كلمة رئيس حركة العدل و المساواة السودانية بمناسبة الإجراءات التقشفية الأخيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة رئيس حركة العدل و المساواة السودانية بمناسبة الإجراءات التقشفية الأخيرة
أيها الشعب السوداني الكريم:
أخاطبكم اليوم باسم حركة العدل والمساواة السودانية، و باسم الجبهة الثورية السودانية، وقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين، و أعلن رأس نظام المؤتمر الوطني إجراءات تقشفية جديدة خرج الشباب على إثرها إلى شوارع العاصمة معبّرين عن رفضهم المدوي لها؛ لأؤكد لكم أنه لا صلاح لأمر البلاد و عصابة الانقاذ في سدة الحكم، لأن النظام هو سبب كل بلاء على العباد و في البلاد، و لأن حكمه لعقدين و نيف من الزمان هو الذي قاد البلاد إلى حافة الهاوية، ولا رجاء ممن جُبل على الهدم أن يكون أداة للإصلاح، ففاقد الشيء لا يعطيه. وجرد أولي لحساب الانقاذ في سني حكمه النكد يؤكد أنه لا أمل في انقاذ البلاد إلا بذهاب طغمة الانقاذ وسياساته، وإستئصال الداء من جذوره، وعلى جناح السرعة. و بين أيديكم بعض من سوءات الانقاذ التي تستوجب الثورة عليه:
1- دفع نظام الانقاذ أهلنا في جنوب السودان دفعاً بسياسات عنصرية استعلائية بغيضة لاختيار الانفصال و بتر جزء عزيز من الوطن بحجة الجنوح إلى السلام، ففرّط في وحدة الوطن و ترابه و لم يكسب السلام.
2- أشعل نظام الانقاذ الحروب في كل من دارفور و كردفان و النيل الأزرق و الإقليم الشرقي، فقتل المواطنين العزّل بمئات اللآلاف، و شرّد منهم الملايين في الداخل و الخارج، وسفك دماء الأبرياء في بورتسودان وأمري وكجبار، واستخدم الطعام والإغتصاب أسلحة للحرب، ومنع الإغاثة عن محتاجيها بشتى السبل كما هو الحال في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، رغم علمه المسبق بأن هذه الأقاليم تعيش ظروفاً معيشية كارثية، ومجاعة محققة لا تبقي و لا تذر.
3- صادر نظام الانقاذ الحريات العامة بما فيها حرية التعبير و الصحافة و التنظيم، و استخدم آلته الأمنية لقمع الشعب و قتله و إذلاله و تعذيبه في بيوت الأشباح بعد أن فاضت بهم الزنازين، و حتى حرائر السودان لم يسلمن من وحشية النظام و انتهاكه للحرمات.
4- أحال نظام الانقاذ الجهاز القضائي السوداني، الذي كان مضرباً لمثل جهاز قضائي مهني مستقل، إلى مسخ مشوّه. فعيّن أهل الولاء له من القضاة ووكلاء النيابة ضباطاً في جهاز الأمن الذي صار يصدر الأحكام القضائية و يترك أمر النطق بها للمحاكم، وعطّل الدستور بجملة من القوانين الدنيا على رأسها قانون الأمن الوطني، فأفقد الدستور رفعته، والقانون مغزاه و ضابطه.
5- عطّل نظام الانقاذ الانتاج في القطاعات الحيوية و في مقدمتها القطاع الزراعي بشقّيه النباتي و الحيواني- مشروع الجزيرة نموذجاً – و القطاع الصناعي، و دمّر القطاع الخدمي برسوم و جبايات لا قبل له بها ولا تخضع إيراداتها لولاية وزارة المالية، و أُبتُلي اقتصاد البلاد في عهده ب”الداء الهولندي” باعتماده على صادر البترول دون سواه، و أفسد التجارة بسياسات تمكين المحاسيب و أهل الولاء السياسي. أما فساده فقد أزكم الأنوف، و صار رأس النظام و أهله و إخوانه و كبار أعوانه بدُف الفساد ضاربين، و لصروحه مشيّدين، فغدا الفساد ديدن من دونهم، لا ينكرونه على بعضهم، بل يعتبرونه فلاحاً وشطارة. فانتفخت حسابات المسئولين في البنوك الأجنبية، و امتلكوا الجزر و الفلل و القصور في كل أركان الدنيا، وأمسوا يتنقّلون بين أبراجهم في الداخل بجسور عالقة بعد أن ألقوا بالنظام المالي الموروث و “أرنيك 15” في صناديق المهملات. فاعتلى السودان بسلوك زمرة الانقاذ هذا أعلى مقاعد الدول الفاسدة، و تزيّل قائمة الدول في معيار الشفافية، ولا حول و لا قوة إلا بالله.
6- تقزّم دور السودان الإقليمي و الدولي في عهد الانقاذ، و صار السودان دولة منبوذة و متهمة بدعم الإرهاب الدولي و لا تحظى باحترام أحد، و صار قادتها، بما فيهم رأس النظام، مجموعة مجرمين هاربين من العدالة الدولية يستنكف صغار الموظفين الدوليين عن الالتقاء بهم.
أيها الشعب السوداني الكريم:
هذا بعض مما في صحائف الانقاذ. و نظام هذا سجلّه، لا يرجى منه صلاحاً أو إصلاحاً. أما الإجراءات التقشفية التي أعلن عنها رأس النظام بعد اعترافه و وزير ماليته بانهيار اقتصاد البلاد و إفلاسه، فهي إجراءات لا تراعي المعاناة الكبرى التي يعيشها أكثر من 90% من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر في كسب لقمة عيشهم، و هي سياسات إقتصادية تقصم ظهر الشعب المنهك أصلاً، و يستعصي عليه تحمّل تبعاتها التضخمية الكارثية، ولا تعدو أن تكون المقاصد النبيلة المعلنة لهذه السياسات من انحياز للضعفاء، و دعم للأسر الفقيرة، إلا محاولات لتخدير للشعب و ذرّ الرماد في عيون الغلابة، فمن غير الانقاذ أفقر الشعب حتى يغنيه الآن؟!
أيها الشعب السوداني الكريم:
والحال ما ترونه و تعايشونه، أوجه ندائي إليكم جميعاً، شيباً و شباباً، طلاباً و عمالاً، نساءً و رجالاً، لاجئين و نازحين، مثقفين ومهنين، أحزاباً سياسية وتنظيمات مجتمع مدني، قوات نظامية ومقاومة مسلحة، أقول للمواطنين جميعاً في الداخل و في الشتات: أن استشعروا مسئوليتكم في هذه اللحظة المصيرية، و في هذا المنعرج الدقيق من تاريخ بلادكم! و أدركوا وطننا العزيز و شعبه و ترابه قبل أن يتفتت على يد عصابة الانقاذ ولات حين مندم! أزيحوا عنكم غبار الإستكانة، و تذكروا أنكم شعب ثائر معلم. و أخرجوا إلى الشارع لمواجهة هذا النظام و إسقاطه و تنصيب بديل ديموقراطي ترضون عنه. لا تركنوا إلى الخطرفات التي يشعيها النظام، مثل غياب البديل، ومثل التخويف من الانتقام من عرقيات و جهويات معينة، و ما إلى ذلك من الحيل و الأحابيل الشيطانية التي يحيكها النظام لإطالة عمره. فالشعب السوداني شعب مسالم متسامح بطبعه. و المقاومة المسلحة تعرف عدوها بدقّة وهو عصابة المؤتمر الوطني، و حتى هؤلاء لن تتعامل معهم إلا عبر القانون إن قدّر لها أن تكون طرفاً في الحكم. أما الحديث عن غياب البديل، فقد أسقط هذا الشعب نظامين عسكريين من قبل في أكتوبر 1964 و إبريل 1985 ولم تكن الترتيبات للبديل بأفضل من حالنا الآن، ومع ذلك لم ترتدّ البلاد إلى حالة الفوضى المزعومة، وحواء السودان لم تعقم حتى يكون بديل الانقاذ هو الانقاذ! حاشا و كلاّ!
وهنا أهيب بكافة الشباب و الطلاب و النساء العمال و جميع قطاعات الشعب للخروج لدعم الشباب الذين نزلوا إلى الشارع للتعبير عن رفضهم لنظام الانقاذ و سياساته، و أبشرهم بدنو فجر النصر المؤزر، و أطمئنهم بأن عضويتنا معهم في قلب المعركة، و أن قواتنا الباسلة على أهبة الاستعداد للتدخّل في الوقت المناسب لحماية الثورة حتى تبلغ غاياتها.
كما أدعو قيادات القوى السياسية المعارضة من أحزاب و معارضة مسلحة و تنظيمات مجتمع مدني لتكثيف الاتصالات فيما بينهم، و مع قطاعات الشباب و الطلاب و المرأة و نقابات المهنيّن و العمال و المثقفين والقيادات الوطنية المستقلة للمبادرة لقيادة الثورة من الأمام وتفعيلها، والتداعي لاجتماع عاجل للتواضع على الترتيبات الانتقالية الخاصة بفترة ما بعد سقوط النظام.
ولا أنسى أن أنبّه النظام إلى أن مواجهة التعبير السلمي بالقوة لا يولّد إلا قوة مضادة، و أذكّرهم بمصير الطغاة الذين حاولوا مواجهة شعوبهم بالبطش و الجبروت في التاريخ البعيد و القريب، و أن ذات المصير سينتظرهم إن سعوا لقهر شعبنا بحد السيف.
أخيراً، أخص الضباط و ضباط الصف و الجنود في القوات النظامية السودانية بالخطاب و أقول: لا تحنثوا بقسم الولاء لهذا البلد و الدفاع عن أرضه و عرضه؛ إربأوا بشرف الجندية من السقوط في مستنقع الدفاع عن نظام مجرم ولغ في دم شعبه، و أحالهم إلى نازحين و لاجئين في كل ركن من أركان الوطن و المعمورة؛ انحازوا إلى صفوف شعبكم، و أزيلوا عنكم عار الانتساب إلى شرذمة الانقاذ؛ فالوطن أرحب من نظام الانقاذ و حزبه، و أنتم أعزّ و أكرم.
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار، و عاجل الشفاء لجرحانا، و الحرية لشعبنا وأسرانا، و ثورة حتى النصر.
د. جبريل إبراهيم محمد
رئيس حركة العدل و المساواة السودانية
نائب رئيس الجبهة الثورية السودانية
22 يونيو 2012