Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

كلمة رئيس حركة العدل والمساواة السودانية بمناسبة الإعلان الرسمي عن نتيجة استفتاء جنوب السودان

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة رئيس حركة العدل و المساواة السودانية بمناسبة الإعلان الرسمي عن نتيجة استفتاء جنوب السودان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين

– الاخوة المواطنون الكرام في كل أقاليمِ السودان نساءً ورجالاً
– الاخوة و الأخوات النازحون و الإخوة و الأخوات اللاجئون في دول الجوار الإفريقي
– أبنائي وبناتي طلاب وطالبات العلم في السودان وخارجه
– الاخوة والأخوات العاملون والعاملات في مرافق الدولة المختلفة
– الاخوة والابناء في القوات المسلحة والشرطة السودانية
– الاخوة والأخوات في دولة جنوب السودان
– الإخوة أبناء وبنات السودان في المهاجر, خاصة في الجماهيرية العربية الليبية وتشاد ومصر والمملكة العربية السعودية والخليج وبقية الدول العربية والافريقية ودول أوروبا وأمريكا
– الإخوة و الأخوات طلائع المقاومة المباركة

السلام عليكم و رحمة الله

تحية وطنية خالصة أبعثها إليكم، حيثما كنتم و كيفما كنتم، في ظرف و منعطف تاريخي دقيق تمرّ به بلادنا العزيزة. أخاطبكم و ما عاد السودان بلاد المليون ميل مربع التي ورثناها عن الآباء و تواثقنا على الحفاظ عليها. أخاطبكم و قلبي يتفطّر دماً و نحن نشهد مأساة انفصال جزء عزيز من الوطن بسبب سياسات خاطئة اتبعتها نخبنا السياسية التي حكمت البلاد منذ استقلالها، و أدمنت الفشل، و في مقدمتهم عصبة المؤتمر الوطني. أخاطبكم و لا يزال الملايين من أطفالنا و نسائنا و شيوخنا يستظلون بخيش بال لا تقيهم زخّات المطر، و لا حرور الصيف، و لا زمهرير الشتاء، و لا تستر عوراتهم، في معسكرات النزوح و اللجوء لأكثر من ثمانية أعوام. أخاطبكم و الحرب الضروس في كردفان و دارفور تختطف منّا خيرة شبابنا الغضّ النضر، أمل أمتنا و عماد مستقبلها. أخاطبكم و بلادنا تواجه تهديداً حقيقياً بالمزيد من التفتّت و التهتّك السياسي و الاجتماعي. أخاطبكم و بلادنا تعيش احتقاناً سياسياً بلغ مداه و ينذر بانفجار وشيك. أخاطبكم و شعبنا يكابد معاناة اقتصادية و غلاء طاحناً ما له من سابقة أو مثيل في بلادنا.

المواطنون الكرام، الأخوات و الإخوة

انتهز هذه السانحة الحرجة لأزجي خالص التهنئة، لأخواتي و إخوتي في جنوب الوطن، شعباً و حكومة، على نجاحهم في تنظيم استفتاء حضاري، توطئة لقيام دولة جنوب السودان الجديدة. فنحن رغم حرصنا على وحدة بلادنا العزيزة، و الغصّة التي نجدها في حلوقنا لانشطاره، إلا أننا نحترم إرادة و خيار أهلنا في جنوب الوطن، و حقّهم في تقرير مصيرهم. فالأصل في الوحدة أن تكون طوعية إختيارية، بعيداً عن القهر و القسر. و أنا على ثقة و يقين بأن شعب جنوب السودان، الذي ذاق مرارة الكبت و الحرمان، و قدم التضحيات الجسام لأخذ أمره بيده، و تحقيق إرادته في الحرية، لقادر على إقامة دولة ديموقراطية رشيدة، تحترم فيها حقوق الإنسان، و يعزّ فيها المواطن، و ترفرف في سمائها اعلام العدل الاجتماعي و الإزدهار الاقتصادي، و تكون أنموذجاً يحتذى به في إفريقيا و غيرها. كما ستكون هذا الأنموذج بإذن الله قطباً جاذباً لوحدة مواطني البلدين مرة أخرى وفق أسس جديدة.

المواطنون الكرام، الإخوة و الأخوات

انفصال الجنوب ليس بالأمر الذي يمكن أن يمرّ دون أن يقف الشعب عنده وقفة لجرد الحساب، و تحديد المسئولين عن التفريط في وحدة تراب الوطن و شعبه. و هنا يعزّ لي أن أقول: إنّه من قلّة الحياء إدعاء الانتصار بتحقيق الانفصال! و من العبث و الإستهتار بمشاعر الشعب و مقدرات الأمّة أن نعلن تقبّلنا لانشطار الوطن “بصدر رحب” دون إظهار الحد الأدنى من الحسرة و الندم على ما انتهت إليه سياساتنا الخاطئة المدمرة. ودون أن يتحمّل المتسبب في هذه الكارثة مسئولية عمله، و يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه عليه الشعب و لو بعد حين. صحيح أن للحكومات الوطنية المتعاقبة كفل مما حدث، ولكن لا شك عندي أن حزب المؤتمر الوطني هو المسئول الأول عن كارثة الانفصال، وعلى قيادته الاعتراف بالخطيئة و تحمّل المسئولية كاملة عمّا آل إليه حال البلاد بدلاً من التبجّح بالانتصارات الزائفة.

المواطنون الكرام، الإخوة و الأخوات

أدت السياسات العرجاء التي اتبعها المركز إلى حالات تذمّر وحروب طاحنة في كل ركن من أرض الوطن منذ بواكير الاستقلال، و ما زالت رحا الحرب تدور في دارفور وكردفان لأن نظام الخرطوم أعزل من كل منطق خلا منطق السلاح، ولا يحسن من العمل سوى التدمير و التشريد. لقد أبتليت بلادنا بنظام متبلّد الأحاسيس، لا يشعر بمعاناة المواطن، و لا يرقّ قلبه لأنين اليتامى و الثكالى في معسكرات النزوح و اللجوء. الحرب مستمرة في دارفور و كردفان لأنّ المؤتمر الوطني مصرّ على التنكّر لحقوق الأهل المشروعة في حكم أنفسهم، و في قسمة عادلة للسلطة و الثروة، و في تعويض المتضررين من الحرب تعويضاً عادلاً و مشروعاً. الحرب مستمرة لأن المؤتمر الوطني يرفض دفع إستحقاقات السلام، و يبحث عن حلول جزئية ديكورية لا تخاطب جذور المشكلة، و لا تردّ الحقوق، أو ترفع المظالم المتوطّنة. و نذر الحرب ماثلة في جبال النوبة و النيل الأزرق لأن النظام مصرّ على تزوير إرادة الشعب فيهما عبر “المشورة الشعبية”. و الجميع يعلم أن معضلة أبيي قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة لتعيد الناس إلى مربع الحرب و نكون بذلك قد أضعنا ما يقرب من ثلث البلاد دون أن نكسب السلام، أي ميتة و خراب ديار بكل أبعاد المقولة. كما لا تخلو سماوات شمال البلاد و شرقها من غيوم الحرب و نذرها بسبب السياسات الرعناء التي ينتهجها المؤتمر الوطني

المواطنون الكرام، الأخوات و الإخوة

بجانب الحروب الدائرة في أقاليم الوطن و التي توشك أن تدور، تعيش بلادنا حالة من الاحتقان السياسي لم يسبق له مثيل بسبب إصرار المؤتمر الوطني على إحتكار القرار الوطني، و ضيقه بالرأي الآخر، و كبته للحريات العامة، و قمعه للتعبير سلمي بالقوة المفرطة، و اعتقاله و تعذيبه للنساء و الرجال بغير مسوّغ قانوني أو أخلاقي، و استخدامه للغة غاية في الرعونة و الإزدراء مع القوى السياسية الوطنية رغم صبرها على الإقصاء السياسي عبر انتخابات عامة زوّرت فيها إرادة الشعب بصورة فجّة و مفضوحة شهد بها العالم أجمع، و لكن غضّ الطرف عنها مقايضة بقيام الاستفتاء في الجنوب و القبول بنتائجه.

المواطنون الكرام، الإخوة و الأخوات

لا أجدني في حاجة إلى أن أحدّثكم عمّا تعايشونه و تشهده بلادنا من تدهور إقتصادي مريع، و غلاء طاحن سرق اللقمة من أفواه الأطفال الجياع، في الوقت الذي أتخم فيه الفئة القليلة المستأثرة من المال العام المنهوب، و من عائدات الفساد و المحسوبية التي تعلن عن نفسها في شكل عمارات شاهقة، و مركبات فارهة، و بذخ لا محدود، وحسابات بليونية في بنوك الداخل و الخارج. لقد تردّى إقتصاد بلادنا إلى هذا الدرك السحيق بسبب الإهمال المتعمّد لقطاع الزراعة بشقّيه النباتي و الحيواني، و الذي يستوعب ما يقرب من ثلاثة أرباع القوى العاملة في البلاد، و تجاهل متطلّبات القطاع الصناعي والبنية التحتية، و التركيز على منتج أحادي في الصادر مع أساليب مشبوهة تتّسم بقدر كبير من السرية في إبرام عقوده و إدارة إيراداته و التصرّف فيها بغير رقيب أو حسيب. يحدث هذا في الوقت الذي يخرج فيه الصرف على حماية النظام و حزبه عبر الأجهزة الأمنية عن السيطرة، و يبلغ فيه الفساد المالي مداه بجشع تجّار الحرب و سماسرتها في الأجهزة الاتحادية و الولائية، و النظام سادر في غيّه في الصرف اللامسئول على السفر والبهارج و الحشود.

المواطنون الكرام، الأخوات و الإخوة

إن المهددات الكبيرة التي تحدق ببلادنا، وتأخذ بتلابيبها مما سلف ذكره و مما لم يذكر، والتي نتجت عمّا كسبت أيدي المؤتمر الوطني، لا يمكن التعويل عليه لمجابهتها و إيجاد الحلول المناسبة لها، ففاقد الشيء لا تعطيه. عليه، ترى حركة العدل و المساواة السودانية ضرورة تجديد دعوتها التي أطلقتها قبل عامين، لقيام حكومة انتقالية ذات قاعدة عريضة، و مهام محددة، تتمثل في تحقيق السلام في إقليمي كردفان و دارفور على أسس و معايير تصلح للتعميم على بقية الأقاليم، و إكمال تنفيذ ما تبقى من اتفاق نيفاشا، و إقامة مؤتمر الأقاليم و المؤتمر الدستوري، و إجراء إحصاء سكاني جديد، و تنظيم انتخابات عامة على كل مستويات الحكم تتوفر على معايير الشفافية و النزاهة. و إن أصرّ المؤتمر الوطني على رفض هذا المخرج المعقول، فما ترك للشعب غير سبيل واحد يسلكه هو سبيل ثورات أكتوبر و إبريل، مستلهماً عبر و نفحات ثورات شعوب تونس ومصر العظيمة، التي أعادت الحرية و القرار إلى الشعوب.

المواطنون الكرام، الأخوات و الإخوة

في ختام حديثي لكم اليوم، أودّ أن أوكد لكم إيمان حركة العدل و المساواة السودانية القاطع، بأهمية وحدة الصفّ الوطني في رسم مساره ومصيره. عليه، ابتهل هذه السانحة لأدعو كافة إخوتي المناضلين الشرفاء في فصائل المقاومة المسلحة، إلى تجاوز الصغائر و حظوظ النفس، و التوجّه بصدق نحو تكوين كيان جامع يلمّ شملنا، و يرصّ صفّنا لمواجهة العدو. فلا نصر بغير وحدة، ولا قيمة لأي اتفاق يتشاكس عليه ملّاكه. وهنا يسرني أن أعلن باسم حركة العدل و المساواة السودانية استعدادنا التمام في كل مؤسسات الحركة، لوضع كل شيء على طاولة الحوار و التداول، و تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق هدف الوحدة الأسمى، و أيادينا ممدودة لكل الشرفاء بغير إستثناء. كما انتهز هذه السانحة لأدعو سائر القوى السياسية الوطنية، و منظمات المجتمع المدني في الداخل و الخارج لتجاوز المصالح الحزبية و التنظيمية الضيّقة، و الارتقاء بالنظر إلى قضايا الوطن العليا، بتوحيد الصف على برنامج حد أدنى، و التنسيق مع قوى المقاومة للعبور بسفينة الوطن وسط هذا الموج المتلاطم إلى برّ الأمان.

و الله وليّ التوفيق.

و السلام عليكم و رحمة الله.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *