الاستفاء فى يومه الاول بالجنوب .. حشود وحضور دولى لافت
جوبا في 10 يناير 2011 — في اليوم الاول من الاستفتاء التاريخي الذي طال انتظاره بشأن استقلال الجنوب السوداني عن شماله و المتوقع على نطاق واسع ان يؤدي الى ولادة دولة جديدة، كان من شبه المستحيل العثور بين طوابير المقترعين على شخص واحد يجهر بتأييد الوحدة مع الشمال .
سالفا كير أعطى إشارة الانطلاق للاستفتاء من خلال حرصه على أن يكون حاضراً في الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي في مركز اقتراع الى جانب ضريح جون غارانغ الزعيم التاريخي للجنوبيين حيث ادلى بصوته .
وقال سالفا كير وهو يرفع اصبعه وعليه علامة الحبر بعد الاقتراع “انها اللحظة التاريخية التي طالما انتظرها شعب جنوب السودان”، مضيفاً “أناشد كل شعب جنوب السودان التحلي بالصبر في حال لم يتمكن أي شخص من الادلاء بصوته اليوم (أمس). لديكم أيام كثيرة تستطيعون أن تدلوا فيها بأصواتكم” .
وأضاف “اقول للدكتور جون (غارانغ) ولكل الذين قتلوا معه ان جهودهم لم تذهب سدى” .
واصطف المقترعون في طوابير ضخمة خارج مراكز الاقتراع قبيل الفجر في جوبا عاصمة الجنوب حيث وصفت لافتات الاقتراع الذي يستمر أسبوعاً بأنه “مسيرة اخيرة الى الحرية” بعد عقود من الحرب الاهلية وما يعتبرونه قمعاً من جانب شمال السودان .
وإضافة الى الواقفين في الطوابير، تجمع العشرات من الذين اقترعوا حول ضريح زعيمهم التاريخي جون غارانغ وهم يقرعون الطبول ويرقصون بفرح ويهتفون “باي باي سودان”. والبعض لف نفسه بالعلم الزاهي الالوان الذي يفترض ان يكون علم الدولة الوليدة التي لم يعرف اسمها بعد، والبعض الآخر يأخذ قسطاً من الراحة مستظلا بفيء شجرة ضخمة في منتصف الباحة الى جانب جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان المكلفين الحفاظ على الامن والذين لم يضطروا لأيّ تدخل .
وعند سؤالهم عن الخيار الذي سيختارونه عبر الورقة الصغيرة التي ستعرض عليهم في مركز الاقتراع ، كان جواب هؤلاء المنتظرين واضحاً وسريعاً بلغة عربية ركيكة “نحن مع الانفصال، نحن مع الاستقلال” .
واكدت مفوضية الاستفتاء ان الاقتراع جرى بشكل طبيعي وهادئ في ولايات الجنوب السوداني كافة باستثناء اقليم مايوم في ولاية الوحدة، حيث اعلنت ان المواجهات المسلحة التي جرت في ولاية الوحدة اول من امس عرقلت اجراء الاستفتاء في احد اقاليم هذه الولاية .
وقال نائب رئيس مفوضية الاستفتاء شان ريك في تصريح صحافي “حصلت معارك، الا انه تم احتواء الوضع” في ولاية الوحدة، مضيفا “انني واثق بأنه لن يكون لهذه الحوادث تأثير على العملية الانتخابية” .
وكان الجيش الشعبي اعلن وقوع معارك بين جنوده ومقاتلين جنوبيين متمردين الجمعة والسبت في اقليم مايوم في ولاية الوحدة ما ادى الى مقتل ستة متمردين واعتقال 32 آخرين. واتهم عناصر تابعة لزعيم ميليشيا مناهض للجيش الشعبي يدعى قلواك قاي بالوقوف وراء هذه الهجمات .
وقال الناطق باسم المفوضية جورج ماكير ان المشاركة فى التصويت كانت “كثيفة جدا” .
وكان الحضور الاميركي قوياً في جوبا في اليوم الاول من الاستفتاء. وكان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي السناتور جون كيري يقف الى جانب سالفا كير وهو يدلي بصوته وقال “انها بداية فصل جديد في تاريخ السودان وهو فصل مهم جدا” .
كما صرح الموفد الاميركي الخاص الى السودان سكوت غريشون الذي كان حاضرا ايضا في مركز الاقتراع في جوبا “في حال اصبح الجنوب مستقلا ستكون هناك حاجة للقيام بالكثير مع ولادة دولة جديدة. بإمكان الشمال والجنوب الاعتماد على دعمنا” .
واعتبر الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي انان أمس من جوبا ان المشاركة الكثيفة في الاستفتاء على مستقبل الجنوب السوداني يجب ان تدفع “الجميع الى القبول بنتائج” هذا الاستفتاء، معرباً عن الامل خلال زيارته أحد مراكز الاقتراع بأن “يوافق كل الاطراف على النتائج عند اعلانها لأن الشعب في النهاية هو السلطة الاخيرة” .
من جهته قال جيمي كارتر الذي كان برفقة انان “ان المعلومات التي تصلنا من الشمال كما من الجنوب تفيد ان الوضع هادئ ومسالم.. هناك اليوم قبول في الشمال كما في الجنوب، انه في حال كان الخيار مع الاستقلال وهو الامر الذي لا نعلمه بعد، لا بد من احترام هذا الخيار” .
وأكد الرئيس الاميركي باراك اوباما في بيان اصدره البيت الابيض أمس، “دعم” الولايات المتحدة “الكامل” للسودان بعد اجراء استفتاء تقرير المصير في جنوب هذا البلد، داعيا جميع الاطراف الى عدم الانجرار لمحاولات الاستفزاز .
وقال اوباما في البيان إن “الولايات المتحدة ستظل ملتزمة في شكل كامل مساعدة الاطراف في معالجة القضايا الحساسة بعد الاستفتاء، مهما كانت نتيجة التصويت”. وأضاف “على كل الاطراف ان يتفادوا الخطاب الناري والاستفزازات التي من شأنها تصعيد التوتر ومنع الناخبين من التعبير عن ارادتهم” .
واعتبرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان بدء الاستفتاء في جنوب السودان يمثل “نجاحا” و”يشكل خطوة تاريخية” في اتجاه السلام .
وأضافت كلينتون في بيان أمس، ان الولايات المتحدة ترحب خصوصا “بالتزام الرئيس (السوداني عمر) البشير بأن تحترم حكومته نتيجة الاستفتاء” .
ومقابل الصفوف الطويلة امام مراكز الاقتراع في الجنوب كانت المشاركة في مراكز الاقتراع الخاصة بالجنوبيين في شمال السودان ضعيفة جداً .
وكان نحو 115 الف جنوبي سجلوا اسماءهم في شمال السودان للمشاركة في الاستفتاء .
وشارك السودانيون الجنوبيون ايضا في الاقتراع في القاهرة ونيروبي وفي عدد اخر من الدول الغربية والافريقية .
وبلغ عدد المسجلين للمشاركة في الاستفتاء ثلاثة ملايين و930 الفا في السودان والشتات بينهم ثلاثة ملايين و754 الفا في الجنوب السوداني .
ولا بد من مشاركة 60% على الاقل من المسجلين في الاستفتاء لكي تعتمد نتيجته .
وحسب اتفاقية السلام الموقعة في 2005 فان الفترة الممتدة بين الاستفتاء و (يوليو) 2011 ستكون مرحلة انتقالية تمهد للانتقال الى الانفصال في حال جاءت نتيجة الاستفتاء في هذا الاتجاه .
وتتواصل اعمال الاستفتاء طيلة اسبوع بسبب وعورة المناطق الجنوبية من السودان وافتقادها الى الحد الادنى من المواصلات .
واعتبرت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية كاثرين أشتون “ان إجراء الاستفتاء له أهمية قصوى لتحقيق السلام الدائم في السودان”، ورأت في بيان وزعه وفد مفوضية الاتحاد الأوروبي في القاهرة أمس أن هذا الاستفتاء “انجاز تاريخي لتنفيذ اتفاقية السلام الشامل التي شهد الاتحاد الأوروبي التوقيع عليها”، معربة عن تطلعها إلى “إجراء استفتاء ناجح يتمكن فيه سكان جنوب السودان من ممارسة حقهم في تقرير المصير بحرية” .