Thursday , 25 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

حسبو “توجيه ” واقتصاد ” التوكل على الله ” !

بقلم محمد بشير ابونمو
[email protected]

كتبت قبل فترة مقالا أسميته : (من بدع شيوخ الإنقاذ : ” كفاية الرصيد من الإيمان ” ) ، والمقال كان فى مضمونه سخرية وتهكم على مدير بنك حكومي فى (سودان الإنقاذ) ، قيل انه وجه ووبخ مسئول الائتمان بالبنك ، وذلك عندما أعاد إليه طلبا للحصول على تمويل كبير لاحد “شيوخ الإنقاذ” بسبب ان الضمانات المقدمة مقابل ذلك التمويل غير كافية ، فما كان منه إلا واغتاظ غضبا وكتب بطلب التمويل هذه العبارة : (يكفى رصيده من الإيمان) ، ليكون ذلك هاديا للموظف المسكين لإعداد الدراسة الائتمانية !

فتحت جهاز التلفاز هذا الصباح لأشاهد واستمع إلى العناوين الصباحية لصحف الخرطوم بفضائية السودان ، فاذا بالمذيع يقطع البرنامج فجأة ويحيل المشاهدين الى تغطية خارجية لنقل مراسم احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال والتي احتواها المجلس التشريعي لولاية الخرطوم ، بوجود واليها عبدالرحمن الخضر وممثل رئاسة الجمهورية ورئيس اللجنة العليا للاحتفال حسبو عبدالرحمن نائب رئيس الجمهورية والمشهور في هذه الأيام في الشارع السوداني ب ” حسبو توجيه ” ليأتي الاسم مضافا لتسمية ساخرة اخرى لشخصية خلافية من قيادات الإنقاذ يحمل نفس الاسم ، والمعروف ب ” حسبو نسوان ” ، ذلك النائب البرلماني الذي نصب وفرغ نفسه للحديث دائما عن جسم المرأة وعورتها ، تاركا كل هموم المواطن والذي يفترض انه “منتخب ” لتمثيله فى البرلمان فى قضاياه الأساسية لا الانصرافية ، وشخصيا فقد شعرت مرة بامتعاض وقرف عندما استضافته إحدى القنوات السودانية مع سيدة سودانية محترمة تحمل درجة الدكتوراه في مجالها ، وذلك للحديث عن رياضة المرأة ، عندما قال (حسبو نسوان ) ببجاحة وقلة أدب ما معناه أين تخفى المرأة “مؤخرتها ” وهى تمارس الرياضة ؟! ، مع العلم انه يقال ان هذا الحسبو “يملك ” فى عصمته ثلاثة من السيدات كزوجات ، هذا غير البنات من صلبه ، ومع ذلك ينظر إلى المرأة كوسيلة لإشباع غريزته فقط و”مصنع “لإنتاج “الخلفة” دون ان ينظر إليها كبنى أدم لها رسالتها في هذه الحياة مثله مثل غيره .

ولكن يقولون ان تسمية نائب رئيس الجمهورية “حسبو توجيه ” قد جاءت ، لان الرجل مغرم بترديد هذه الكلمة في آي مناسبة يدعى لها ، حيث يردد دائما ويقول : ” فقد وجهت بكذا وكذا ….” ، واحسب ان التسمية جاءت مستحقة فقد كرر الرجل هذه العبارة ثلاث مرات على الأفل في خطابه بهذه المناسبة .

أحد المتحدثين الرئيسين فى هذه المناسبة كان السيد مهدى إبراهيم ، هذا الرجل الذي يجيد الخطب الحماسية الفارغة المحتوى ، ومما قاله من فارغ الحديث فى هذه المناسبة ، هو ان السودان بلد متفرد حتى فى استقلاله ، لان الاستعمار عندما خرج قد أرسى بخروجه مؤسسات استعمارية جديدة ليضمن بها تبعية مستعمراته السابقة ، مثل منظمة “الكومنولث ” البريطانية والتي شملت (وطبعا بشكل أختياري ) المستعمرات البريطانية السابقة وكذلك “المنظمة الدولية للفرانكفونية ” والتي ينضوى تحتها المستعمرات الفرنسية السابقة كما هو معروف وهكذا ، ولكن تفرد السودان حسب قول الرجل انه رفض عضوية الكمونولث لأنها منظمة استعمارية ، فدوت القاعة بالتصفيق والتكبير!! ، والكل يعلم مدى الخسارة التي جناها السودان برفضه قبول عضوية نادى الكمنولث ، وكانت حقيقة نوع من الشطحات السياسية التي لم يقدم احد من الرعيل الاول من السياسيين السودانيين اى تفسير مقنع للشعب السوداني حتى الان ، تلك الشطحة التى حرمت البلاد لعقود طويلة ميزات تجارية تفضيلية كان من الممكن ان يستفيد منها اقتصاد البلاد ومنح وبعثات دراسية وتبادل ثقافي مثمر كان كفيل على الاقل بالحفاظ على مستوى التعليم فى البلاد عكس التدهور المريع التى نشهده الان فى ظل “مخربي ” الإنقاذ الذين خربوا كل مناح الحياة بالبلاد.

نأتي الى خطاب حسبو ، حيث قال انهم وطوال ربع قرن من الزمان يتميزون بامر واحد فى حكومة الإنقاذ ، وهذا سر قوتهم وبقائهم فى السلطة ، وهذا الامر هو انهم يقولون دائما ” لا ” لقوى الاستكبار والاستعمار الجديد ، وكلمة “لا ” هو الاستقلال الحقيقي حسب قوله ، رغم انه قد جلب عليهم الكثير من المصائب مثل المحكمة الجنائية والحصار والمقاطعة الاقتصادية وبقائهم فى قائمة الإرهاب طوال هذه المدة ، وغيرها من المصائب ولكنهم صامدون ويصمدون لان الشعب السوداني يقف معهم حسب كلامه (مسكين هذا الشعب السوداني ) ، ولكن المذهل فى خطاب “حسبو توجيه ” ليس هذه الجزئية ، فقد فجر مفاجأة داوية ، قال ان وفد “تقييم صندوق النقد الدولي” قد زاره في مكتبه قبل أيام ليس لتنويره بتقرير “وصفة الإصلاح ” المعروف وبل جاء مستفسرا ومتعجبا من المؤشرات الاقتصادية “الموجبة ” لاقتصاد كان من المفترض ان ينهار بعد فترة وجيزة من انفصال جنوب السودان وخروج البترول من الموازنة العامة ، وذلك حسب تقديراتهم ، ولكن مع كل ذلك – ولاستغراب فريق الصندوق – فان الاقتصاد السوداني ينمو ومتماسك وبل سجل معدلات نموء ومؤشرات إيجابيه اخرى كثيرة ، فكشف لهم السيد “حسبو توجيه ” سر هذا “اللغز الاقتصادي المثير ” والذي ذهب بكل المعايير الاقتصادية المعروفة ، وقال لهم ان هذا هو اقتصاد “التوكل على الله” ، وسره انك ما دام أصلحت علاقتك برب العباد فلن تنالك شئ ، فطوال ربع قرن من الزمان فهم باقون فى السلطة واقتصادهم مستقر فقط لأنهم محافظون على علاقة مرضية برب العباد ، ولم ينس حسبو ان ينصح فريق صندوق النقد الدولي لنقل هذه التجربة (الإنسانية ) ليتم تدريسها فى جامعاتهم فى الغرب ، لعلهم في النهاية ربما يهتدون !

تبقى فقط عزيزي القارئ ان ترجع إلى شريط الأحداث في دار فور واستحضار المقابر الجماعية الناتجة عن الإبادة الجماعية هناك والمرور ايضا على كهوف جبال النوبة لزيارة الهاربين من الاطفال والنساء والشيوخ والعجزة من جحيم البراميل المتفجرة التى تسقطها يوميا طائرات الانتونوف الحكومية ، والى صور القرى المحروقة والجثث المتفحمة للإنسان والحيوان معا ، وكلاهما ضحايا لهذه الطيران الحكومي ، ولا تنسى بالطبع المرور على العاصمة الخرطوم للسؤال عن ضحايا مظاهرات سبتمبر الماضى والذين يفوق عددهم المائتين والذين سقطوا برصاصات مباشرة اما فى الرأس او الصدر من قبل عصابة النظام ومليشياته ، لتزداد اقتناعا فى النهاية من كل ذلك ، إلى اي مدى ان حسبو وقومه في نظام الإنقاذ يتقربون إلى الله زلفى !

Leave a Reply

Your email address will not be published.