مباحثات كيرى فى الخرطوم وكرتى فى باريس، هل تظفر الحكومة السودانية بالصفقة التى تسعى اليها ؟
الخرطوم – واشنطن في 6 يناير 2011 — تأمل الحكومة السودانية من خلال المرونة التى ابدتها فى السماح للجنوب بالانفصال فى الاستفتاء المقرر له الاحد القادم و المرجح على نطاق واسع ان يقود الى ميلاد دولة جديدة فى الاقليم ، تأمل فى “صفقة” مع المجتمع الدولى وخاصة الولايات المتحدة وذلك برفع العقوبات الاقتصادية عنها و اعفائها من الديون و ابعادها من اللائحة الامريكية للدول الداعمة للارهاب التى ظلت عليها منذ العام 1997 .
وبدات ملامح “الصفقة” تتضح مع التحركات المكوكية التى قام بها رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الامريكى ، السيناتور جون كيرى و لقاءته نائب الرئيس السودانى على عثمان و كبار مساعديه فى الخرطوم امس .
وفى تحرك مواز يسعى وزير الخارجية السودانى ، على كرتى المتواجد بباريس الان الى اتمام “الصفقة” مع الفرنسيين اكبر الداعمين للمحكمة الجنائية الدولية التى تلاحق الرئيس السودانى عمر البشير بمذكرتى اعتقال تتهمانه بأرتكاب جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية و تدبير ابادة جماعية ضد مجموعات الفور والزغاوة والمساليت فى اقليم دارفور غرب السودان .
وبينما حملت زيارة كيرى امس تأكيدات بتعهدات الدعم واعلانه عن انطلاق «مرحلة نرى فيها جذور علاقات اقتصادية جديدة» بين السودان وأميركا، تشمل إلغاء الديون الخارجية ورفع العقوبات الدولية” يتابع المراقبون عن كثب ما يمكن ان تفضى اليه حوارت الغرف المغلقة التى يجريها الوزير السودانى المتنفذ مع المسؤولين الفرنسيين بخصوص شبح الملاحقة القضائية الدولية الذى يتهدد رئيس الحكومة السودانية و ما اذا كان البشير سيظفر ب”صفقة” ايضا على الصعيد الشخصى ام سيجنى ثمار تعاونه على انفصال الجنوب شركاؤه من الاسلاميين فى الحكم .
وقال السيناتور كيري والذي يقوم بزيارة للسودان تمتد أسبوعا، فى تصريحات بالخرطوم امس بعد مباحثاته مع المسؤولين السودانيين إن «المرحلة التي يمر بها السودان مهمة ومفصلية» .
ورحب «بالجهود والتصريحات التي أبدتها الحكومة بأن الاستفتاء سيكون آمنا وناجحا وأن نتيجته ستكون محل احترام الجميع” .
وأشار كيري عقب لقائه مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع، إلى «بعض العقبات التي تواجه السودان من ديون خارجية وعقوبات مفروضة عليه»، ونوّه في هذا الصدد بـ«ما أعلنه الرئيس الأميركي باراك اوباما في وقت سابق عن قدرة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على معالجة هذه العقبات عند حدوث خطوات ايحابية»،
واضاف : «اعتقد أننا في مرحلة نرى فيها جذور علاقات اقتصادية جديدة مع اميركا». وقال نافع أن «كيري أكد خلال اللقاء ان التطورات الايجابية في السودان ستنعكس ايجابا على العلاقات مع أميركا” .
كما صرّح كيري لمجموعة من الصحافيين في ختام لقاء في الخرطوم مع مستشار الرئيس السودانى غازي صلاح الدين، ان «خطاب الرئيس البشير (بمناسبة استقلال بلاده ) وتصريحاته امس الاول في جوبا مشجعة جدا». وأضاف كيري : ان هذه التصريحات «ايجابية وبناءة جدا وأعتقد انها مؤشر جيد للاحداث التي تبدأ في الايام المقبلة»..
وقال «نتمنى ان يجري الاستفتاء على ما يرام والذي سيكون مؤشرا جيدا لعلاقة جديدة معززة مع الولايات المتحدة” .
من جهته ، قال مستشار البشير للشؤون الامنية ، صلاح عبد الله “قوش” ، إن كيري «جاء حاملا تأكيدات ووعود الإدارة الأميركية التي طرحتها من قبل، ونقل لنا رضا المجتمع الدولي عن الخطوات التي سارت حتى الآن في تنفيذ اتفاقية السلام».
وأضاف قوش : أن المسؤولين السودانيين أكدوا لكيري «التزام الحكومة بتنفيذ اتفاقية السلام وقيام الاستفتاء والاعتراف بنتيجته، وأن الشعب السوداني سيتابع تنفيذ وعود الإدارة الأميركية ويحدد علاقته بأميركا في المستقبل».
وذكر عبد الله أن كيري تحدث معه حول قضية أبيي وأوضح له أن الحكومة قدمت الحلول التي تعالجها عبر الورقة التي قدمها الوسيط الافريقي ثابو امبيكي، «لكن الحركة الشعبية هي المتعنتة وهي التي تعقد معالجة القضية” .
وفي واشنطن، قال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون الافريقية ، جوني كارسون «نعتقد أنه (الاستفتاء) سيعكس الارادة الحقيقية للشعب، وسيتم في موعده بشكل سلمي ومنظّم»، مضيفا ان «الولايات المتحدة قد استثمرت قدرا كبيرا من الدبلوماسية لضمان أن تكون نتيجة الاستفتاء ناجحة وسلمية» .
ووصف الاستفتاء الذي يجرى على مدى أسبوع بأنه تتويج لسنوات من العمل عقب اتفاق السلام في عام 2005 والذي أنهى أطول الحروب الاهلية في افريقيا .
وقادت الولايات المتحدة الضغوط على حكومة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لعدم تعطيل الاستفتاء .
وقال كارسون : أن واشنطن «راضية بشكل خاص» عن تصريحات البشير في جوبا أمس الاول والتي قال فيها ان “الخرطوم مستعدة للسماح بانفصال الجنوب” ..
و أكد كارسون «سندعم أيضا هذه الدولة الجديدة (جنوب السودان) للنجاح في الوقوف على قدميها والتقدم اقتصادية وسياسيا» .
و اتضح أن المسؤولين الاميركيين قد بدأوا بالفعل العمل على اعداد خطة لتطوير جنوب السودان الذي ينتج 70 % من نفط السودان الإجمالي. وأكد المسؤولون استعدادهم للاعتراف سريعا بـ«الحكومة» الجنوبية الجديدة، وتعيين سفير يقود الجهود الاميركي لتطوير البنى التحتية والتجارة والاستثمار .
ونفى مسؤول أمريكي كبير تحدث لرويترز شريطة عدم الكشف عن اسمه تلميحات الى أن الولايات المتحدة تتحرك في الاساس بدافع الاهتمام بنفط الجنوب الذي لا يزال نقطة شائكة رئيسية في التعامل بين الخرطوم وجوبا والذي كان أيضا بعيدا الى حد كبير عن متناول الشركات الغربية بسبب العقوبات الامريكية التي فرضت على السودان في عام 1997
وقال نائب مدير الشؤون الافريقية في الوكالة الاميركية للتنمية الدولية (يو اس ايد) لاري غاربر «نتوقع تطبيق ذلك بشكل سريع جدا بعد الاستفتاء» .
ولم تتم بعد تسوية قضايا بينها الحدود والمواطنة ومصير منطقة أبيي الغنية بالنفط مما يجعل فترة الستة أشهر التي تعقب التصويت فترة محفوفة بمخاطر محتملة .
وأعرب مسؤول أميركي رفيع المستوى عن ثقته «الكاملة بأنه يمكن ايجاد ترتيبات واتفاق حول تقاسم النفط، والقضايا الاقتصادية، والدين الذي يشكل عنصرا مهما جدا» .
وكان المسؤولون متفائلين أيضا بشأن الاحتمالات الخاصة بمنطقة أبيي الحدودية الغنية بالنفط والتي يطالب كل من الطرفين بالسيادة عليها. وفي حين لم تسفر شهور من المفاوضات حتى الان عن اتفاق بشأن أبيي قال مسؤول أمريكي كبير انها لم تعد نقطة اشتعال محتملة للحرب .
وقال “نعتقد أنه رغم أن القضايا السياسية لم تحل الا أنها لن تؤدي الى أي أعمال عنف كبيرة” .
وكان كيرى قد حمل فى اكتوبر الماضى خارطة طريق الى الخرطوم لأصلاح العلاقات بين البلدين و العمل على ادماج النظام السودانى الذى يعانى من العزلة فى الاسرة الدولية من جديد فى حال تعاونت الخرطوم فى اجراء الاستفتاء بشكل سلمى و قبلت نتائجه .
سوى ان خارطة طريق كيرى المليئة بالحوافز المغرية للخرطوم تتضمن ايضا شروطا بالعمل على ايجاد حل سلمى لدارفور ربما لن يكون اقل تكلفة من ما انفقته الحكومة السودانية فى اتفاقية السلام مع الجنوب التى على تكلفتها لم تكن تتضمن ملاحقة المسؤولين فيها بواسطة المحاكم الدولية .
ويخشى كثيرون الا تقدم هذه الحوافز ما يكفي لاغراء الشمال باتباع سبيل اكثر انفتاحا نظرا لاستمرار وجود مذكرة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بالقبض على الرئيس عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية في دارفور .
ومن المرجح ان تؤدي تلك المذكرة واستمرار التمرد في دارفور الى تأجيل رفع العقوبات التجارية الامريكية واعفاء السودان من ديونه الخارجية ومثل هذه الخطوات هي الحوافز القوية التي يمكن ان تقنع الشمال بالانفتاح .