كلمة رئيس حركة العدل والمساواة السودانية بمناسبة الإعلان الرسمي عن نتيجة استفتاء جنوب السودان
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة رئيس حركة العدل و المساواة السودانية بمناسبة الإعلان الرسمي عن نتيجة استفتاء جنوب السودان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين
– الاخوة المواطنون الكرام في كل أقاليمِ السودان نساءً ورجالاً
– الاخوة و الأخوات النازحون و الإخوة و الأخوات اللاجئون في دول الجوار الإفريقي
– أبنائي وبناتي طلاب وطالبات العلم في السودان وخارجه
– الاخوة والأخوات العاملون والعاملات في مرافق الدولة المختلفة
– الاخوة والابناء في القوات المسلحة والشرطة السودانية
– الاخوة والأخوات في دولة جنوب السودان
– الإخوة أبناء وبنات السودان في المهاجر, خاصة في الجماهيرية العربية الليبية وتشاد ومصر والمملكة العربية السعودية والخليج وبقية الدول العربية والافريقية ودول أوروبا وأمريكا
– الإخوة و الأخوات طلائع المقاومة المباركة
السلام عليكم و رحمة الله
تحية وطنية خالصة أبعثها إليكم، حيثما كنتم و كيفما كنتم، في ظرف و منعطف تاريخي دقيق تمرّ به بلادنا العزيزة. أخاطبكم و ما عاد السودان بلاد المليون ميل مربع التي ورثناها عن الآباء و تواثقنا على الحفاظ عليها. أخاطبكم و قلبي يتفطّر دماً و نحن نشهد مأساة انفصال جزء عزيز من الوطن بسبب سياسات خاطئة اتبعتها نخبنا السياسية التي حكمت البلاد منذ استقلالها، و أدمنت الفشل، و في مقدمتهم عصبة المؤتمر الوطني. أخاطبكم و لا يزال الملايين من أطفالنا و نسائنا و شيوخنا يستظلون بخيش بال لا تقيهم زخّات المطر، و لا حرور الصيف، و لا زمهرير الشتاء، و لا تستر عوراتهم، في معسكرات النزوح و اللجوء لأكثر من ثمانية أعوام. أخاطبكم و الحرب الضروس في كردفان و دارفور تختطف منّا خيرة شبابنا الغضّ النضر، أمل أمتنا و عماد مستقبلها. أخاطبكم و بلادنا تواجه تهديداً حقيقياً بالمزيد من التفتّت و التهتّك السياسي و الاجتماعي. أخاطبكم و بلادنا تعيش احتقاناً سياسياً بلغ مداه و ينذر بانفجار وشيك. أخاطبكم و شعبنا يكابد معاناة اقتصادية و غلاء طاحناً ما له من سابقة أو مثيل في بلادنا.
المواطنون الكرام، الأخوات و الإخوة
انتهز هذه السانحة الحرجة لأزجي خالص التهنئة، لأخواتي و إخوتي في جنوب الوطن، شعباً و حكومة، على نجاحهم في تنظيم استفتاء حضاري، توطئة لقيام دولة جنوب السودان الجديدة. فنحن رغم حرصنا على وحدة بلادنا العزيزة، و الغصّة التي نجدها في حلوقنا لانشطاره، إلا أننا نحترم إرادة و خيار أهلنا في جنوب الوطن، و حقّهم في تقرير مصيرهم. فالأصل في الوحدة أن تكون طوعية إختيارية، بعيداً عن القهر و القسر. و أنا على ثقة و يقين بأن شعب جنوب السودان، الذي ذاق مرارة الكبت و الحرمان، و قدم التضحيات الجسام لأخذ أمره بيده، و تحقيق إرادته في الحرية، لقادر على إقامة دولة ديموقراطية رشيدة، تحترم فيها حقوق الإنسان، و يعزّ فيها المواطن، و ترفرف في سمائها اعلام العدل الاجتماعي و الإزدهار الاقتصادي، و تكون أنموذجاً يحتذى به في إفريقيا و غيرها. كما ستكون هذا الأنموذج بإذن الله قطباً جاذباً لوحدة مواطني البلدين مرة أخرى وفق أسس جديدة.
المواطنون الكرام، الإخوة و الأخوات
انفصال الجنوب ليس بالأمر الذي يمكن أن يمرّ دون أن يقف الشعب عنده وقفة لجرد الحساب، و تحديد المسئولين عن التفريط في وحدة تراب الوطن و شعبه. و هنا يعزّ لي أن أقول: إنّه من قلّة الحياء إدعاء الانتصار بتحقيق الانفصال! و من العبث و الإستهتار بمشاعر الشعب و مقدرات الأمّة أن نعلن تقبّلنا لانشطار الوطن “بصدر رحب” دون إظهار الحد الأدنى من الحسرة و الندم على ما انتهت إليه سياساتنا الخاطئة المدمرة. ودون أن يتحمّل المتسبب في هذه الكارثة مسئولية عمله، و يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه عليه الشعب و لو بعد حين. صحيح أن للحكومات الوطنية المتعاقبة كفل مما حدث، ولكن لا شك عندي أن حزب المؤتمر الوطني هو المسئول الأول عن كارثة الانفصال، وعلى قيادته الاعتراف بالخطيئة و تحمّل المسئولية كاملة عمّا آل إليه حال البلاد بدلاً من التبجّح بالانتصارات الزائفة.
المواطنون الكرام، الإخوة و الأخوات
أدت السياسات العرجاء التي اتبعها المركز إلى حالات تذمّر وحروب طاحنة في كل ركن من أرض الوطن منذ بواكير الاستقلال، و ما زالت رحا الحرب تدور في دارفور وكردفان لأن نظام الخرطوم أعزل من كل منطق خلا منطق السلاح، ولا يحسن من العمل سوى التدمير و التشريد. لقد أبتليت بلادنا بنظام متبلّد الأحاسيس، لا يشعر بمعاناة المواطن، و لا يرقّ قلبه لأنين اليتامى و الثكالى في معسكرات النزوح و اللجوء. الحرب مستمرة في دارفور و كردفان لأنّ المؤتمر الوطني مصرّ على التنكّر لحقوق الأهل المشروعة في حكم أنفسهم، و في قسمة عادلة للسلطة و الثروة، و في تعويض المتضررين من الحرب تعويضاً عادلاً و مشروعاً. الحرب مستمرة لأن المؤتمر الوطني يرفض دفع إستحقاقات السلام، و يبحث عن حلول جزئية ديكورية لا تخاطب جذور المشكلة، و لا تردّ الحقوق، أو ترفع المظالم المتوطّنة. و نذر الحرب ماثلة في جبال النوبة و النيل الأزرق لأن النظام مصرّ على تزوير إرادة الشعب فيهما عبر “المشورة الشعبية”. و الجميع يعلم أن معضلة أبيي قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة لتعيد الناس إلى مربع الحرب و نكون بذلك قد أضعنا ما يقرب من ثلث البلاد دون أن نكسب السلام، أي ميتة و خراب ديار بكل أبعاد المقولة. كما لا تخلو سماوات شمال البلاد و شرقها من غيوم الحرب و نذرها بسبب السياسات الرعناء التي ينتهجها المؤتمر الوطني
المواطنون الكرام، الأخوات و الإخوة
بجانب الحروب الدائرة في أقاليم الوطن و التي توشك أن تدور، تعيش بلادنا حالة من الاحتقان السياسي لم يسبق له مثيل بسبب إصرار المؤتمر الوطني على إحتكار القرار الوطني، و ضيقه بالرأي الآخر، و كبته للحريات العامة، و قمعه للتعبير سلمي بالقوة المفرطة، و اعتقاله و تعذيبه للنساء و الرجال بغير مسوّغ قانوني أو أخلاقي، و استخدامه للغة غاية في الرعونة و الإزدراء مع القوى السياسية الوطنية رغم صبرها على الإقصاء السياسي عبر انتخابات عامة زوّرت فيها إرادة الشعب بصورة فجّة و مفضوحة شهد بها العالم أجمع، و لكن غضّ الطرف عنها مقايضة بقيام الاستفتاء في الجنوب و القبول بنتائجه.
المواطنون الكرام، الإخوة و الأخوات
لا أجدني في حاجة إلى أن أحدّثكم عمّا تعايشونه و تشهده بلادنا من تدهور إقتصادي مريع، و غلاء طاحن سرق اللقمة من أفواه الأطفال الجياع، في الوقت الذي أتخم فيه الفئة القليلة المستأثرة من المال العام المنهوب، و من عائدات الفساد و المحسوبية التي تعلن عن نفسها في شكل عمارات شاهقة، و مركبات فارهة، و بذخ لا محدود، وحسابات بليونية في بنوك الداخل و الخارج. لقد تردّى إقتصاد بلادنا إلى هذا الدرك السحيق بسبب الإهمال المتعمّد لقطاع الزراعة بشقّيه النباتي و الحيواني، و الذي يستوعب ما يقرب من ثلاثة أرباع القوى العاملة في البلاد، و تجاهل متطلّبات القطاع الصناعي والبنية التحتية، و التركيز على منتج أحادي في الصادر مع أساليب مشبوهة تتّسم بقدر كبير من السرية في إبرام عقوده و إدارة إيراداته و التصرّف فيها بغير رقيب أو حسيب. يحدث هذا في الوقت الذي يخرج فيه الصرف على حماية النظام و حزبه عبر الأجهزة الأمنية عن السيطرة، و يبلغ فيه الفساد المالي مداه بجشع تجّار الحرب و سماسرتها في الأجهزة الاتحادية و الولائية، و النظام سادر في غيّه في الصرف اللامسئول على السفر والبهارج و الحشود.
المواطنون الكرام، الأخوات و الإخوة
إن المهددات الكبيرة التي تحدق ببلادنا، وتأخذ بتلابيبها مما سلف ذكره و مما لم يذكر، والتي نتجت عمّا كسبت أيدي المؤتمر الوطني، لا يمكن التعويل عليه لمجابهتها و إيجاد الحلول المناسبة لها، ففاقد الشيء لا تعطيه. عليه، ترى حركة العدل و المساواة السودانية ضرورة تجديد دعوتها التي أطلقتها قبل عامين، لقيام حكومة انتقالية ذات قاعدة عريضة، و مهام محددة، تتمثل في تحقيق السلام في إقليمي كردفان و دارفور على أسس و معايير تصلح للتعميم على بقية الأقاليم، و إكمال تنفيذ ما تبقى من اتفاق نيفاشا، و إقامة مؤتمر الأقاليم و المؤتمر الدستوري، و إجراء إحصاء سكاني جديد، و تنظيم انتخابات عامة على كل مستويات الحكم تتوفر على معايير الشفافية و النزاهة. و إن أصرّ المؤتمر الوطني على رفض هذا المخرج المعقول، فما ترك للشعب غير سبيل واحد يسلكه هو سبيل ثورات أكتوبر و إبريل، مستلهماً عبر و نفحات ثورات شعوب تونس ومصر العظيمة، التي أعادت الحرية و القرار إلى الشعوب.
المواطنون الكرام، الأخوات و الإخوة
في ختام حديثي لكم اليوم، أودّ أن أوكد لكم إيمان حركة العدل و المساواة السودانية القاطع، بأهمية وحدة الصفّ الوطني في رسم مساره ومصيره. عليه، ابتهل هذه السانحة لأدعو كافة إخوتي المناضلين الشرفاء في فصائل المقاومة المسلحة، إلى تجاوز الصغائر و حظوظ النفس، و التوجّه بصدق نحو تكوين كيان جامع يلمّ شملنا، و يرصّ صفّنا لمواجهة العدو. فلا نصر بغير وحدة، ولا قيمة لأي اتفاق يتشاكس عليه ملّاكه. وهنا يسرني أن أعلن باسم حركة العدل و المساواة السودانية استعدادنا التمام في كل مؤسسات الحركة، لوضع كل شيء على طاولة الحوار و التداول، و تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق هدف الوحدة الأسمى، و أيادينا ممدودة لكل الشرفاء بغير إستثناء. كما انتهز هذه السانحة لأدعو سائر القوى السياسية الوطنية، و منظمات المجتمع المدني في الداخل و الخارج لتجاوز المصالح الحزبية و التنظيمية الضيّقة، و الارتقاء بالنظر إلى قضايا الوطن العليا، بتوحيد الصف على برنامج حد أدنى، و التنسيق مع قوى المقاومة للعبور بسفينة الوطن وسط هذا الموج المتلاطم إلى برّ الأمان.
و الله وليّ التوفيق.
و السلام عليكم و رحمة الله.