تراجيديا سودان ما بعد الإنفصال: القادم أسوأ!(1-5)
بقلم د/ إسماعيل عبد الرحمن
مدخل أول: حالة مواطن!
1 يناير 2011 — عندما يضطر الفكي أدم أبكر وهو غفير فيلا راقية بجوار إحدي المستشفيات الخاصة في الخرطوم، الذهاب إلي البصير سبيل بحي (أمبده كرور) الشعبي لعلاج طفله، زوجته أو حتى حماره، فإنها حالة جديرة بالتفكير. في هذه السلسلة سأتناول الأزمة بدارفور وكيف يمكن صياغة مشروع سياسي يمكن أن يلتف حوله شتات الدارفوريين غض النظر عن خلافاتهم المزمنة، كما سأتناول الراهن السياسي والمعيشي ومستقبل سودان ما بعد الانفصال وأثر التعقيدات الداخلية، الإقليمة والدولية والتخبط السياسي لقادة الجبهة الإسلامية.
مدخل ثاني: تكريس السودان دولة عربية إسلامية! أين ( الرزقة والرطانة) من هوية هكذا وطن؟
في صباح يوم بارد، لسعات برد تقشعر لها الأبدان، عاصفة ثلجية تغطي كل شيء الأرض، الأشجار، السيارات، أسطح المنازل حتى الشمس كل شيء إلا التفكير بالوطن. وأنا في خضم آلام تهلك النفس: غرام الفراق، هيام عشق التفاعل مع الجماهير، الشباب والطلاب، والحنين إلي وطن أراها تئن و تتشظي. خلافات الساسة، صراعات الدارفوريين، غلاء الأسعار، جلد النساء ورئيس موتور ومتهم جنائياً بإبادة شعبة فضحه (ويكيليكس) بسرقة9 مليار دولار من قوتهم، قد عاد إلي بزنه العسكرية ليعلن أمام حشد جماهيري أن (لا تحقيق و لا محاسبة للقاضي أو البوليس قدوقدو في قضية جلد فتاة اليوتيوب، إنها الشريعة التي أزلتنا أمام العالم!) يبشر بدستور طالباني خالص ويعلن (الكلام المدغمس زي السوادن بلد متعدد الأديان والأعراق والثقافات واللغات دا مافي بعد الانفصال) كأنما السودان دولة خليجية،مؤكداً في أرض (العجم البجه) بالقضارف أن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة للبلد وذاد (سنطبق حدود الله بالجلد، القطع، القتل والصلب!) (وعلي زمة مقال رباح الصادق التي نشرت بموقع حريات الإلكتروني) كيف لرئيس اعترفت أمه انه كان يضربها إن يكون رحيماً بشعبه؟ برنامج صناعة الموت التي تبثها قناة العربية تبث حقلة عن تنامي الإرهاب والتطرف الإسلامي في السودان وتوضح أن الطريقة السرورية الأصولية التي يتزعمها الدكتور عبد الحي يوسف هي التي اغتالت الصحفي محمد طه. تلك القضية التي اعدم بسببها 9 أبرياء من أبناء دارفور بفبركة من جهاز الأمن، والموضوع يمر دون أن يحرك احد ساكناً، لا أهل القتيل محمد طه ولا أهل الضحايا ال9 ناهيك عن الرأي العام الدارفوري، فإلي أين ستسير يا وطني؟؟؟
مدخل ثالث: لا مبالاة إدارة أوباما بما يحدث في دارفور، الأهم إنفصال الجنوب!
الوقت يمضي بسرعة،مواعيد طائرة عودتي من رحلة أداء واجب العزاء لدي أسرتي الصغيرة بأتلانتا جورجيا، إجراءات السفر تتم علي نسق وسرعة. أخذت مقعدي بجوار حسناء شقراء منهمكة في قراءة مجلات الموضة بنهم، المضيفة تطلب مني أن اختار من قائمة الطعام، فأجيبها (Water & coffee please!)، تبدأ الشقراء في إعارتي جزء من اهتمامها، يبدو أن لكنة إنجليزيتي قد أثارت فضولها، وكعادة الأمريكان تمازحني: تبدو أنيقا! فأجيبها: شكراً! من أين أنت؟ فأجيبها من السودان ومنذ أشهر فقط في أمريكا. في أي جزء يقع السودان في إفريقيا؟ حينها أدركت إنها لا تعرف عن السودان، أخذت شهيقاً عميقاً وقلت أنا من دارفور. فردت آه! لقد رأيت تلك الأفعال الوحشية بالتلفزيون، لماذا تقتل حكومتكم شعبها حكومتنا بأمريكا لا تفعل ذلك؟ فأجيبها يقتلوننا بسب العرق، عرب مسلمون يقتلون أفارقة مسلمون! وأكملت: انفصال الجنوب أيضاً خبر سيء لنا كدارفوريين. الجبهة الإسلامية ستكرس ما تبقي من أرض الوطن دكتاتورية عربية إسلامية، ليصبح السودان جزءاً من الشرق الأوسط وليس إفريقيا. سيرسخ النظام علاقاته بالحركات الإسلامية المتطرفة، و بعربان غوغائيين وبالدول المارقة بقيادة إيران وقطر، لتتصاعد دور العملة القذرة (البترودولار الخليجي). الدول التي لا تراعي الأخلاق في علاقاتها الاقتصادية كالصين وروسيا ستسرق ثرواتنا. والمواطن البسيط خائف، مريض وجائع. أسرتي فرت من الموت، و تقيم حاليا بمعسكر شنقل طوباي للنازحين. أنا احياناً لا أنام إلا قليلاً، الهموم تضح مضجعي يا صديقتي، لأني أدري أن السيناريو القادم أسوأ! حينها أكملت حديثي فوجدتها لا تبالي وقد عادت لقراءة مجلاتها، فتذكرت تصريحات السيدة جنداي فريزر التي قالت فيها أن (ود الخال) الرئيس أوباما أثناء حملته الانتخابية كان يتهم بوش بأنه(Reckless) تجاه أزمة دارفور، ولكنة أصبح الآن (Far Reckless) برغم تعيينة لدبلوماسي مختص بملف دارفور.
نهاية مفاوضات الدوحة و إستفتاء 9 يناير: بداية مرحلة الحد الفاصل لدورة جديدة من الأزمات!
نهايات مفاوضات الدوحة: تهافت التهافت!
لكل اجل كتاب! والكذاب أوصلوه الباب!أصبح الصبح! 19 ديسمبر، الوعد المضروب للتوصل لاتفاق بين النظام وحركة التحرير والعدالة، ولكن لم يتم الاتفاق حول القضايا التي تمثل جوهر الأزمة بدارفور لا نائب رئيس، ولا إقليم، تعويضات، عدالة، حواكير، تنمية، ناهيك عن تحسين الوضع الأمني والإنساني كمؤشر لجدية النظام في التوصل لتسوية سياسية. وبحكم وإطلاعي عن كثب وخبرتي التاريخية بديناميات الفعل السياسي والتنظيمي بالحركات الدارفورية يمكنني الجزم بأن حركة التحرير والعدالة مجرد محصلة لخليط من المتناقضات (برغم احترامي وثقتي في العديد من قادتها)، وان أقدمت علي توقيع اتفاق سلام منفرد مع النظام فإنها ستواجه تحدي الفشل كسابقاتها (حركة مناوي وأخواتها)، وتهافت حركات التهافت بما فيها العدل والمساواة إلي منبر الدوحة لا يستحق سوي الوصف بأنها التفاوض عبثاً، القضية أكبر بكثير من قطر دولية بحجم ولاية كنيتكت. الإقليم يتجه في ذات الوقت نحو الأفضل والأسوأ: حركة العدول والمساواة تبرم تحالفاً مع ثمانية من الفصائل الدارفورية في لندن وتعلن إستعدادها لإسقاط النظام، ويشير مكان التحالف _ بريطانيا_ علي دعم غربي لهكذا خطوة. مؤسس حركة تحرير السودان عبد الواحد نور يغادر منفاه الآمن في باريس إلي نيروبي ويعلن عن إتجاهه لتوحيد فصائل حركته ليضع حداً لحالة اللاسلم واللاحرب. مناوي يعلن موت اتفاقية أبوجا ويدشن عملياته العسكرية بمهاجمة شعيرية في 18ديسمبر دراً علي تصريحات بوق الشؤم (جنا الجيش) العقيد الصوارمي الناطق باسم القوات المسلحة السوادنية، التي إعتبر فيها جيش مناوي قوات معادية. و في ذات التاريخ يعلن مدير جهاز الأمن السوداني محمد عطا عن خطة سياسية دبلوماسية أمنية وعسكرية للقضاء علي الحركات الدارفورية، مدشناً بداية تنفيذ إستراتيجية سلام دارفور من الداخل (الأمنية) المدعوم من قبل الجنرال إسكود قريشن مقابل تسهيل المؤتمر الوطني إجراء الإستفتاء في مواعيده 9 يناير. حفنة من اللقيط وتجار الدم وضغار قادة الجنجويد والمؤتمر الوطني يجوبون بوادي ودمر دارفور وكردفان مستنفرين للجهاد وسط مليشيات الجنجويد التي سئمت القتل وبدأت تأكل بنيها (الصعدة والرزيقات، الترجم المهرية، المسيرية والرزيقات وهلمجرا. جادلت العديد من أصدقائي العرب قبل عدة سنين أن مليشيا الجنجويد هي مخزون من العنف والغباء وإنها تشكل خطرا علي مجتمعاتهم في المستقبل). إذن دارفور يتجة نحو دوره جديدة من الحرب ستكون أكثر شراسة ودموية في ظل تداخل العوامل الإقليمية والدولية، وهستيريا متنفذي النظام من تداعيات إنفصال (البقرة الحلوب) جنوب السودان ومعها أبار النفط ومنابع النيل، وتوسع نفوذ الرئيس المثير للجدل موسيفيني شمالاً، و الطبع الهلع من إفتتاح سفارة إسرائيلية في عاصمة دولة الأماتونج الوليدة جوبا.
في المقال القادم سأتناول المشروع السياسي الذي يمكن أن يلتف حوله شتات الدارفوريين. يمكن التواصل مع الكاتب عبر البريد الإلكتروني:[email protected]