وان يتم التعامل مع رفض و/أو تلكؤ حزب المؤتمر الوطني الحاكم لفتح المسارات الآمنه لإيصال المساعدات للنازحين داخليا بإعتباره جريمة حرب،
- على المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الامن الدولي إتخاذ تدابير أولية/ تمهيدية تعكس مسؤوليته فى حماية المدنيين بإصدار قرارات تحظر الطيرات الحربي وتطبق عقوبات رادعة في حالة إستخدامه وتطويره، بما فيها عقوبات تدمير البنية التحتية الداعمة لعمليات القصف الجوي،
- على المجتمع الدولي التعامل مع الازمة السياسية والأمنية بمنطقة النيل الأزرق ضمن إطار أزمات وحروب السودان المتعددة والمتداخلة، وممارسة الضغوط السياسية لمعالجة ازمات السودان الشمالي في سياقها الكلي والشامل، وبصورة مبدئية غير ثنائية أومجزأه ضمن عملية شاملة لتحقيق السلام والإستقرار والعدالة والتحول الديمقارطي، وان يوسع من صلاحيات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2046 بان يكون مدخلاً للحل الشامل للصراعات في السودان بمشاركة كافة القوى السياسية ( قوى الإجماع الوطني، الجبهة الثورة السودانية، المجتمع المدني المستقل وحركات المقاومة الشبابية)،
- على هيئات الوساطة الدولية والإقليمية المعنية بقضايا السلام والإستقرار في السودان التعامل مع القوى السياسية الرئيسية ممثلة في الجبهة الثورية السودانية وقوى الإجماع الوطني، بإعتبارها قوى رئيسية فاعلة في قضيتي الحرب والسلام في السودان، مع توفير التسهيلات السياسية والدبلوماسية التي تتيح لها لعب أدوار بناءة واكثر إيجابية في تحقيق الإستقرار، وذلك إسوة بتعاملها مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم،
- على هيئات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية ممارسة الضغوط الكافية لإفاد بعثات تحقيق مستقلة لتقصى الإتهامات الخاصة بإرتكاب إنتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ترقى للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة الإبادة الجماعية، وإصدار التوصيات الخاصة بآليات المحاسبة والعدالة المناسبة. كما على المجتمع الدولي والإتحاد الافريقي دعم مجهودات اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في بحث أوضاع حقوق الإنسان بالنيل الأزرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة، وقرار لجنة التطهير العرقي بمؤتمر البحيرات العظمي الخاص بإفاد لجنة إقليمية لتقصي الحقائق،
- على المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن الدولي والهيئة العامة للأمم المتحدة العمل الجاد في دعم تنفيذ كافة القرارات الدولية الصادرة تجاه السودان، وبصورة خاصة القرارات وأوامر القبض الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية،
- على القوى الدولية والإقليمية التعامل مع قضايا العدالة والسلام وحقوق الانسان والديمقراطية والتنمية في السودان كقضايا مترابطة متداخلة لا تحتمل التجزئة والإنتقاص، وإن دعم أياً منها على حساب الأخرى لا يؤدي الى سوى المزيد من الإحتراب وعدم الإستقرار.
للإتصال:
المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً: عبدالمنعم الجاك،تلفون +249-9- 2455- 1939 ، بريد إلكتروني: [email protected]
مركز الدراسات الإستراتيجية بالنيل الأزرق، سليمان حامد، تلفون +249-9- 6552- 6281، بريد إلكتروني: [email protected]
المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً: تحالف عريض من الديموقراطيين، نساء ورجال، يضم النشطاء والمجتمع الأكاديمي، والنقابيون والنازحين(ات) والفاعلين(ات) سياسياً من مختلف المناطق والخلفيات الجغرافية والثقافية في السودان. وتهدف المجموعة بصورة رئيسية الى إيصال صوت الأغلبية الصامتة من السودانيين(ات) حول قضايا الديمقراطية وترابطها الوثيق مع قضايا السلام والعدالة والتنمية. وتعمل المجموعة بإرتباط وتنسيق وثيق مع المبادرات الديمقراطية المستقلة المختلفة، السودانية والعالمية/ الإقليمية، فضلاً عن المجتمع المدني الستقل. للمزيد من المعلومات والتقارير حول المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً الرجاء زيارة: http://democracygroup.blogspot.com.
مركز الدراسات الإستراتيجية بالنيل الأزرق: سابقاً، المركز الإستراتيجي للدراسات الإجتماعية والثقافية بالنيل الازرق، منظمة غير حكومية ناشطة بولاية النيل الأزرق منذ العام 2005 في مجالات حقوق الإنسان وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني والتحول الديمقراطي، بما فيها التعليم المدني والإنتخابي حول الإنتخابات والمشورة الشعبية. بعد إندلاع الحرب في سبتمبر 2011 تم الإستيلاء على مقر المركز الرئيسي بمدينة الدمازين وتمت مصادرة ممتلكاته ووثائقه ونهبت مصادره المالية. يعمل المركز الان في قضايا العون الإنساني للنازحين واللاجئين من المنطقة، بالاضافة لنشاطه في قضاياالمناصرة و الدفاع وتوثيق إنتهاكات حقوق الأنسان.